جدل تقييد الحقوق وإصلاح قانون المسطرة الجنائية أهم مميزات السنة التي نودعها في المغرب

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

في أبرز ما ميز السنة القضائية التي نودعها بكثافتها. استحوذ مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد بالمغرب على قمة هاته الأحداث من خلال ما اثاره من جدل واسع داخل الأوساط الحقوقية والقانونية.

فوفق ما قدمه الائتلاف الحكومي الحاكم في المغرب على لسان وزير العدل، “عبد اللطيف وهبي”. الذي شكل موضوع نقد من كل الاتجاهات. فإن القانون يهدف لتحديث المنظومة الجنائية وجعلها أكثر توافقاً مع المبادئ الدستورية والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان.

وعلى الرغم من الترحيب ببعض بنوده. إلا أنه واجه معارضة من قبل بعض الفاعلين السياسيين والحقوقيين الذين يرون أن المشروع لا يرقى للتطلعات المنتظرة.

فعلى الرغم من كون المشروع يعمل على تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، حيث يتضمن تعديلات تهدف لتحسين شروط هاته المحاكمة. وذلك من خلال ضمان حقوق الدفاع وتعزيز استقلالية القضاء. إضافة لإدخال التقنيات الحديثة، من خلال دعوة المشروع لاعتماد التكنولوجيا في إجراءات التحقيق والمحاكمة. بما يسهم في تسريع البت في القضايا وتقليل البيروقراطية.

كما أن إلغاء عقوبة الإعدام في بعض الجرائم شكل نقطة لافتة. حيث اقترح المشروع تقليص تطبيق عقوبة الإعدام. وهو ما يعكس توجهاً نحو الحد من هذه العقوبة وفقاً للمعايير الدولية.

ومنح المشروع ضمانات لحماية الضحايا والشهود. حيث تم إدراج بنود جديدة تضمن حماية أكبر للضحايا والشهود، بما في ذلك إخفاء هويتهم عند الضرورة لضمان أمنهم.

إلا أن النص لاقى معارضة قوية من جهة إبقائه على عقوبة الإعدام، حيث أثار استمرار هاته العقوبة في جرائم معينة اعتراضات من جمعيات حقوق الإنسان التي تدعو إلى إلغاء هاته العقوبة بشكل كامل.

كما صب المعارضون نقدا لاذعا لتوسيع صلاحيات النيابة العامة أثناء التحقيق. وهو ما يمكن أن يؤثر على التوازن بين الأطراف ذات الصلة بالدعوى المقامة. وهو ما يضعف الرقابة القضائية.

ووجه المنتقدون أيضا نقدا لتوسيع مفهوم الجريمة الإرهابية. معتبرين أن توسيع تعريف الجريمة الإرهابية قد يؤدي لتقييد حرية التعبير وحقوق الإنسان.

كما أن إجراءات الحبس الاحتياطي قد عززت مخاوف في موضوع عدم وضع ضوابط مشددة على الحبس الاحتياطي، ما قد يؤدي لاستغلاله بشكل مفرط.

ويعكس هذا النقاش وحدته حول مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد مخاوف من أن يتم استغلال هاته التعديلات للمزيد من تقييد الحريات العامة. ليبقى الحوار هو المطلب الأساسي الواجب حضوره بين مكونات المجتمع المدني والفاعلين الحقوقيين. وذلك لضمان قانون يعكس قيم العدالة والكرامة الإنسانية.

فقانون المسطرة الجنائية بحمولته فجر نقاشا كبيرا داخل المجتمع نظرا لأهيته. فلا يكفي دعم الائتلاف البرلماني الحاكم ان يتم اعتماده. لأن الأمر يتعلق بتحالف بل بمصير وحاضر ومستقبل أمة. وهو ما يقتضي فتح نقاش مجتمعي موسع. لأن لا أحد يمانع في أهمية تحديث الإجراءات الجنائية بما يتماشى مع التطورات القانونية العالمية. وبالتالي تحسين فعالية النظام القضائي وتسريع البت في القضايا. وتعزيز القدرات التقنية في التحقيقات، بما يشمل استخدام الوسائل الرقمية والأدلة الإلكترونية. وتقليص البيروقراطية داخل النظام القضائي. لكن الأمر الأخطر هو إمكانية ان تشكل هاته التعديلات مطية لتقييد الحريات في عالم ينحو نحو مزيد من إعطاء الحقوق وضمان الحريات العامة والخاصة.

وهو ما عكسه رفض مهنيين في القطاع القانوني لهاته التعديلات. حيث عبرت النقابات المهنية للقضاة والمحامين عن مخاوف كبيرة إزاء التعديلات المقترحة.

رفض يجد مرجعيته من كون المنتقدين يرون أن هاته الخطوة يمكن أن تضرب استقلالية السلطة القضائية. حيث يرون أنها تعطي للسلطات التنفيذية صلاحيات واسعة تتجاوز ما هو متعارف عليه.

المحامون من جانبهم اعتبروا أن هاته التعديلات قد تحد من الحق في الدفاع. حيث يتخوف المحامون من أن التعديلات قد تحد من قدرة المتهمين على الاستفادة من كامل حقوقهم في الدفاع. خاصة في المراحل الأولى من التحقيقات. ويتخوف شفافية المحاكمات. مععتبرين أن بعضا من هاته التعديلات قد تُحد من الشفافية والعلنية في المحاكمات. ما يثير قلق المهنيين بشأن حقوق المتهمين في محاكمات عادلة ومنصفة.

المدافعون عن حقوق الإنسان نقلوا رفضهم لبعض الجوانب التي اعتبروها تقييدًا للحريات والحقوق الأساسية. ضمنها توسيع الاحتجاز الاحتياطي. إذ تشمل بنودًا قد تؤدي لزيادة استخدام الاحتجاز الاحتياطي، مما يشكل خطرًا على حقوق الأفراد في الحرية. وذلك من خلال توسيع نطاق مراقبة الأفراد والبيانات الشخصية الإلكترونية والرقمية. وهو ما يعتبره الناشطون الحقوقيون انتهاكًا للخصوصية والتجسس غير المبرر.

وفيما يخص العقوبات الجنائية فقد رأى المدافعون عن حقوق الإنسان أن بعضا من هاته التعديلات المقترحة المتشددة في بعض العقوبات الجنائية ليست فعالة. ويرون أن التركيز يجب أن ينصب على الإصلاح والتأهيل.

كما أن المطلوب هو تحقيق التوازن بين الأمن والحقوق. فلا يمكن الحديث عن تعزيز الأمن العام ومكافحة الجريمة دون إغفال ضمان حماية حقوق الأفراد وحرياتهم. كما أن الحزم يجب أن يصاحب بتحقيق عدالة أكثر.

وإجمالا فإن أهم ما ميز هذا النقاش هو الإجماع على ضرورة تحقيق إصلاح في النظام القضائي مع الإقرار بأن هذا النظام بحاجة إلى إصلاح. ولكن الخلاف يكمن في كيفية تنفيذ هذا الإصلاح دون المساس بالحقوق الدستورية والضمانات القانونية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.