تخطى عدد قتلى الصحفيين جراء الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، حصيلة القتلى خلال الحرب العالمية الثانية، والتي وصفت بالحرب الأكثر دموية في التاريخ البشرية وهي مستمرة في صمت رهيب من الرأي العام العالمي .
وارتفع عدد الصحفيين القتلى جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 77، بينهم 9صحفيات، منذ يوم 7 أكتوبر الماضي، بمعدل مقتل صحفي واحد على الأقل يوميا، في فلسطين ولبنان منذ بداية الحرب على غزة.
انتقام جماعي
المثير في حرب عزة، والأمر الذي لم يحدث حتى في الحرب العالمية الثانية، التي استمرت لست سنوات وراح ضحيتها 69 صحفيا، ولا في حرب فيتنام التي قتل فيها 63 صحفيا، والتي استمرت قرابة 20 عاما، أن الأمر لم يقتصر فقط على الصحافيين بل ويصل إلى عائلاتهم، وكأنه عقاب لكل من يريد نقل صورة ما يحدث في غزة.
وعلاقة بالموضوع قال الكاتب والصحافي طلحة جبريل لصحيفة النهار المغربية، إنه غطى العديد من الحروب حول العالم، وكانت حروب أهلية مدمرة، من بينها حرب الصومال، وحرب ليبيريا، وحرب روندا ومالي، إلا أنه لم يشاهد هذا الاستهداف العنيف والمقصود والمباشر للصحفيين.
وشدد الصحافي، أن الهدف من هذا القتل الممنهج للصحافيين أثناء مزاولة مهامهم هو منع وعدم نقل أية معلومات عن الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة.
بورهم الصحافيات النساء لم يسلمن في نيران الجيش الإسرائيلية، حيث قتلت 9 صحافيات منذ بداية الحرب، كانت أخرهم الصحافية عطا الله، رفقة عدد من أفراد عائلتها، في قصف لمنزل أحد أقاربهم، نزحوا إليه في مدينة غزة.
التدخل الدولي
مع تزايد الجرائم ضد الصحافيين تعالت الأصوات للمطالبة بتدخل دولي، لحماية ممثلي وسائل الإعلام المحلية والدولية، وضمان حقهم في نقل الصورة كما هي، وفق أخلاقيات الصحافة وقواعد المهنة.
في هذا السياف قالت كل من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إن الضربات الإسرائيلية التي قتلت الصحفيين في عزة، تعد هجوما مقصودا ومباشرا ويجب التحقيق فيه باعتباره جريمة حرب، بموجب القانون الدولي الإنساني.
محمد الجلطي، أستاذ القانون الدولي الإنساني بكلية الحقوق بوجدة، قال للنهار المغربية، إن القانون الدولي الإنساني يحث على ضرورة احترام الصحفيين المدنيين المكلفين بتغطية النزاعات المسلحة وحمايتهم من أي شكل من أشكال الهجوم العمدي، إلا أن ما نشاهده في غزة يفوق كل التوقعات، ويتعارض مع قانون الحرب.
بدوره أكد طلحة حبريل على أهمية التدخل الأممي، مشددا أن الأمين العام للأمم المتحدة لجأ إلى الميثاق الأممي بهدف فرض بشكل فوري وقف لإطلاق النار، إلا أن الأمر يصتدم بالدعم الغربي والفيتو الأمريكي.
وطالب طلحة بنشر قوات حفظ السلام (القبعات الزرق)، لوقف إطلاق النار، وهي قوات يتكون أفرادها من مدنيين وغير مدنيين يسعون للسلام ومساعدة البلدان الواقعة تحت نيران الصراعات والحروب، إذ تعد هذه القوات عالمية لا بلد لها، ينتمي أفرادها لبلدان عديدة من العالم، إلا أن مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة هو المسؤول عن إصدار قرار نشرها في أية منطقة.
القتل أو الاعتقال
ففي حالة عدم قتل الصحفيين أو إصابتهم أو بتدمير مباني إعلامية أو قطع شبكة الإنترنت، فإن إسرائيل تعمل تدريجياً على خنق الفاعلين الإعلاميين في قطاع غزة بكل الوسائل.
فمن فلت من نيران الجيش الإسرائيلية يجد نفسه أمام الاعتقال والتنكيل، حيث كشف اتحاد الصحفيين الفلسطينيين، أن 41 صحفيا اعتقل منذ 7 أكتوبر، ولم يطلق سراح سوى 12 منهم لاحقا بعد فترات اعتقال مختلفة.
وأضاف الاتحاد أن 44 صحافيا فلسطينيا يقبعون في السجون الإسرائيلية، بسبب نقلهم للمعلومة وكشف جرائم الاحتلال ضد شعب أغزل.
كلفة نقل الصورة
أمام الخطر المستمر الذي يهدِّد حياتهم يومياً، اضطر ما لا يقل عن 50 صحفياً، وفقاً لتقديرات مراسلون بلا حدود إلى ترك منازلهم في مدينة غزة خلال الأيام الأخيرة، في صورة أشبه بتشريد قسري.
هذا المشهد المأساوي دفع الصحافيين حول العالم إلا الانتفاض على الوضع، وطالب أزيد من 750 صحافي أمريكي أصدروا بيان شديد اللهجة، يقولون فيه إنه لا يوجد احترام وحماية للصحفيين أثناء تغطية الأحداث في غزة.
مشددين أن قاعات التحرير في أمريكا أصبحت متحيزة بشكل فاضح وغير مقبول للرواية الإسرائيلية، وهذا يعد خرقا وتجاوزا لكل قواعد الصحافة.
من جانبه، أبرز طلحة أن ما يحدث يشكل مرحلة مفصلية في تاريخ الصحافة، وسيكون له ما بعده، وسينتج عنه تداعيات وانعكاسات على الممارسة الصحافية على المدى البعيد.
وخلص تحقيق أجرته وكالة رويترز حديثا، إلى أن طاقم دبابة إسرائيلية قتل الصحافي العبدالله وأصاب ستة صحافيين آخرين بإطلاق قذيفتين في تتابع سريع من إسرائيل بينما كان الصحافيون يصورون قصفا عبر الحدود اللبنانية من مسافة بعيدة.
هذا الاستهداف المقصود دفع الصحافي البلجيكي ويلسون فاش المختص في تغطية الأحداث الكبرى والحروب لكتابة في رسالة مؤثرة متوجها بها للصحافين، قال فيها ” صباحا عندما تـذهبون لتغطية الأخبار، لـسـتـم واثقون مــن كـونـكـم ستعودون إلـى منازلكم، الأشخاص الذين ليست لـديهم أية أخلاق يشككون في أخالقكم، ولكننا نراكم على حقيقـتكم، صحافيين يقومون بعمل لا يقدر بثمن في ظروف صعبة ومستحيلة“.
بدوره الصحافي الفلسطيني معتز غزايزة كتب بلغة خزينة والقصف يحوم به من جميع الجهات “انتهت مرحلة المخاطرة لنقل الصورة وبدأت مرحلة محاولة النجاة“.