بمناسبة السنة الأمازيغية: احتفال بالهوية والثقافة العريقة

سعيد ودغيري حسني

سعيد ودغيري حسني

 

لقد دفعني التساؤل الذي يطرحه الكثيرون حول أهمية الاحتفال بالسنة الأمازيغية إلى كتابة هذا المقال: “لماذا يحتفل الأمازيغ بسنتهم الجديدة؟ وما هي دلالات هذا الاحتفال في السياق الثقافي والتاريخي؟”.

في 13 يناير من كل عام، يحتفل الأمازيغ في المغرب وفي بلدان شمال إفريقيا بالسنة الأمازيغية الجديدة. إنها مناسبة تعكس عراقة الثقافة الأمازيغية وأصالتها وتعيد إلى الذاكرة التاريخية العميقة التي شكلت هويتهم عبر العصور. الاحتفال بهذه المناسبة لا يقتصر على الأمازيغ وحدهم، بل أصبح مناسبة قومية تشمل جميع المغاربة لتجسيد الوحدة الوطنية وتعزيز التنوع الثقافي.

الأصل التاريخي للسنة الأمازيغية

تعود بداية السنة الأمازيغية إلى العام 950 قبل الميلاد، حينما تم تأسيس أول دولة أمازيغية تحت حكم الملك “شيشونغ”، الذي أسس “السلالة المازيغية” في شمال إفريقيا. ومنذ ذلك الحين، تم تبني هذا التاريخ كبداية للسنة الأمازيغية، التي تختلف عن السنة الميلادية والسنة الهجرية. وتظل جزءًا من الهوية الثقافية التي ربطت الأمازيغ بأرضهم وتاريخهم.

تجسد السنة الأمازيغية تقويمًا يختلف عن التقاويم الأخرى. ويعكس ارتباطًا وثيقًا بالأرض والفصول الزراعية. وهو ما جعلها تُستخدم في المقام الأول لتحديد مواعيد الزراعة والحصاد في المجتمعات الأمازيغية. هذا التقويم هو شاهد على مدى تكامل الثقافة الأمازيغية مع طبيعة البيئة المحيطة. وهو يمثل تقليدًا ذا صلة وثيقة بممارسة الحياة اليومية للأمازيغ.

السنة الأمازيغية والتنوع الثقافي

إن الاحتفال بالسنة الأمازيغية هو مناسبة للاحتفاء بالتنوع الثقافي في المغرب وفي منطقة شمال إفريقيا بشكل عام. إذ أن الأمازيغ يشكلون جزءًا لا يتجزأ من تاريخ وثقافة المنطقة.

في المغرب، هناك العديد من المناطق التي تعتمد اللغة الأمازيغية واللهجات الأمازيغية في حياتهم اليومية. ضمنها مناطق الأطلس، سوس، الريف وغيرها من المناطق التي تشتهر بموروثها الثقافي الغني.

ومع مرور الزمن أصبح الاحتفال بالسنة الأمازيغية يشمل جميع شرائح المجتمع المغربي. فعلى الرغم من تنوعها الثقافي واللغوي فاحتفال المغاربة جميعًا بهذه المناسبة يعكس روح الوحدة الوطنية. وأيضا التقدير المتبادل بين جميع مكونات الشعب المغربي.

السنة الأمازيغية في العصر الحديث

خلال السنوات الأخيرة أصبحت السنة الأمازيغية جزءًا من التقويم الرسمي في المغرب. ففي عام 2011 تم الإعلان عن 14 يناير يومًا وطنيًا للاحتفال بالسنة الأمازيغية. ليُعترف به بذلك يومًا رسميًا في التقويم الوطني مما يرسخ مكانة الثقافة الأمازيغية داخل الهوية المغربية.

أما اليوم، فقد أصبح الاحتفال بالسنة الأمازيغية يتجاوز مجرد المناسبة الزراعية أو التقليدية ليتحول إلى مناسبة ثقافية وفنية. حيث يتم تنظيم العديد من الأنشطة الفنية والاحتفالات الشعبية في مختلف المدن المغربية. من هذه الأنشطة نجد العروض المسرحية الفلكلورية والغنائية. وكذلك المعارض التي تعرض الأدوات والمشغولات اليدوية الأمازيغية.

ويعزز هذا الاحتفال التواصل بين الأجيال. جاعلا الثقافة الأمازيغية حية في ذاكرة الأفراد. مسهما بذلك في تعزيز الروابط الاجتماعية والهوية المشتركة.

اللغة الأمازيغية: العمود الفقري للهوية

تضم اللغة الأمازيغية مجموعة من اللهجات مثل “تاشلحيت”، “تامازيغت” و”تريفيت”. وهي تمثل حجر الزاوية في الثقافة الأمازيغية.

فالاحتفال بالسنة الأمازيغية يتضمن أيضًا إحياء لهذه اللغة، التي تشهد تحولات مستمرة نحو التمكين. حيث أُدرجت منذ عام 2011 في الدستور المغربي كلغة رسمية إلى جانب العربية.

ورغم ذلك، فإن مسيرة تعزيز اللغة الأمازيغية لا تزال تواجه بعض التحديات. مثل الحاجة إلى زيادة استخدامها في المجالات التعليمية والإعلامية والإدارية. إلا أن الاحتفال بالسنة الأمازيغية يعكس الوعي المتزايد لدى الأفراد والمجتمع بأهمية الحفاظ على هذه اللغة. فهي لا تمثل فقط وسيلة للتواصل، بل جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية.

زبدة القول

إن الاحتفال بالسنة الأمازيغية ليس مجرد ذكرى تاريخية. بل هو مناسبة حية تُحيي في قلوب الأمازيغ وكل المغاربة أواصر الانتماء والتفاهم الثقافي. معززا بذلك التنوع الثقافي الغني الذي يميز المجتمع المغربي. ومع تجدد هذا الاحتفال، كل عام، سيكون فرصة للترسيخ والتأكيد على مكانة الثقافة الأمازيغية في النسيج الثقافي المغربي والعالمي.

وبمناسبة هذه السنة الجديدة تامنّا أزول أيغاي. نتمنى لجميع الأمازيغ في المغرب وحول العالم عامًا مليئًا بالسلام والازدهار. مع الإيمان الراسخ بأن التنوع الثقافي هو مصدر قوة وثراء لمجتمعاتنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.