الداكي : الإفراج المقيد بشروط بين متطلبات التفعيل وتحديات توسيع فرص الإفراج وإعادة الادماج
العدالة اليوم
اعتبر الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، اليوم الاثنين، بالرباط، أن “الإفراج عن المعتقلين قبل موعد انتهاء مدة عقوبتهم السالبة للحرية عامل أساسي في التقليص من عددهم. وبالتالي، التخفيف من حدة الاكتظاظ الذي تعاني منه المؤسسات السجنية كنتيجة حتمية”، وذلك في كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح الندوة العلمية المنظمة من طرف وزارة العدل حول موضوع: “الإفراج المقيد بشروط بين متطلبات التفعيل وتحديات توسيع فرص الإفراج وإعادة الادماج”.
وسجل الداكي أنه “لا يجب إغفال أن الآليات القانونية التي أتاحها المشرع، والتي تخول إمكانية انقضاء العقوبة السالبة للحرية قبل تمام مدتها، لا يجب أن تختزل أهميتها في التخفيف من اكتظاظ السجون، بقدر ما يجب اعتبار واستحضار ما تكتنفه من حمولة إصلاحية تكرس تثمين مسار السجناء المدانين الذين انخرطوا، بجدية، في برامج الإصلاح والتأهيل، وأبانوا عن حسن سلوكهم والتزامهم بالضوابط القانونية والتنظيمية التي تؤطر تواجدهم داخل الفضاءات السجنية”.
وأضاف أنها “تشكل عاملا محفزا لمعظم السجناء لأجل الانخراط التلقائي في برامج التأهيل والإصلاح، والتطلع إلى الاندماج، بعد الإفراج، داخل النسيجين الاقتصادي والاجتماعي، بشكل سليم وفعال”.
وفي هذا الإطار، ذكر المسؤول القضائي بأن “المشرع المغربي أقر مجموعة من الآليات القانونية التي تخول إمكانية الإفراج عن السجين قبل انقضاء مدة العقوبة السالبة للحرية المدان من أجلها؛ ومن بينها الإفراج المقيد بشروط، وأحاطه بشروط توازي بين فلسفة الإصلاح والتأهيل والتحفيز، من خلال وجوب استقامته وحسن سيرته، وبين متطلبات الردع الذاتي واستشعار الخطأ المرتكب اتجاه النفس والضحية والمجتمع، عبر وجوب قضائه لجزء من مدة العقوبة المحكوم بها عليه”، مضيفا: “فإذا كانت العقوبة جنائية، وجب عليه قضاء نصف المدة المحكوم بها عليه، وإذا كانت العقوبة جنحية، وجب عليه قضاء ثلتي المدة المحكوم بها عليه”.
وفي هذا الصدد، أشار الداكي إلى “أن الجهود المبذولة من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ومن طرف الشركاء المعنيين بتنفيذ الاختصاصات المخولة لها، سواء على مستوى تأهيل المؤسسات السجنية بنيويا ولوجستيكيا، أو على مستوى إعداد وتنفيذ برامج إصلاحية لفائدة السجناء، تجسد إرادة فعلية في تأهيل السجناء، وفق مقومات تنأى بهم عن العود إلى الارتماء في أحضان الجريمة، من جديد، وتتيح لهم تملك كفايات تربوية تؤهلهم للتعايش في المجتمع، بما يكفل الانضباط للقواعد المنظمة للحياة العامة والاندماج الفعلي والسليم”.
كما أبرز أنه “من المنطقي أن تواكب هذه الجهود جهود موازية تمكن من تفريد العقوبة على مستوى التنفيذ، من خلال فسح المجال أمام كل سجين أبان عن حسن سيرته، ونال شهادة في مجال التعليم والتربية غير النظامية، أو في مجال التكوين المهني، أو في غيرها من مجالات التربية والتأهيل، وقضى، جزئيا، فترة العقوبة المنصوص عليها ضمن مقتضيات قانونية حصرية من معانقة الحرية قبل موعد انتهاء محكوميته، تكريسا لجدوى هذه البرامج، ولمصداقية المؤسسات السجنية كمؤسسات إصلاحية تربوية، وإنصافا لما بذله من جهد وانضباط خلال فترة اعتقاله”.
غير أن الملاحظ في هذا الصدد، من خلال إحصائيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج الواردة في تقريرها السنوي، برسم سنة 2023، حسب كلمة الداكي، أن “عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط لم يتجاوز 408 مستفيدين، منذ سنة 2019 إلى غاية سنة 2023؛ أي بنسبة 5.8 في المائة من مجموع الملفات المحالة من طرف المندوبية العامة على مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، والبالغ مجموعها 6972 ملفا. وفي المقابل، نجد أن عددا من الدول تحرص كل الحرص على تفعيل الإفراج المقيد بشروط، بشكل مكثف؛ بحيث يصل عدد المستفيدين منه، بكل من إسبانيا وفرنسا، على سبيل المثال، إلى حوالي 8000 مستفيد، سنويا، وإلى 18000 مستفيدا، في السنة، بكندا”.
وبناء على هذا التناقض، تساءل المتحدث نفسه حول الأسباب التي تحول دون الرفع من عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط بالمؤسسات السجنية بالمغرب، “هل هي أسباب مرتبطة بقلة الملفات المقترحة، أم بشخصية المدانين وخطورة الأفعال المحكوم عليهم من أجلها، أو بنظرة المجتمع إلى هؤلاء وعدم تقبله الإفراج عنهم، قبل انتهاء مدة عقوبتهم، أم أن هناك أسباب لها علاقة بالشروط المنصوص عليها في المنظومة القانونية ذات الصلة، والتي قد تتمثل في صعوبة توفير الوثائق المتصلة بتملك المعني بمقترح الإفراج لوسائل شخصية للعيش، أو لمهنة ذات دخل قار، أو لتعذر توفير شهادة إيواء، أو شهادة من مشغل يلتزم بتشغيل المعتقل، بمجرد الإفراج عنه تحت طائلة رفض الطلب؟”.
كما تساءل الداكي حول “الدور الذي يمكن أن تلعبه السلطات المعنية في هذا الصدد، من خلال إبداء رأيها في المقترح، وتوفير سبل احتضان المعني بالأمر بعد الإفراج عنه، متى كان ذلك متاحا؟”.
وأكد المسؤول القضائي أن “واقع الحال يقتضي إيجاد أجوبة عن هذه التساؤلات وما يمكن أن يطرح غيرها، والتي قد تشكل عائقا لاعتماد مثل هذه الآلية القانونية لتيسير إعادة إدماج بعض النزلاء، متى توفرت شروط ذلك”.
وهنا، أشار الداكي إلى أن “رئاسة النيابة العامة، وفي هذا السياق، واستحضارا منها لأهمية الموضوع، تؤكد عزمها التام على مواكبة قضاة النيابة العامة لتفعيل مختلف أدوارها المحددة قانونا، في سبيل الدفع قدما لإعمال آلية الإفراج المقيد بشروط، سواء ما يرتبط بالحرص على تجهيز الملفات في آجال معقولة، بهدف رفعها إلى وزارة العدل ذات الاختصاص في هذا المجال، أو من خلال مواكبة مدى تقيد المفرج عنهم بالضوابط القانونية التي تحكم الإفراج عنهم، والتدخل عند الاقتضاء، كلما عمدوا إلى خرق تلك الضوابط، بإعادة كل من يخالفها أو يتجاوزها إلى المؤسسة السجنية، لقضاء ما تبقى من عقوبته قبل الإفراج عنه، وفق المحددات القانونية في هذا الإطار”.
وقال المسؤول القضائي، في الكلمة نفسها، إنه “لا شك أن تنفيذ العقوبة على كل محكوم عليه تترتب عنه آثار قانونية تتفاعل مع انتظارات الضحية والمجتمع، على حد سواء. غير أنه لا بد وأن تكون فلسفة المشرع من إقرار العقوبة حاضرة، ونحن نتحدث عن تأهيل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية، وإعادة إدماجهم بعد الإفراج عنهم اجتماعيا واقتصاديا”.
ولذلك، اعتبر الداكي أن “آلية الإفراج المقيد تُعد من بين الممارسات الفضلى التي اعتمدتها جل الأنظمة الجنائية كوسيلة لتثمين هذا التأهيل، واختبار وتقييم سلوك المفرج عنهم بشروط، ومدى تشبعهم فعليا ببرامج التكوين والتأهيل داخل المؤسسات السجنية”، معتبرا أنها “بذلك، تلعب دورا أساسيا في الحيلولة دون العود إلى ارتكاب الجريمة من طرف هؤلاء. هذا فضلا عما يمكن أن يتحقق من خلال تفعيلها من التخفيف من الاكتظاظ الذي تعرفه بعض المؤسسات السجنية”.