معادلة التطبيع أصبحت معقدة بعد ضربة طوفان الأقصى

العدالة اليوم : الدولية

أفادت صحيفة لوموند إن هجوم حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) حطم الفكرة القائلة بأن عملية التطبيع بين إسرائيل والعرب ستؤدي إلى تهدئة المنطقة، وأن القضية الفلسطينية أصبحت موضوعا ثانويا، وبالتالي قضت على الوهم الذي عاشت عليه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي احتشدت له رئاسة خلفه جو بايدن بحكم الأمر الواقع.

 

وأوضحت الصحيفة الفرنسية -في تقرير بقلم مراسلها في واشنطن بيوتر سمولار- أن إدارة بايدن ردت بسرعة وبقوة على الهجوم، وأبدت التضامن الكامل مع إسرائيل ودعم أمنها، وحذرت الجهات المسلحة الأخرى في المنطقة، حتى إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن كثف اتصالاته مع المسؤولين الفلسطينيين وقادة الشرق الأوسط، ساعيا دون جدوى للحصول على إدانات واضحة.

 

وبعد التحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ألقى جو بايدن خطابا لتجديد الشروط التقليدية للالتزام الأميركي إلى جانب الدولة اليهودية، وقال “دعوني أقول ذلك بوضوح قدر الإمكان. الآن ليس الوقت المناسب لأي طرف معادٍ لإسرائيل لاستغلال هذه الهجمات لتحقيق مكاسب”، وأمر المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات الأميركية “يو إس إس جيرالد فورد” بالتوجه نحو شرق البحر الأبيض المتوسط، وبدا أن الأولوية القصوى لواشنطن هي تجنب التوسع الإقليمي للصراع.

 

ومع أن الكونغرس كالبيت الأبيض سرّع التشاور لتقديم مساعدات أمنية طارئة لإسرائيل، فإن الإدارة محدودة التصرف، لأن مجلس النواب في حالة ركود وهو يواجه دون رئيس احتمال إغلاق الأنشطة الحكومية في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، بسبب عدم الاتفاق على الميزانية، كما أن منصب السفير في إسرائيل يشغله القائم بالأعمال، إضافة إلى كون العلاقات معقدة للغاية بل ومتوترة مع اثنين من اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، هما مصر الوسيط التقليدي مع الفصائل الفلسطينية المسلحة وتركيا.

 

غير أن محدودية التصرف تأتي قبل كل شيء من فك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة، بحيث لم تعد تنظر إلى الشرق الأوسط إلا بشكل افتراضي مقيدة ومضطرة، راضية بدور إطفاء نار اللحظة، دون السعي إلى تغيير معالم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما يقول الكاتب.

 

أما غزة التي تخلى العالم أجمع عنها، فهي تحت سيطرة حركة سياسية تتغذى على يأس السكان –كما يقول الكاتب- وعندما يغلي هذا المرجل ويفيض، لا تتوقف مقذوفاته عن إثارة الدهشة، مما يشهد على الجهل أو الاحتقار التام للواقع السائد في هذه المنطقة، حيث السكان المحرومون من أي أفق تزدهر بينهم الفصائل المسلحة وتتقدم عسكريا وتضع الخطط، وتنشئ أجيالا جديدة من المقاتلين.

 

وإذا كان عهد ترامب تميز بسياسة نشطة ومتحيزة في الشرق الأوسط، هدفها تخريب حل الدولتين بشكل نهائي والعمل على التطبيع بين الدول العربية والدولة اليهودية عبر اتفاقيات أبراهام، واختصار “خطة السلام الميتة” في “رؤية لتحسين حياة الفلسطينيين والإسرائيليين”، فإن بايدن الذي أعاد ما قطعه ترامب من المساعدات، وجدد تطلعه إلى “دولتين لشعبين، لهما جذور عميقة وعريقة في هذه الأرض، ويعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن”، اقتصرت إدارته على إدارة الأزمات عن بعد، ومع أنه عمل خلف الكواليس مع مصر والأردن لتعزيز وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس عام 2021، فقد عرض في نفس الوقت على الدولة اليهودية مليار دولار إضافية، بهدف تحديث بطاريات باتريوت الدفاعية.

غير أن الإفلاس السياسي والأخلاقي الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية والاندفاع المتطرف من جانب اليمين الإسرائيلي، يحول -حسب الكاتب- دون أي حوار مباشر، كما أن بايدن لم يجد أي فائدة في تكريس رأس المال السياسي لقضية خاسرة، وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن “منطقة الشرق الأوسط أصبحت اليوم أكثر هدوءا مما كانت عليه منذ 20 عاما”.

ورغم تعدد الملفات، فإن التطبيع التاريخي المحتمل بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية هو القضية الوحيدة التي حشدت لها الدبلوماسية الأميركية بقوة، وعلى أساسه بدأ البيت الأبيض على أثر إدارة ترامب يحلم “بشرق أوسط جديد”، معززا التقارب بين إسرائيل والدول العربية السُنّية، وكأنه مقدمة للسلام بدل أن يكون نتيجة لتسوية الصراع.

أما الآن، فإن يوم سبت من الدماء والفوضى غيّر المشهد بشكل كبير-كما يقول الكاتب- وكلما كان الرد الإسرائيلي أوسع وأكثر حدة على هجوم حماس، زاد عدد القتلى من المدنيين الفلسطينيين، وبالتالي بدا هذا التطبيع وكأنه حلم بعيد المنال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.