غضب شعبي كبير بالجزائر بسبب شاب أضرم النار في نفسه

العدالة اليوم

في مشهد مأساوي اهتزت له ولاية وهران الجزائرية، أقدم شاب على الانتحار حرقا، بعد أن صبّ البنزين على جسده وأضرم النار فيه، في خطوة يائسة جاءت بعد مصادرة الشرطة للدراجة النارية التي يعتمد عليها كمصدر وحيد لرزقه. الواقعة، التي جرت في وضح النهار وأمام أعين المارة، أحدثت موجة من الغضب والغليان وأعادت إلى الأذهان حادثة « محمد البوعزيزي » التي فجّرت شرارة « الربيع العربي » في تونس يوم 17 دجنبر من عام 2010.

الشاب الوهراني، وهو عامل توصيل، كان يستخدم دراجته النارية وسيلة لكسب قوته اليومي، وهو عمل يعتمد عليه الكثير من الشباب الجزائريين في ظل ظروف اقتصادية صعبة ونسب بطالة مرتفعة.

وفقا لشهود عيان، فقد كان الشاب يستعمل دراجته النارية في عمله، لكن مصير الشاب تغير في لحظة، عندما قامت عناصر الشرطة بمصادرة دراجته على خلفية ارتكابه مخالفة مرورية.

 

المشهد الذي بدا بسيطا في البداية، تحول فجأة إلى مأساة، بعدما قام الشاب، في لحظة غضب ويأس، بإحضار عبوة بنزين وصبّها على جسده، ثم أشعل النار فيه وسط صدمة المارة، الذين تابعوا المشهد المروع ووثقوه عبر كاميرات هواتفهم.

 

الفيديو، الذي سرعان ما انتشر كالنار في الهشيم، أظهر لحظة اشتعال النيران في جسد الشاب، بينما حاول رجال الأمن وعدد من المواطنين إطفاء النيران وإنقاذ حياته، دون جدوى.

صدمة وغليان شعبي

أثارت الحادثة غضبا وغليانا واسعا بين الجزائريين، حيث عبّر كثيرون عن استيائهم من الظروف القاسية التي يعيشها الشباب في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وضيق العيش. واعتبر البعض أن الضغوط النفسية المتراكمة دفعت هذا الشاب إلى اتخاذ قرار مروع كهذا.

وفي أعقاب الواقعة، دعا العديد من النشطاء إلى ضرورة معالجة جذور الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على الشباب الجزائري. كما طالبوا بإعادة النظر في طريقة تعامل السلطات مع المخالفات، مع توفير حلول تراعي ظروف المواطنين.

وألقت الحادثة الضوء على معاناة الشباب الجزائري مع الأوضاع الاقتصادية المتردية، والتي تتزايد حدة مع قلة فرص العمل وغياب الدعم الحكومي الكافي، خاصة وأن ملايين الشباب الجزائري يعانون من الضغوط نفسها التي دفعت هذا الشاب إلى اتخاذ قرار مأساوي.

 

بين «البوعزيزي» و«الوهراني»

لم تمر هذه الواقعة دون أن تُذكر الجزائريين بحادثة محمد البوعزيزي، الشاب التونسي الذي أشعل النار في نفسه عام 2010 بعد مصادرة عربة الخضر التي كان يعمل عليها. تلك الحادثة كانت شرارة اندلاع الثورة التونسية، ثم ما عرف لاحقا بـ »الربيع العربي » الذي عم المنطقة.

التشابه بين الحالتين يبدو صارخا، فكلا الشابين كانا يحاولان كسب قوت يومهما من خلال عمل بسيط، وكلاهما فقدا الوسيلة الوحيدة التي تعينهما على الصمود في وجه الحياة، لينتهيا إلى المصير المؤلم.

 

وفي هذا السياق، قالت إحدى التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي: «إن الضغوط التي يعاني منها الشباب اليوم أشبه بالقدر المغلق.. أي ضغط إضافي قد يتسبب في انفجار مؤلم »، في إشارة إلى حالة الاحتقان النفسي التي يعيشها العديد من الشباب الجزائري.

ناقوس الخطر

عقب انتشار الفيديو، تصاعدت الدعوات لإجراء إصلاحات هيكلية شاملة تشمل حماية حقوق العاملين في القطاع غير الرسمي، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، مع توفير بيئة عمل عادلة وآمنة للشباب.

وقد دعت بعض الأصوات إلى إعادة النظر في إجراءات مصادرة المركبات والدراجات النارية الخاصة بعاملي التوصيل، معتبرة أن « مصادرة الأداة التي يعتمد عليها العامل في كسب رزقه، هي بمثابة ضرب لأمنه الاقتصادي ».

وفي ظل هذا الضغط الشعبي، تتزايد التساؤلات حول الخطوات التي ستتخذها الحكومة الجزائرية لمعالجة الأزمة، وما إذا كانت هذه الحادثة ستكون « ناقوس خطر » يدفع السلطات لإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية تقي الشباب من الوقوع في براثن اليأس والإحباط.

إلى أين تتجه الجزائر؟

تعد هذه الحادثة واحدة من عشرات الحوادث التي تكشف معاناة الشباب الجزائري مع التهميش والبطالة وغياب الأفق الواضح. وفي الوقت الذي يلجأ فيه البعض إلى الهجرة غير النظامية عبر « قوارب الموت »، يلجأ آخرون إلى خيارات مأساوية مثل الانتحار، ما يعكس حالة من « اليأس الجماعي » في أوساط ملايين الشباب الجزائري.

 

وبينما يرى البعض في الحادثة « جرس إنذار » يستدعي تحركا عاجلا من النظام الحاكم، لا سيما في ظل تصاعد الغضب الشعبي تجاه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، يتوقع البعض تحركات إصلاحية لاحتواء الأزمة، في وقت يرى فيه آخرون أن استمرار تجاهل معاناة المواطنين والاكتفاء بدور المتفرج قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان والتصعيد، في مشهد يعكس هشاشة الأوضاع الاجتماعية والنفسية التي يعيشها الشباب الجزائري اليوم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.