حرارةٌ شبه مفرطة، وكأن الفصل صيفٌ وليس شتاء، سماء بلا سحب ممطرة، وعيون العباد تتابع الغيوم، ولسان الحال يختزل حجم الترقب وبذور الأمل، والكل يلجأ للاستغفار لعل السماء تجود بالخيرات وتنفرج الكربات من رب الأرض والسموات…
نعم، تنفرج الكُربات، وأي كربة أشد وأدهى من كربة العطش وشح المياه.. أنهار ووديان تبدو شبه قاحلة حِصيُّها وقاعها أضحيا مكشوفين للعيان الواقف على جنباتها، كحال نهر أم الربيع بمنطقة بولعوان الذي عود زواره على الخضرة والنظرة والمياه المتدفقة…غير بعيد، آبار تحولت إلى أطلال وحبلها ظل معلقا على الغارب، وما بقيت سوى آثار أقدام وحكايات تروى بعد ان انفض الجمع وسقى الرعاة مواشيهم…
هنا يحفر المرء 200 متر بحثا عن الماء دون جدوى، وهناك من يبحث على عمق أعمق من ذلك بكثير، وقلوب الباحثين عن قطرة ماء لدى الحناجر كاظمين ضمن مشاهد تدمي القلب وتتطلب وقفة تصالح مع الذات…
جالسنا العديد من الفلاحين هنا بمنطقة أولاد سعيد، ممن يرون في هذا الزمن زمن التيك توك والتفاهة، يرون فيه الفارق والفيصل ليس كزمنهم السابق، وهم يحكُون والحنين يحملهم حملا إلى الزمن الجميل :” زمان واش من زمان، الله يحفظنا ويرحمنا الوقت أصبح كيخلع، خاص بنادم يرجع لله…” هكذا قالوا وهكذا هو حالهم اليوم، وهو يتابعون الأحداث بعد تأخر الأمطار وتوالي سنوات الجفاف…
لاحديث اليوم بينهم سوى عن التأخرات المطرية وانعكاساتها على القطاع الفلاحي لمطمورة الشاوية…فيما هرول وتسابق العديد من بني جلدتهم نحو التعاضديات الفلاحية للتأمين عن الخسائر لاقدر الله..
حديثهم اليوم لم يعد مقتصرا على تأمين احتياجاتهم ومواشيهم من الكلأ والعلف وملء البطون، بل تعداه ليبلغ مبلغ البحث عن الماء في فرشة مائية أنهكها الجفاف وقلة التساقطات والحفر العشوائي، وأصبح ماؤها غورا، لم يستطع معه المرء طلبا…
إنها ملامح الفزع والخوف التي أضحت السمة البارزة المهيمنة على حديث المجالس بين الفلاحين البسطاء والمواطنين على حد سواء في البوادي والحواضر، مفادها ” الله يعطينا شبعة ديال الشتا، بنادم ولبغي غير الما…”، فيما آخرون طالبوا بضرورة تقنين سياسة حفر الآبار بالتقنيات الحديثة وتكثيف المراقبة الصارمة عليها بغية ضمان وحماية المياه الجوفية من الهدر والاستغلال العشوائي الذي بلغ ذروته بالعديد من الجماعات القروية بإقليم سطات على سبيل المثال لا للحصر، فيما رُفعت أصوات عدة لمسؤولين وجمعويين واعلاميين بضرورة التعامل مع الوضع بنوع من الحزم، واليقظة، والحذر، والعمل على ترشيد مياه الشرب، عبر القيام بحملات تحسيسية توعوية… فهل اُلتقطت الرسالة؟