“تازمامارت” ورحلة البحث عن الحقيقة الضائعة والعدالة المغيبة بالمغرب
بقلم محمد حميمداني
بقلم محمد حميمداني
مآس عديدة سجلها التاريخ السياسي المغربي خلال السبعينيات. وهي مآس تفتح الباب على مصراعيه حول أسئلة الذات، الهوية المغربية، جراح الماضي السياسي، المصالحة مع الذات من خلال كشف الأسرار المخفية من هاته الحقائق والجراح.
أسئلة تبقى معلقة ما لم يتم فتح صندوق الحقائق المصاحبة لتلك الآلام. والموصدة في خزنة حديدية وسط ظلام الضياع أو التضييع، كما صورة “تازمامارت” التي نقلت عبر شهادات من عاشوها معاناة طويلة ممتدة من الجراح إلى الجراح.
لتبقى حقيقة من قضوا في دهاليز “تازمامارت” مغيبة ومدفونة في ركام من اللامبالاة على الرغم من تشكيل “لجنة الإنصاف والمصالحة”. فوفاة الطيار “الشمسي” مثلا شكلت مأساة لحقيقة من حقائق الأيام السوداء في “تازمامارت”. وهي حقيقة ممتدة ولا يمكن أن تنسى طالما لم يتم الكشف حتى عن مكان تواجد جثة هذا الطيار.
روايات الناجين عن مقابر دون جنازات
روى ناجون من جحيم المعتقل أن 32 من زملائهم دفنوا في ساحة المعتقل دون كفن أو صلاة. حيث كان الحراس يلفونهم في أغطيتهم المهترئة ويدفنونهم بحفر بسيطة.
قضية تحديد هويات المعتقلين المتوفين بعد عقود من المأساة
كان الطيار “محمد الشمسي” الأول ضمن قائمة الضحايا الذين فارقوا الحياة داخل لهيب “تازمامارت”. بعد أن قضى نحبه نتيجة المعاملات القاسية في فبراير من عام 1974.
البحث عن الهويات بعد عقود
بعد مرور 30 عاماً على إغلاق “تازمامارت”. أطلق المجلس الوطني لحقوق الإنسان برنامجاً لتحديد هويات المعتقلين المتوفين. وذلك باستخدام تحاليل الحمض النووي. لكن أين وصلت تلك المحاولات؟ وهل تم دفنها كما جثت من مروا من هناك ليتلقفهم الموت دون سابق إخطار ولا إشعار حتى بالجثت ومستقرها؟.
توالي الوفيات داخل المعتقل
بعد وفاة “الشمسي”، استمر السقوط التدريجي للمعتقلين، نتيجة الظروف المزرية التي عاشوا تحت سقفها. فكان آخر الضحايا “النقيب عبد الحميد بندورو” الذي توفي في شهر مارس من عام 1991.
بداية عملية تحديد الهويات
المجلس الوطني لحقوق الإنسان بدأ مؤخراً جمع عينات من عائلات الضحايا. مع تأكيد نجاح التحاليل في تحديد بعض الهويات بناءً على عينات عظام متدهورة.
هل ستمكن التكنولوجيا الحديثة من فتح آفاق جديدة وكشف الحقائق المخفية
بفضل التطور التكنولوجي، بات من الممكن استخراج الحمض النووي من عظام قديمة. وقد حصل المجلس على نتائج إيجابية من مختبر فرنسي متخصص في يوليو 2023.
تحقيق العدالة لعائلات الضحايا
“عبد الله أعكاو”، رئيس جمعية ضحايا “تازمامارت”. يعتبر أن تحديد هويات المتوفين جزء لا يتجزأ من العدالة الانتقالية. وحق من حقوق العائلات في معرفة مصير أبنائها.
فهل سنشهد قطعا فعليا مع تاريخ المغرب الأسود ومصالحة فعلية مع الذات التاريخية من خلال إنصاف الضحايا الأموات وأسرهم. ليتم إغلاق سواد تلك المرحلة نهائيا بما ينقلنا من تاريخ المآسي إلى آفاق البناء الديمقراطي المؤسساتي الذي يقطع مع الجراح. لنغرس ورود المحبة على بوابة “تازمامارت” ونسقط كل الأقنعة السوداء التي صاحبت ولا زالت تصاحب دهاليز ذكريات قاتلة من داخل المعتقل السري.
نقلا عن الجزيرة نت بتصرف