خطاب الملك محمد السادس بذكرى الجلوس: “الجدية” واليد الممدودة للجزائر

كانت لخطاب ملك المغرب محمد السادس هذا العام بالذكرى الرابعة والعشرين لجلوسه على العرش كلمة “مفتاح” هي “الجدية “. فقد تقاطعت التقديرات والتحليلات السياسية، والدبلوماسية المتابعة على اعتبار “الجدية” هي أساس الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي، مع دخول عهده اليوبيل الفضي. فالعنوان العريض الذي نتحدث عنه هو هذا الحس بالمسؤولية تجاه الداخل والخارج في آن واحد والذي عبر عنه الملك في كلمته لشعبه، حيث تحدث عن إنجازات، لكنه تحدث اكثر عن تطلعات في مخلتف القطاعات التي تهم الشعب، من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، الى الإشارة للقطاعات التي يوليها اهتمامه المباشر، مثل الطاقة، والطاقة النظيفة، او المياه وترشيد استخدامها، او الصحة. كما انه لم يفته ان يتحدث بآمال عريضة عن القطاع الرياضي الذي يشكل احد أعمدة سياسة العهد منذ اعوام طويلة، كالاشارة الى قيام المغرب بالشراكة مع اسبانيا والبرتغال بتقديم ملف ترشيح مشترك لاحتضان كأس العالم لكرة القدم2030، واعتبارها خطوة غير مسبوقة بالجمع بين قارتين، وحضارتين، أفريقية وأوروبية، بما يوحد أيضاً ضفتي البحر البيض المتوسط. فمعلوم ان انجازات المغرب في كرة القدم عبر منتخبها الذي حلّق في نهائيات كأس العالم الأخيرة في قطر، جعلت من المغرب دولة كروية كبرى ليس في افريقيا وحدها بل في العالم أيضا. وكانت فكرة الترشيح المشترك رائدة ليس بسبب طمعها ثلاثة بلدان متجاورة، بل لكونها جمعت ثلاث ثقافات، وحضارات في قارتين. وهذه فكرة رائدة في عالم مشبع بالصراعات .

لفتني أيضاً ان خطاب الملك موجه للشباب المغربي. فقد تحدث بفخر واعتزاز عن انتاج اول سيارة محلية الصنع بكفاءات وطنية ( شاب مغربي) وتمويل مغربي. وكأنه يقول للشباب الكفوء، و المبدع لكم مكانكم في بلدكم الذي سيدعمكم في مسيرتكم الإبداعية.

اما القضية الوطنية الأولى، أي وحدة التراب المغربي، فقد حضرت في الخطاب مع ملاحظة الملك الى افتتاح مزيد من القنصليات في مدينتي العيون والداخلة في الصحراء المغربية بما يعكس اعترافاً بمغربية الصحراء، وبتزايد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب منذ أعوام كحل وسط.

طوال الخطاب كانت رصانة العاهل المغربي ووسطيته حيال كل الملفات والاستحقاقات الخيط الرفيع الذي جمع بين هذا الخطاب والخطب التي سبقت. فثمة مسار لم يحد عنه الملك محمد السادس منذ ربع قرن.

انما كان هناك عنوان رئيسي شدّ اهتمام المراقبين للوضع في منطقة المغرب العربي: العلاقة مع الجار الأقرب، الجزائر. فقد اصر محمد السادس على القول انها مستقرة وانه يتطلع الى ان تكون افضل. والأهم انه وجه كلامه للمسوؤلين في الجزائر وللشعب أيضا قائلاً ان “المغرب لن يكون مصدر شر او سوء”، داعياً لزيادة التبادل، والتواصل بين الشعبين المغربي والجزائري، وفتح الحدود ( المقفلة بقرار من الجزائر ) بين البلدين والجارين الشقيقين. وهنا يد مدودة لاصلاح العلاقات بين بلدين ما كان يجب انى تصل الأمور بينهما الى هذا الحد من التوتر الذي لا تخفى أسبابه على أحد. وهذا موقف رصين، حكيم يعكس وسطية حكم محمد السادس منذ 24 عاماً. ويحتاج بالمقابل الى يد جزائرية ممدودة لالتقاط فرصة لدفن الخلافات والنزاعات.

وكان عنوان القضية العربية المركزية ماثلاً في خطاب المغرب. فالتوقيت مهم لانه متصل زمنياً بإعتراف إسرائيل قبل أسابيع بمغربية الصحراء، وسبقه انضمام الرباط الى مجموعة الاتفاقات الابراهيمية بين دول عربية وإسرائيل كل هذا لم يمنع محمد السادس من إعادة التأكيدعلى الموقف الثابت من القضية الفلسطينية والسلام على أساس إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

ان من تابع كمراقب من الخارج خطاب محمد السادس بالذكرى 24 للجلوس، لا بد انه خرج بإنطباع مختصره انه يرفع من مقام “الجدية ” والرصانة كنقيض للشعبوية، الاثارة والفوضى .

شارك بتعليقك
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.