يبدو أن العلاقات المغربية الفرنسية تسير بخطوات كبيرة نحو استعادة حيوية فقدتها خلال السنوات الأخيرة. وذلك مباشرة بعد الإعلان الفرنسي سيادة المغرب على صحرائه ودعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب. وهو المشروع الذي اعتبرته “باريس” الأساس الواقعي والمعقول لطي الملف المفتعل. مقررة دعم الموقف المغربي في مختلف المنظمات والهيئات الدولية. وهو ما أنتج حيوية كبرى لم ترض الجزائر المصدر الاكبر لأزمات المنطقة. والمغدي لأجواء التوثر والإرهاب. وعلى الرغم من الغضب الجزائري إلا أن “باريس” قررت الاستمرار في مواقفها التابثة بعيدا عن هاته الهلوسات الهستيرية التي أصابت قصر “المرادية”. حيث ستكون زيارة “ماكرون” للرباط منطلقا لفلسفة عمل جديدة في العلاقات بين البلدين. فما هو الدال والمدلول ذا الصلة بهاته الزيارة؟ وما هي الدلالات والأبعاد العميقة التي تحملها بعد سنتين من التوثر والقطيعة والجفاء؟.
فمع اقتراب زيارة الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”. إلى المغرب، تلبية لدعوة من جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. يتم الحديث عن عدة ملفات ستكون حاضرة على طاولة التداول خلال هاته الزيارة.
فالزيارة تأتي بعد قرار “فرنسا” التاريخي الاعتراف بمغربية الصحراء. وتجسيد هذا الاعتراف عبر دعم الموقف المغربي في مختلف المحافل الإقليمية والدولية. وهو ما أزال التوتر الذي استمر لأكثر من عامين. والذي أرخى بظلاله على علاقات الرباط وباريس وأصابها بأزمة برد حادة.
الزيارة التي سبق أن أعلن عنها قصر “الإليزيه”، خلال شهر أكتوبر. تحمل عدة أبعاد ودلالات.
الدلالات الزمنية للزيارة
أتت هاته الزيارة في ظل تحديات كبرى يشهدها العالم متسمة بالصراع وتنامي العنف بما ينتجه من آثار. وحاجة البلدين لتوحيد مواقفهما بما يخدم مصالحهما ويساهم في ضمان الأمن والاستقرار العالميين.
كما أن هاته العلاقات تنقل الطرفين لمزيد من الحضور المشترك على الصعيد الأفريقي. والذي تهدف من خلاله باريس التعويض عن خسارتها لمجموعة من مناطق النفوذ في القارة السمراء. في مقابل مزيد من الحضور المغربي. وهو الحضور الذي تريد باريس استثماره للحفاظ على تواجدها بالقارة السمراء وبالتالي الحفاظ على مصالحها هناك.
كما أن الزيارة تأتي بعد الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه. وهي فرصة لتنسيق الجهود بين البلدين لترجمة هذا الاعتراف إلى خطوات عملية، خصوصا على المستوى الدولي والإقليمي.
الدلالات السياسية
ستكون الزيارة فرصة لتنسيق المواقف بين البلدين. وعلى رأس القائمة وفق متابعين لعلاقات الرباط بباريس. القيام بحملة دبلوماسية مشتركة عبر دعم فرنسا مواقف المغرب في مجلس الأمن والأمم المتحدة.
الدلالات الاقتصادية
تحاول باريس من خلال استعادة الدفئ في علاقاتها بالرباط إلى استعادة قوة حضورها المتراجع لفائدة إسبانيا في علاقاتها التجارية والاقتصادية بالرباط.
حيث نجحت إسبانيا في تحقيق علاقات متميزة مع المغرب من خلال شراكتهما الاستراتيجية التي تعززت في السنوات الأخيرة. وهو ما أنتج طفرة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ضمن سياسة رابح -رابح التي ينتهجها المغرب كخيار في علاقاته الاقتصادية الدولية.
وهي المعطيات التي كشف عنها مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC)، في تقرير أصدره، في وقت سابق. والذي أفاد بأن “مدريد” استوردت من “المغرب” منتجات من المواد الغذائية على رأسها الخضر والفواكه. إضافة لقطع السيارات والملابس وغيرها، بقيمة تتجاوز 700 مليون أورو.
في المقابل صدرت إسبانيا للمغرب منتجات مثل البترول المكرر وقطع غيار السيارات والمحركات والزيوت والأغطية البلاستيكية، بقيمة تتجاوز 900 مليون أورو.
كل ذلك في ظل وقائع اقتصادية تتحدث عن زيادة التعاون الاستثماري بين البلدين. وهو ما كشف عنه موقع “publico” قائلا: إن المستثمرين الاسبان يرغبون في مناقشة سبل تشجيع واحداث الاستثمارات في مدينة الداخلة.
عودة فرنسا ستكون قوية أيضا ومن بوابة الأقاليم الجنوبية أيضا. وتحديدا الساقية الحمراء ووادي الذهب، وربما تسفر عن افتتاح قنصلية بالداخلة.
الأكيد أن باريس لا ترغب في أن يتراجع دورها في علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الرباط لفائد “لندن” و”لشبونة” و”مدريد”. وهو الأمر الذي أعاد تكييف المواقف السياسية الفرنسية مع واقع المصلحة مع المغرب في مجالات الطاقات المتجددة. واستثمار علاقات المغرب الإفريقية لمزيد من الحضور الاقتصادي في القارة السمراء. والاستفادة من الإمكانات التي يوفرها مشروع “الأطلسي” الذي أطلقه المغرب كأحد المشاريع الاستثمارية الكبرى والاستراتيجية الذي ترغب باريس في أن يكون لها النصيب الاكبر من الكعك “الأطلسي” فضلا عن قضايا أخرى.
انطلاقا من هاته الدلالات يمكن اعتبار زيارة “ماكرون” للرباط خطوة جد هامة في مضمار تمكين هاته العلاقات من أسباب القوة من خلال التعاون. بما يحقق المصالح الفرنسية التي تبقى فوق المواقف السياسية. وبما يمكن باريس من حضور فعلي قوي يعيد باريس للمغرب. ومن خلاله لافريقيا. لتجاوز هزات “مالي” والنيجر” و”بوركينا فاصو” الارتدادية التي هزت العرش الاقتصادي لفرنسا بهاته الدول التي كانت تابعة للسياسات الفرنسية. وحديقة خلفية لدعم الاقتصاد الفرسي.