تدوين الرحلة إلى الحج تجربة أدبية وروحية تعكس تعلق المغاربة بالبيت العتيق

 أكد رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، الباحث خالد التوزاني، أن التصانيف التي دأب المغاربة على تأليفها ماضيا وحاضرا لتوثيق رحلاتهم إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج تعتبر بمثابة تجربة أدبية وروحية، ووثيقة اجتماعية وتاريخية تعكس تعلقهم بالبيت العتيق.

 

 

 

 

 

وقال التوزاني في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء إن توثيق رحلة الحج بين دفتي كتاب يكتسي خصوصية فريدة تتجاوز توثيق الرحلات العادية إلى مناطق أخرى من العالم، لكونها ذات بعد ديني وروحي، ما يجعل منها تجربة أدبية وروحية غنية ومتفردة، تدمج بين البعد الشخصي والتاريخي والديني والاجتماعي، مما يقدم للقارئ صورة متكاملة ومؤثرة عن هذه الرحلة المقدسة.

 

  وأضاف التوزاني، الذي سبق وحاز على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة لسنة 2016، أن المغاربة يعتبرون من أكثر الشعوب تدوينا لرحلات الحج قديما وحديثا، وذلك لعدة أسباب منها بعد الديار المغربية عن الشرق، وولوعهم بالسياحة والتغرب في طلب العلم ولقاء المشايخ، ومرافقة الكتاب للملوك ولرجال الدولة في أسفار رسمية، فضلا عن الطابع الروحي لرحلة الحج التي لا تتكرر في العمر أكثر من مرة.

 

  واستحضر في هذا الصدد عددا من التصانيف التي ألفها المغاربة في هذا المجال، ومنها رحلة أبي سالم العياشي المعنونة “ماء الموائد”، ورحلة العبدري الحاحي، أحد علماء المغرب في القرن السابع الهجري، التي وصف فيها البلاد التي قطعها برا من المغرب الأقصى إلى البلاد الحجازية، والقدس، والخليل، إلى جانب رحلات أخرى عديدة.

 

  وقال التوزاني إن أهمية هذه التصانيف تكمن في كونها تقدم دراسة للحركة الفكرية والروحية بالمغرب والعالم العربي، وتمثل وثائق تاريخية حول الحياة الفكرية والاجتماعية في العهد الذي كتبت فيه، مبرزا أن تأليف المغاربة في هذا الصنف الأدبي لم ينقطع إلى اليوم، إذ على الرغم من تطور وسائل السفر وتقنيات التواصل وأساليب توثيق الرحلات، يبقى للرحلة المدونة عشقها الخاص وسحرها الفريد.

 

  وبحسب التوزاني، فإن هذه التصانيف تعكس اهتماما كبيرا للمغاربة بركن الحج حيث لم تمنعهم المسافة الطويلة بين المغرب والحجاز من التعلق الشديد بمهبط الوحي، موضحا أن جل من يقصدون البلاد الحجازية من الأدباء والعلماء لأداء فريضة الحج كانوا يشعرون بوجوب إطلاع مواطنيهم على أخبار تلك البقاع الشريفة البعيدة التي يحن إليها كل مغربي لما يربطه بها من روابط الدين واللغة والدم. 

 

  وأبرز أن هذه التصانيف تمكن من تقريب المتشوف للحج من مسالك ومناسك الحج، ولفت الانتباه إلى فضائله وضرورة إقامة الرباطات وحبس الأوقاف للإنفاق منها في سبيل راحة الحجاج، مشيرا إلى أنه لذلك نجد أوقافا خاصة بالمغاربة على امتداد طريق الحج في مصر وفي مكة والمدينة وكذا في القدس الشريف، وهو ما يعكس اهتماما خاصا للمغاربة بالديار المقدسة.

 

  وفي معرض رده على سؤال حول أدوار تضطلع بها النصوص الرحلية الحجية المغربية في التعريف بالرسالة الجامعة للإسلام، قال التوزاني إن هذه الرحلات كانت وسيلة مثلى لمعرفة الآخر ولاكتشاف الثقافات وحوار الحضارات، لأن رحلات المغاربة كانت تبدأ بالحج، أي التوجه نحو المشرق، ولكنها سرعان ما تتحول إلى رحلة في كل الأقطار المختلفة شرقا وغربا لنقل رسالة الإسلام في التعايش والتواصل والتسامح.

 

  وأشار في هذا الصدد إلى شيوع ظاهرة طول مكث المغاربة بالديار المقدسة إلى درجة الاستقرار فيها أحيانا، حيث اشتهر بعضهم بالإقامة في المشرق للمجاورة والتدريس، سيما خلال الحقبة التي تلت سقوط الأندلس، نظرا لما كانوا عليه من علم وفقه وصلاح، وهو ما كان له عميق الأثر في امتداد النموذج الديني المغربي ونشر صورة الإسلام الوسطي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.