الإضراب بين التمرير وقتل التعبير الرافض ل”أخنوش” وحكومته وللسياسات اللاشعبية المنتهجة

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

الإضراب كحق والمصادرة كتعبير سياسي قبل أن تكون إجراء شكليا تنظيميا. هي السمة العامة المميزة لتمرير مشروع قانون ممارسة الإضراب بالمغرب. وما أثاره من آثار ونقاش سياسي حاد بين الحكومة والنقابات والجمعيات ذات الصلة بحقوق الإنسان. فالمشروع الذي اجتاز السقف الأول للتمرير بعد اجتماع ماراثوني استمر لسبع عشرة ساعة متواصلة أحدث رجة ونقاشا مفتوحا حول ممارسته واعتماد إقراره أو مصادرته كمعيار للحكم على ديمقراطية أو ديكتاتورية أي نظام سياسي. فهل ستتمكن حكومة “عزيز أخنوش” من تمرير القانون؟ وما هي دلالات القانون الجوهر ذا الصلة بالحقوق والحريات وممارستها؟ والدلالات السياسية والدستورية للنص المقترح؟ وهل سيشكل هذا التمرير خطوة سلبية نحو تكريس مزيد من المنع والقمع للحريات؟ وهل تمريره خطوة نحو تكريس ديكتاتورية برتقالية؟.

فبعد عقود من التجاذبات وردود الأفعال القوية من قبل المركزيات النقابية والحكومات المتعاقبة على مسرح السياسة المغربي. والتي كانت بدايتها الأولى خلال ولاية حكومة “سعد الدين العثماني”. ها هي الحكومة الحالية برآسة “أخنوش” تسابق الزمن لتمرير القانون القنبلة بما يحمله من تساؤلات متفجرة. وايضا آفاق قد تعيد المشهد السياسي الاجتماعي المغربي سنوات إلى الوراء مع إصرار التحالف الحاكم على تمرير النص مهما كانت الأثمان المدفوعة.

وقد نجحت الحكومة بالفعل في صعود أول درج من سلم التمرير بعد حصولها على موافقة لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب على المشروع. وذلك بموافقة 22 نائبا ومعارضة 7 نواب، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت.

ومن المنتظر أن تركب الحكومة آخر أوراق المواجهة من خلال تمريره عبر البرلمان بشكل رسمي. حيث ينتظر عرضه في جلسة عامة لمجلس النواب ومن ثم مجلس المستشارين، قبل أن يدخل حيز التنفيذ.

 

الإضراب بين التمرير وقتل التعبير الرافض ل"أخنوش" وحكومته وللسياسات اللاشعبية المنتهجة
الإضراب

مشروع قانون الإضراب بين التمرير والتكبيل

فجر قانون الإضراب، الذي ظل معلقاً منذ عقود. جدلا واسعا بين النقابات والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان والقوى الديمقراطية الحية التي ترى في القانون تراجعا خطيرا. وضربا لمكتسبات دستورية تم تحقيقها خلال مسار تاريخي حافل بالتضحيات والصدامات. لتكون الخطوة مسعى حقيقيا من قبل التحالف لتلجيم أصوات الرفض وتقييد ممارسة حق الإضراب الدستوري.

على عكس التيار المجتمعي تعتبر الحكومة المغربية الخطوة “أداة لضبط التوازن بين حقوق العمال واستمرارية المؤسسات”، وفق إفادتها. فعن أية حقوق تتحدث الحكومة في ظل هدمها لهاته الحقوق التي خاضت الحركة الوطنية والشعب المغربي  من جلال إقرارها، خلال مسيرتها الطويلة منذ 1956 العديد من النضالات والمآسي والسجون والتضحيات؟. فعن أية استمرارية لأية مؤسسات تتحدث الحكومة، في اللحظة التي تعمل هاته الأخيرة على ضرب أعلى مؤسسة دستورية، ألا وهي الدستور المغربي. وهو ما يضعها خارج الإطار وفي حالة شرود دستوري. وهو ما يقتضي من المؤسسات الدستورية العمل على لجم هذا الخرق القاتل لروح الدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة.    

 

الإضراب بين التمرير وقتل التعبير الرافض ل"أخنوش" وحكومته وللسياسات اللاشعبية المنتهجة
إضراب

 

مشروع قانون الإضراب الوقائع والآثار على المشهد الديمقراطي المغربي

خطت حكومة “عزيز أخنوش” خطوة فريدة لم يسبق أن تجرأت على خوضها باقي الحكومات السابقة في ضرب لآخر نعش بقي من قدرة الصمود المغربي.

فبعد الاستهدافات التي طالت القوت اليومي للمواطنين وضرب الحكومة لكل إمكانية للصمود والمقاومة من خلال مخططات تذميرية للفئات الشعبية. انتقلت الحكومة لضرب ما تبقى من إمكانية معنوية لوجود الإنسان المغربي. عبر تمرير قانون يمنع البسطاء المتضررين من سياساتها من إمكانية الصراخ والتعبير عن الرفض كأحد الأشكال الديمقراطية.

وبهاته الخطوة يعلن “أخنوش” وتحالفه الحاكم الحرب على المجتمع. ويعمل بالتالي على قتل كل إمكانية للتعبير عن الرفض. وهو ما يبيح لتحالفه البرجوازي الإقطاعي إمكانية ضرب كل صوت معارض لهاته السياسات اللاشعبية المنتهجة. بل سيسمح له ذلك بترسيخ ثقافة ضرب دستورية القرارات من خلال التطاول على حق حصري للمؤسسات الدستورية. وللاستفتاء كحق شعبي للتصديق أو رفض قرارات عليا تشكل عماد الدولة المغربية. مما يجعل الحكومة في حالة تنازع مع اختصاصات ليست من صلب عملها. كما وقع سابقا في قرارات الاقتطاع من الأجر لممارسة حق الإضراب كحق دستوري. وهو القرار الذي ألغته المحكمة الدستورية إلا أن التحالف القائم بقي متشبثا بممارسته وتنزيله على الرغم من لادستوريته واعتراف المحكمة بهذا الخرق.

فتبني مشروع القانون التنظيمي للإضراب، وما يثيره من جدل واسع حول تأثيره على الحريات النقابية. يجعل الحكومة في مواجهة المجتمع والدستور. وهو ما يقتضي تصديا شعبيا ودستوريا من خلال المؤسسات الدستورية لهذا الخرق لأحد أعمدة وأسس وجود المملكة الشريفة.  

تاريخ من الشد والجذب

ظل مشروع قانون الإضراب لسنوات نقطة خلاف بين المركزيات النقابية والحكومات المتعاقبة، حيث شهدت مراحل مختلفة من السحب والتعديل. أبرزها خلال فترة حكومة “سعد الدين العثماني”، التي واجهت انتقادات واسعة من النقابات. وهو ما دفعها لتجميد المشروع.

قلق من تقييد الحريات

فيما ترى الحكومة أن القانون يهدف ل”تنظيم حق الإضراب وضمان التوازن بين حقوق العمال وأرباب العمل”. نقلت النقابات غضبها وقلقها من تمرير المشروع لكونه يقيد هذا الحق الدستوري ويحد من دوره كوسيلة ضغط ديمقراطية لتحقيق مطالب العمال. وهو الصوت الذي ارتفع حتى من داخل البرلمان بعد أن وصفته بعض الأصوات البرلمانية بأنه تكريس للعبودية.

وعلى الرغم من مطالبة النقابات الحكومة بمراجعة بنود المشروع لضمان انسجامه مع المعايير الدولية ومواثيق حقوق الإنسان. معتبرة أنه مرفوض لكون يصادر هذا الحق. مؤكدة على ضرورة فتح نقاش مجتمعي في الموضوع وأن تنال أية خطوة إجماع كل الأطراف.

مشروع قانون الإضراب بالمغرب بين جدل القبول والرفض 

فجر مشروع القانون التنظيمي للإضراب المعروض للمصادقة. والذي تعمل حكومة “عزيز أخنوش” على تمريره. جدلاً واسعاً في الساحة المغربية بين مؤيد يرى فيه تنظيماً ضرورياً، ومعارض يعتبره تقييداً للحريات النقابية والحقوق الدستورية.

معارضة النص تعتمد على عدد من الأسس القانونية والدستورية. أبرزها أن الإضراب حق منصوص عليه في الفصل 29 من الدستور المغربي، الذي يكفل حريات الاجتماع والتجمهر والإضراب كوسيلة للتعبير الديمقراطي. مؤكدة على أن أي تنظيم لهذا الحق يجب أن يراعي المواثيق الدولية، ولا سيما الاتفاقية رقم 87 الصادرة عن منظمة العمل الدولية، التي تؤكد على حرية العمل النقابي.

أصوات نقلت قلقها من أن يتحول المشروع إلى سوط مسلط على رقاب الرافضين للتوجهات الحكومية. ضمنها تنصيصه على إشعارات مسبقة مع ما يصاحب كل ذلك من تعقيد للإجراءات القانونية المقررة. وهو ما يسقط كل أداة لممارسة الرقابة الشعبية على التوجهات الرسمية. ويقتل بالتالي كل أداة لممارسة الضغط لتحقيق المطالب. وهو ما ينقله بقوة ما تضمنه من حق للباطرونا بالاستغناء عن ممارسي حق الإضراب وتعويضهم بآخرين.

في الجهة المقابلة ترى الحكومة والمؤيدون للمشروع أنه “ضروري لحماية المصالح الاقتصادية والاجتماعية”. وأنه ضروري ل”تنظيم العلاقة بين العمال وأرباب العمل”، لضمان الحد الأدنى من الاستقرار في القطاعات الحيوية، وفق إفادتها.

 

الإضراب بين التمرير وقتل التعبير الرافض ل"أخنوش" وحكومته وللسياسات اللاشعبية المنتهجة
إضراب

 

الديمقراطية وحق الإضراب أساس لبناء دولة عصرية قائمة على الحقوق والحريات

لا يمكن الحديث عن بناء دولة عصرية قائمة على الحقوق والحريات دون التمسك بمبادئ الديمقراطية. حيث يمثل حق الإضراب أحد أعمدتها الأساسية.

فالإضراب، باعتباره وسيلة تعبير جماعية، يعكس جوهر التوازن بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحرية التعبير السياسي والمدني.

والحق في الإضراب ليس مجرد أداة ضغط لتحقيق المطالب المهنية. بل هو تعبير عن التفاعل الصحي بين مكونات المجتمع الديمقراطي. إذ يُعد هذا الحق ترجمة فعلية لمبدأ حرية التعبير والتجمع. كما أنه آلية أساسية لمساءلة السياسات العامة وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية.

في الأنظمة الديمقراطية، يتم التعامل مع الإضراب على أنه مكسب تاريخي يعبر عن تطور الوعي الحقوقي. وليس تهديداً للنظام العام، كما هو حال فهم حكومة التحالف الطبقي الحاكم في المغرب. وبالتالي، فإن أي محاولة لتقييد هذا الحق تُعتبر خطوة إلى الوراء في مسار بناء دولة المؤسسات.

الأسس الدستورية والقانونية لحق الإضراب

ينص الدستور المغربي في فصله الـ29 على ضمان حرية الإضراب كحق أساسي، مؤكداً على ضرورة تنظيمه بشكل يحترم التوازن بين حقوق العمال وأرباب العمل. إلا أن النقاشات حول مشاريع القوانين التنظيمية، مثل مشروع قانون الإضراب، أظهرت تبايناً في وجهات النظر بين من يدافع عن التنظيم ومن يخشى تقييد الحريات.

فالديمقراطية ليست مجرد آليات انتخابية أو مؤسساتية. بل هي ثقافة شاملة تشمل احترام الحريات العامة والحقوق الأساسية. ولا يمكن فصل حق الإضراب عن بقية الحقوق المدنية والسياسية. فكلما تم احترام هذا الحق، كلما تعززت الثقة بين الدولة ومواطنيها، وأصبحت المؤسسات بالتالي أكثر قوة وشرعية.

إن بناء دولة عصرية يستوجب تعزيز الحقوق والحريات في شموليتها. مع ضمان حرية التعبير والعمل النقابي بما يحقق التوازن بين المصالح. وارتباطا بذلك يجب أن تكون القوانين المنظمة للإضراب مدعومة بمقاربة تشاركية تعكس روح الديمقراطية. وتحقق بالتالي العدالة بين مختلف مكونات المجتمع.

فالديمقراطية وحق الإضراب هما جزء لا يتجزأ من مشروع بناء دولة حديثة قائمة على سيادة القانون والعدالة الاجتماعية. وأن أي تراجع عن ضمان هذا الحق يضعف مسار التحول الديمقراطي، ويهدد جوهر دولة الحقوق والحريات التي ينشدها الجميع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.