أحداث عام 2024: قانون الإضراب يفجر قنابل نقاش مجتمعي حقوقي ويفرض نفسه أهم حدث
محمد حميمداني
محمد حميمداني
عرفت السنة التي نودعها أحداثا كبرى هامة في المغرب. حيث فجر مشروع قانون ممارسة الإضراب المقترح من قبل الأغلبية الحاكمة. والمعروض للتصديق من قبل البرلمان. نفسه من بين أهم الأحداث التي ميزت السنة التي نودعها. خاصة عقب الرجات والنقاش السياسي والاجماعي النقابي والحقوقي الذي تلا طرح هذا المشروع للتداول.
فقد فجر النص المقترح في موضوع مشروع القانون التنظيمي للإضراب في المغرب نقاشات حادة. فارضا نفسه كواحد من القضايا الأكثر إثارة للجدل في الساحة الحقوقية والسياسية.
فالمدافعون عن النص اعتبروه خطوة ضرورية لتنظيم حق الإضراب وضمان استمرارية العمل الاقتصادي والاجتماعي. فيما يرى المعارضون أنه يشكل تراجعًا خطيرًا في مجال الحريات النقابية والعمالية. وأنه يمس بجوهر الحقوق التي نص عليها دستور 2011.
تخوف من التضييق على الحريات النقابية والعالمة
في خضم هذه النقاشات، برزت أصوات نقابية وحقوقية تنتقد بشدة ما وصفته بالتضييق على الحق في الإضراب. معتبرة أن القانون جاء بصيغة متشددة تحد من حرية العمال في الدفاع عن حقوقهم. خصوصًا في ظل تزايد الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها.
وبحسب هذه الأصوات، فإن هذا القانون لا يراعي التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ إقرار دستور 2011، الذي كرس في فصوله حق الإضراب كأحد الحقوق الأساسية.
حق ممارسة الإضراب في المغرب وفق بين دستور 2011
أقر دستور 2011 الحق في ممارسة الإضراب والتي تم اعتبارها أحد أهم المكتسبات الدستورية. حيث نص بشكل صريح على حرية ممارسة هذا الحق في الفصل 29 منه.
وتم انتظار قانون تنظيمي لممارسة هذا الحق، وكان الأمل معقودا على أن يكون هذا القانون عادلا وديمقراطيا مكرسا لممارسة الحقوق والحريات. ومدافعا عن تنزيل أمثل على أرض الواقع. مع ما قابل هاته الأمنيات من مخاوف من أن يتحول هذا القانون إلى أداة لتقييد حرية العمال وبالتالي الحريات.
وهو التقاطب الذي وسع المسافة بين الحكومة والنقابات في مجال ممارسة هذا الحق وذلك منذ إقرار الدستور الجديد.
وتطالب النقابات بضرورة الحفاظ على حرية ممارسة هذا الحق دون قيود صارمة. فيما ترى الحكومة بضرورة وضع إطار قانوني يضمن التوازن بين حماية مصالح العمال والاقتصاد الوطني.
تجدر الإشارة إلى أن الفصل 29 من الدستور ينص على أن: “حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. وأن حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”.
القانون خطوة لتصحيح اختلالات مزمنة
ترى الحكومة وداعموا النص المقترح لممارسة الإضراب بأنه يأتي ل”تصحيح اختلالات مزمنة في ممارسة هذا الحق”. معتبرين أنه يهدف لحماية مصالح المجتمع والاقتصاد من “الآثار السلبية للإضرابات غير المنظمة والعشوائية”. قائلين إن النص المقترح يقدم “ضمانات كافية لاحترام حقوق العمال مع تأمين استمرارية الإنتاج والخدمات”.
نقاش توسع للغوص في واقع الحقوق والحريات في المغرب بعد أكثر من عقد على اعتماد دستور 2011. ففيما ينظر البعض إلى هذا الدستور على أنه قدم مكتسبات هامة في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة. بما في ذلك حرية التعبير والحق في الإضراب. يتساءل آخرون عن مدى تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع، في ظل القوانين التنظيمية التي قد تحمل في طياتها تضييقًا على هذه الحقوق.
وهناك تخوف من الركوب على النص المقترح لممارسة المزيد من التضييق على الحقوق والحريات. وقدرة هذا النص على تحقيق التوازن بين حقوق العمال وحماية الاقتصاد. وهل سيتمكن من إعادة صياغة علاقة جديدة بين النقابات والحكومة، بما يتماشى مع روح دستور 2011، أم أنه سيظل حجر عثرة في مسار تعزيز الحريات بالمغرب؟.
فعلى الرغم يعد الحق من إقرار دستور 2011 الحق في الإضراب حيث اعتبره الفصل 29 على حرية ممارسة الإضراب كحق مشروع للعمال والنقابات. إلا أن هذا الحق يبقى موضوعًا شائكًا. وذلك لكون مشروع القانون التنظيمي يتضمن شروطًا معقدة لممارسة الإضراب. ضمنها ضرورة الحصول على موافقة مسبقة من الجهات المختصة. أو فرض غرامات على الإضرابات التي تعتبرها الدولة غير قانونية. وهي المقتضيات التي تعتبرها النقابات تشكل خطرًا على حرية العمال في تنظيم أنفسهم والتعبير عن مطالبهم بطرق مشروعة.
يظهر هذا الصراع بين التنصيص والتقييد في ظل واقع اجتماعي واقتصادي متوتر. حيث يجد العمال أنفسهم في مواجهة تحديات كبيرة نتيجة الأوضاع الاقتصادية. وما يغدي هاته التخوفات وجود فجوة بين النص القانوني والتطبيق العملي. وهو ما يثير تساؤلات حول مدى احترام الحريات العامة التي كرسها الدستور.