حرص المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على إثراء المكتبة المغربية بإصدار جديد بعنوان “الأمازيغية في التشريع المغربي من سنة 1913 إلى 2020” للمؤلف عبد الحي بنيس، يأتي هذا الإصدار تزامنا مع فعاليات الدورة 29 من المعرض الدولي للنشر والكتاب المنعقد في الرباط من 9 إلى 19 ماي 2024.
وكتب أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أثناء تقديمه للكتاب: “هذا المؤلف يعد ذخيرة مرجعية ثمينة، تأتي لإثراء الخزانة التشريعية المغربية عامة والخزانة التوثيقية الأمازيغية على وجه خاص. ذلك أن له مزايا متعددة وأبعاد متكاملة، حيث إنه إذ ييسر للباحث الولوج للمعلومة التشريعية في مجالات العلوم القانونية والاجتماعية والإنسانية والسياسية، يمكن اعتماده كأداة للبحث والاستقراء لسبر أغوار التشريع المغربي منذ وضعه إلى اليوم”.
وتابع: “من أهم ما يتميز به أنه يأتي بقرائن نصية تفيد بأن التشريع بالمغرب إن كان قد وظف، إبان عهد الحماية، من قبل السلطة كآلية من آليات الهيمنة الاستعمارية، فإنه، في العهد الجديد، يعد من رافعات التغيير في ملمح الوضع الثقافي واللغوي المغربي”.
وأضاف بوكوس أن “هذا المؤلف يسرد 397 وثيقة، تخص التشريع المغربي ذات الصلة بالأمازيغية، بمختلف أوجهها، الصادرة في الجريدة الرسمية، خلال الفترة الممتدة بين 1913 و2020. وتتوزع هذه النصوص بين الأمر السلطاني، والمرسوم الملكي، والظهير الشريف، والقرار، والإعلان الوزيري، وعرض، وأمر عسكري. ولجميع النصوص هذه صلة مباشرة أو غير مباشرة بالأمازيغية بمجالاتها الواسعة، من سياسات تدبير الشأن الأمازيغي، سواء في حقبة الحماية الفرنسية أو في الفترة ما بعد الاستقلال”.
وأوضح أنه “من خلال الاطلاع على تلك الوثائق، يتبين أن حركة الإنتاج التشريعي من قبل سلطات الحماية كانت شاملة ومتواصلة، حيث طالت المجال والإنسان والمؤسسات. كما همت النصوص التشريعية ميادين متعددة ومتشعبة، من قبيل ضبط تفويت أملاك الجماعات والشؤون العقارية في القبائل وبينها، والمحافظة على الأملاك الغابوية واستغلالها، وتقييد القبائل ذات العوائد “البربرية”، وإحداث جماعات بها، وإنشاء “شركات احتياطية خاصة بالأهليين”، وحفظ الموروث الثقافي المادي والمواقع الأثرية، وتنظيم القضاء العرفي، والرقابة العسكرية على الإنتاج المعرفي والفني الذي ينتقد “السياسة البربرية” لفرنسا، وتتبع حركات المواجهة المسلحة للقبائل، ومصادرة أملاك القبائل والأشخاص المناهضين لجيوش الحماية، وتدريس الأمازيغية وإحداث جوائز من أجل تعلمها، وتوظيف المترجمين بها وتحفيزهم، الخ”.
ولفت الانتباه إلى أنه من “النصوص التشريعية التي تم سنها بعد الاستقلال بخصوص الأمازيغية، فهي تتمثل في الظهائر التي صدرت ما بين 1956 و1960 والتي همت إلغاء المؤسسات العرفية وتعويضها بإحداث المحاكم القضائية في دائرة نفوذ المحاكم العرفية السابقة، أما الفترة اللاحقة فتتميز بالخطب الملكية التي تهم الأمازيغية، بدءا بخطاب الملك الحسن الثاني لسنة 1994 الذي أعلن فيه “إدخال اللهجات” في برامج التعليم، وخطابات الملك محمد السادس، منذ سنة 2001، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، خطاب العرش الذي شدد فيه جلالته على أن الأمازيغية “مكون أساسي للثقافة الوطنية” وخطاب أجدير الذي وضع فيه الطابع الشريف على الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وإلى جانب الخطب الملكية، تم اعتماد نصوص تشريعية مواكبة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ومنها القوانين التنظيمية التي ورد ذكرها بدستور المملكة لسنة 2011. وينتهي المؤلف بقرارات المجلس الدستوري والمحكمة الدستورية في نفس الموضوع”.
وذكر أن “عبد الحي بنيس، مؤلف هذا الكتاب القيم سنة 1952، ازداد بمدينة فاس، التي تلقى بها تعليمه الابتدائي، ثم التحق بمدينة الرباط، للعمل بالبرلمان سنة 1977، لمدة تناهز 36 عاما، ليغادره بعد بلوغه سن التقاعد. هو إنسان عصامي، يتسم بالإرادية المحمودة وبقدرة فائقة على العمل، والدليل على ذلك المجهود الشخصي، وهو في درجة عون بالبرلمان، الذي بذله في توثيق ذاكرة هذه المؤسسة منذ نشأتها وتسجيل اللحظات الدالة في مسارها، وخاصة تلك التي طبعت الحياة السياسية المغربية خلال سبعينيات القرن الماضي؛ كما أن له كتابات حول الأمثال والحكايات الشائعة في المجتمع الفاسي، والمرأة في البرامج السياسية للحكومة والأحزاب، وغيرها من الإسهامات. ولعل من أهمها “موسوعته الأمازيغية في التشريع المغربي من 1913 إلى 2020″ الذي اقترح مؤلفه نشره ضمن إصدارات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية”.
وسرد صاحب المؤلف دواعي إنجازه هذا الكتاب بالقول: “نزولا عند رغبة وإلحاح الأخ والصديق الأستاذ الملكي الحسين رحمه الله، الذي كان قيد حياته “محاميا بهيأة الرباط وفاعلا جمعويا بامتياز وخصوصا فيما يتعلق بالمسألة الأمازيغية”.
وذكر أنه “قيد حياته، كنت أطلعه وأزوده باستمرار بالأنظمة المتعلقة بالأمازيغية. التي بدأت البحث عنها وتوثيقها، فكنت أحس بإعجاب كبير لما أقوم به، مما جعله يحفزني للاستمرار في هذا العمل. وبعد فترة ركود رجعت للورقة التي دونت بها العناوين فقط والمتعلقة بالظهائر والقرارات الوزارية الخاصة بالقبائل الأمازيغية، وبدأت البحث حيث وجدت متعة غريبة، وأنا أغوص في النصوص المنظمة لهذه الشريحة من المغاربة الأحرار الأشاوس”.