“سيدي بلعباس” المقبرة المكان بسلا والخدمات المغيبة رغم سخاء المنح

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

تعيش مقبرة “سيدي بلعباس” بسلا أوضاع الإهمال الواضح. حيث تبقى أبوابها مغلقة على الرغم من زخم حضور سيارات نقل الأموات التي تضطر للعبور إلى مكان معزول. وهو ما يفرض على الفقيد وعائلته والمشيعين قطع مسافات طويلة نتيجة هاته العقلية التذبيرية التي تسير دواليب عمل الجمعية. فالمياه الضرورية لعمليات الدفن وتيسير أمور الشعائر الدينية معدومة. كل ذلك يأتي على الرغم من الدعم السخي الذي تتلقاه الجمعية المكلفة بتدبير شؤون المقبرة. إلا أن غياب المسؤولية والتدبير الفعال يبقى واقعاً يثير استياء الساكنة وزوار المقبرة.

وهكذا يشتكي زوار مقبرة “سيدي بلعباس” من تعمد مذبريها على إغلاق بوابتها الرئيسية مانعين عبور سيارات نقل الاموات والمشيعين. وبالتالي دفعهم للارتياد عبر نقطة أخرى بعيدة. وهو ما يخلق مشاكل للمشيعين وكذلك لروح الضحية. ولا يمكن هنا أن نتحدث عن خطأ أو سهو. بل إن الأمر متعمد. لوعي إدارة الجمعية بأن تلك البوابة المفتوحة لا يمكن ممارسة شعائر الدفن عبرها لبعدها عن الأماكن المتبقية للدفن. فيما البوابة التي تؤدي للمدفن مغلقة مع سبق الإصرار والترصد.

كما نقل رواد المقبرة شكاياتهم من غياب الماء الذي يبقى ضروريا سواء لحظة مراسيم الدفن أو خلال الزيارات التي يقوم بها الأهل والأحباب لقبور أحبتهم. إضافة لغياب متابعة مستمرة للحفاظ على نظافة وترتيب المقبرة. 

وضع يطرح تساؤلات حول مدى فعالية الرقابة على الجمعيات المكلفة بتسيير مثل هذه المرافق الحيوية. وعلاقة المجالس الجماعية بهاته الجمعيات وتغاضيها عن الخروقات المسجلة على الرغم من حصول هاته الجمعيات على مبالغ دعم خيالية. كما هو الحال بالنسبة للجمعية التي تدبر مقبرة “سيدي بلعباس”، والتي يديرها “مروان بوراس”. حيث تحظى بسخاء دعم رئيس مقاطعة “بطانة” والبرلماني في نفس الوقت “عماد الريفي”. وبسخاء لا يوصف ولا حدود له. وهو ما يفتح الأبواب على آلاف الأسئلة. كل ذلك في ظل افتقار المقبرة لخدمات في المستوى المطلوب. وهو ما تلمسناه من غياب المياه وإغلاق أبواب المقبرة. بل والأخطر غياب أي مسؤول من الممكن أن تتوجه إليه وتحاوره. أو تستطلع منه معطى أو معلومة أو رفع مظلمة. مع ما هو مرصود من حالة تقصير وغياب الشفافية في التدبير بما يلبي احتياجات المواطنين. وأيضا بما يؤسس لشكل رقابي حول مصير تلك الملايين التي تستفيد منها الجمعية وأشكال صرفها باعتبارها جزءا من المالية العامة.

واقع حال مقبرة “سيدي بلعباس” يفرض إجراء رقابة على تدبير الجمعية ذات الصلة بالشق المالي.

ما يفرض هذا الواقع الرقابي المفترض هو ما تلعبه الجمعيات المكلفة بتدبير شؤون المقابر من دور محوري في صيانة هذه الفضاءات وتوفير الخدمات الضرورية لمرتاديها. ولذلك تحظى بأموال ضخمة من مالية  الشعب للقيام بهاته المهام. وهو ما يلزم الجهات الرقابية بممارسة رقابة مشددة على مالية وعمل هاته الجمعيات. لأن غياب الرقابة الفعالة على عمل هذه الجمعيات يؤدي أحياناً لتدني مستوى الخدمات. كما أنه ينعكس سلباً على المواطنين الذين يجدون أنفسهم أمام مرافق مهملة تفتقر إلى الخدمات الضروريات الأساسية. دون إغفال تسخير مالية تلك الجمعيات لخدمة مصالح نفعية محضة.

فالعديد من الجمعيات تستفيد من دعم مالي سخي من الجهات المانحة والجماعات المحلية. لكن غياب الشفافية والمساءلة حول كيفية إنفاق هذه الموارد يثير تساؤلات كبيرة.

واقع يفرض تدخل السلطات المحلية والمجالس الجهوية للحسابات لمراقبة أنشطة الجمعيات. من أجل ضمان توجيه الدعم المالي نحو الأهداف المنشودة. بما يحقق تحسين ظروف المقابر ويحافظ على حرمتها.

علما أن دعوة الدولة للقيام بدورها الرقابي على الجمعيات لا تعني التشكيك في نواياها. بل تهدف لضمان استخدام الموارد بفعالية وشفافية. وتعزيز التعاون بين الجهات الرسمية والجمعيات لضمان توفير خدمات مستدامة تحترم كرامة الأحياء والأموات على حد سواء.

ضرورة تعزيز الرقابة على الجمعيات

تستفيد الجمعيات المستفيدة من التمويل العمومي باعتبارها جزءاً من المنظومة الوطنية. وهو الأمر الذي يستوجب إخضاع أنشطتها لرقابة صارمة تضمن الشفافية وحسن تدبير الأموال العامة. وعلى الرغم من وجود أطر قانونية تنظم عمل الجمعيات. فإن فعالية هذه القوانين تتوقف على تطبيقها الصارم من خلال المؤسسات الرقابية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات.

وفي هذا السياق، ينص الدستور المغربي على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو مبدأ يشمل كافة الهيئات التي تتلقى تمويلاً عمومياً.

ويتيح القانون للمجلس الأعلى للحسابات مراقبة حسابات الجمعيات التي تستفيد من دعم الدولة. وذلك للتأكد من مدى احترامها للقوانين المالية وتوجيه الموارد نحو الأهداف المعلنة.

غير أن واقع الحال يُظهر أن عدداً من الجمعيات لا تخضع للتدقيق بانتظام. وهو ما يفتح المجال أمام سوء التدبير أو استخدام الأموال بطرق غير مشروعة. لذا، يبرز دور المجلس الأعلى والجهوية للحسابات كضرورة لتفعيل رقابة شاملة تُعزز مصداقية الجمعيات. وتعيد بالتالي الثقة بين المواطنين والمؤسسات.

إن تفعيل هذا الدور الرقابي يتطلب أيضاً مراجعة القوانين المنظمة للجمعيات. وذلك بإلزامها بتقديم تقارير مالية مفصلة ودورية عن سير أشغالها. مع فرض عقوبات على المخالفين. وهو ما يستدعي تعزيز الشراكة بين المجلس الأعلى للحسابات والجهات المحلية عبر إخضاعها لمراقبة دقيقة وفعالة للموارد. الأمر الذي يقتضي من الأجهزة الرقابية ذات الصلة إعمال القانون ومراقبة تدبير جمعية مقبرة “سيدي بلعباس” المالي في إدارتها للمقبرة. مع الاطلاع على المعاملات المكرسة على أرض الواقع والمتسمة بالغياب التام للمسؤولين عن مواكبة أعمال المقبرة. وحالة الخنق الممارسة من خلال سياسة إغلاق الأبواب التي لا تعكس إلا إغلاق الإنصات لمصالح الناس الأحياء منهم والاموات. والبحث عن النفعية المباشرة أو غير المباشرة ذات الصلة بالأصوات الانتخابية على حساب القيم والروح الأسمى التي تبقى ديدن الفصل في تعاملات مستعملي المال العام مع حماته. وذلك تحقيقا للعدالة في التدبير والشفافية في الإدارة بما يعكس مواطنية الجمعيات وانغراسها في خدمة الناس وقضاياهم بعيدا عن الاعتبارات.

ولنا عودة للموضوع عبر لقاءات مباشرة مع زوار المقبرة.وذلك للوقوف على واقع الحال الحاصل وما يحصل لتقديم تقرير شفاف يضمن حماية فعلية للمال العام وتصريفه في إطار شفافية مواطنية وإنسانية خادمة للأحياء كما للأموات.  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.