عرف الشارع التطواني، منذ أسابيع قليلة، تفجر ملف “التوظيف مقابل المال”، بطله نائب رئيس جماعة تطوان، أنس اليملاحي، والذي كان يشغل مستشارا لوزير العدل السابق، محمد بنعبد القادر، بعد أن قرر وكيل الملك متابعته في حالة اعتقال وإيداعه سجن “الصومال” بتطوان، بتهم تتعلق بالنصب والاحتيال واستغلال النفوذ، طبقا للفصلين 250 و540 من القانون الجنائي.
وحسب مصادر مطلعة على ملف القضية، فإن نائب رئيس جماعة تطوان، اعترف بالنصب والإحتيال على الشاكي، وهو رئيس جماعة سابق بإقليم شفشاون، بعد وعود بتشغيل زوجته كمنتدبة قضائية دون اجتياز مباراة للتوظيف.
وقال اليملحي في تصريحاته للضابطة القضائية، إنه تعرف على الشاكي منذ ثلاث سنوات، وأن الشاكي اتصل به ليستفسر عن بحثه على شخص ليتوسط له في توظيف شقيقة زوجته كمنتدبة قضائية، باعتبارها حاصلة على الإجازة في القانون.
وأشار اليملاحي، بحسب المصدر ذاته، إلى أنه بإمكانية التوسط لتوظيف المعنية بالأمر، وأنه يتوفر على أصدقائه في وزارة العدل، حيث طلب من المشتكي مبلغ 130 ألف درهم نقدا (13 مليون سنتيم)، حيث سلمه المشتكي شيكا بنكيا بهذا الرصيد وطلب منه عدم صرفه.
وقال أنس اليملاحي، حسب تصريحاته للشرطة، إن المشتكي سلمه فعلا مبلغ 125 ألف درهم نقدا، في أحد المقاهي، ليحرر لفائدته اعترافا بالدين.
واعترف اليملاحي بتماطله في إرجاع المبلغ المالي والشيك البنكي الذي سلمه له المشتكي كـ”ضمانة”، لقرابة عام ونصف، مشيرا إلى أنه قام بإرجاعه له في النهاية، بسبب عدم وفائه بوعده بتوظيف شقيقة زوجته.
وأضاف اليملاحي، أنه قبل يومين بحلول شهر رمضان الماضي قام بارجاع المبلغ الذي اتفق مع الشاكي، عبر مراحل، مطالبا المشتكي بارجاع وثيقة الإعتراف بالدين، الا أن الشاكي طالبه بالمبلغ كاملا وهو 30 ملايين سنتيم والذي خلق مفاجئة له.
اليملاحي أضاف للضابطة القضائية، أنه طلب من الشاكي مبلغ 13 مليون سنتيم من أجل اقتسامها بين الوسيط ومسؤولين في وزارة العدل بـ12،5 مليون سنتيم، فيما سيتبقى له 5 مليون سنتيم بعد صدور قرار التوظيف، نفيا أن يكون الأمر يتعلق بـ30 مليون سنتيم.
واعترف اليملاحي أمام الشرطة القضائية في خضم تصريحاته، أنه تحايل وراوغ المشتكي من أجل الإستيلاء على المبلغ كاملا، وأنه ليس هناك أي شخص آخر يتوسط في هذه العملية.
وبعد أشهر من وعوده للمشتكي بتوظيف شقيقة زوجته، طالبه اليملاحي بتسليمه شهادة عدم العمل وشهادة تثبت طبية حول العينين، مع مبلغ 5 ملايين سنتيم كمكافأة لتوسطه، وفق المصدر ذاته.
وبعد مدة لا تقل عن ستة أشهر، برر اليملاحي للمشتكي بأن التأخر في التوظيف جاء نتيجة مشاكل تمر منها وزارة العدل، من بينها نتائج مباراة ولوج المحاماة الأخيرة، ليؤكد للأمن أثناء استنطاقه، بأنه احتال عليه فقط للإستيلاء على المبلغ كاملا.
وبعد استغراب المشتكي من عدم إدراج اسم زوجته في لائحة الناجحين في مباراة المنتدبين القضائيين، تذرع اليملاحي بأن هناك قرارا منفردا من طرف الوزارة بتوظيف المعنية بالأمر، بعد الإعلان عن الناجحين، حسب رسائل بين اليملاحي والمشتكي عبر تطبيق “واتساب”.
وعن الأشخاص المفترض تورطهم في القضية، قال المتهم إنه كان يتحايل على الشاكي باختلاق أشخاص وهميين، مشددا على أنه ليس هناك أي وسيط في العملية، لافتا إلى أنه اكتشف بدوره في النهاية بأن أمر التوظيف يتعلق بزوجة المشتكي وليس شقيقة زوجته.
وعن هربه إلى “إسبانيا” بعد وضع شكاية النصب في حقه، قال اليملاحي أثناء التحقيق معه، إنه لم يعلم بموضوع الشكاية إلا بعد مغادرته لأرض الوطن في بداية شهر أبريل الماضي عبر المعبر الحدودي باب سبتة، وذلك من أجل حضور أشغال مؤتمر حول اليهود بين المغرب وإسبانيا.
وعن الهاتف النقال الذي كان يتواصل مع الشاكي، قال نائب رئيس جماعة تطوان، إنه قام بكسره إثر غضب شديد جراء الاتصالات الهاتفية من طرف معارفه، بعد تقديم شكاية ضده، مشيرا إلى أنه تخلص من هاتفه قبل عودته لأرض الوطن.
يذكر أن أنس اليملاحي، هو نائب رئيس جماعة تطوان المكلف بالملف الثقافة، ويمثل حزب الإتحاد الإشتراكي، حيث سبق تعيينه سنة 2017 مستشارا لوزير إصلاح والوظيفة العمومية، مكلفا بالعلاقات مع البرلمان، ثم عُين خلال نصف الولاية كمستشار لوزير العدل من 2019 إلى 2021، فيما تم توظيفه أستاذا جامعيا لمادة التاريخ المعاصر بكلية الآداب بمرتيل.
وتفجر الملف بعدما وضع رئيس جماعة سابق بإقليم شفشاون “م.أ”، في 18 مارس المنصرم، شكاية ضد نائب البكوري، يتهمه فيها بتعريضه لعملية “نصب واحتيال” بـ30 مليون سنتيم، مقابل وعود بتوظيف زوجته بقطاع العدل، وذلك خلال عمله كمستشار لوزير العدل السابق، محمد بنعبد القادر.
وكانت مصالح الأمن قد أوقفت اليملاحي عقب وصوله إلى مطار الرباط سلا، بعد صدور مذكرة بحث في حقه بسبب عدة ملفات، ضمنها إصدار شيكات بدون رصيد، وتنفيذ إكراه بدني مرتبط بإفراغ منزل كان يكتريه، إلى جانب “تجاهله” استدعاءات الشرطة القضائية في ملف “التوظيف مقابل المال”.
وقامت مصالح أمن تطوان بمداهمة منزل المشتبه فيه بحي بوجراح، إلى جانب منزل والديه بالمدينة العتيقة لتطوان، تنفيذا لتعليمات النيابة العامة بتفتيش منزله في الملف المتابع فيه، وهو ما أدى إلى تعرض والدته لحالة إغماء، نُقلت إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وكان وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتطوان قد قرر، الجمعة الماضي، متابعة اليملاحي في حالة اعتقال، وإيداعه سجن “الصومال”، وذلك في قضيتين، الأولى تتعلق بـ”النصب والاحتيال واستغلال النفوذ”، والثانية “إصدار شيكات بدون رصيد وخيانة الأمانة”.
يأتي ذلك بعدما أصدرت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرباط، الخميس ما قبل الماضي، قرارا يقضي بعدم اختصاص غرفة جرائم الأموال في قضية اليملاحي، وأرجعت المسطرة إلى المحكمة الابتدائية بتطوان.