انتشار الإشاعة ونسبتها لمؤسسات الدولة المغربية وآثارها في زعزعة الطمأنينة المجتمعية

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

المغرب/ انتشرت مؤخراً إشاعة منسوبة “للدكتور مولاي الحسن الداكي”، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة بالمغرب. ذات الصلة بموضوع المراسلين المعتمدين من قبل المنابر الإعلامية الوطنية المغربية. بآثارها على حريات التعبير في البلاد.

فقد نسبت تسريبات “للدكتور مولاي الحسن الداكي” بأن هذا الأخير أصدر مذكرة توجيهية تقيد التعامل مع المراسلين المعتمين من قبل المنابر الإعلامية الوطنية. بآثار هاته التسريبات ليس على حضور المقاولات الإعلامية التي ينتظرها الإغلاق في حالة صحة هاته التسريبات. بل على واقع الحقوق وحرية التعبير عن الرأي في فضاء من الحرية في المغرب. مما أثار جدلاً واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي.

تسريبات تطال مؤسسة وطنية هامة في جسم الدولة المغربية لأنها تطال النيابة العامة المكلفة دستوريا وقانونيا بحماية الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور المغربي. بما في ذلك حرية التعبير والصحافة.

تجدر الإشارة إلى أن تسريب هاته الإشاعات يترامن مع سير المغرب في مسار تعزيز دولة القانون والمؤسسات التي تكفل الحريات الفردية والجماعية ضمن الأطر القانونية السليمة. والتي تراعي وتدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة. وايضا في إطار الجدل القائم حول قانون الصحافة وموقف مجموعة من الهيئات النقابية الصحافية لشكل تصريف “بطاقة الصحافة”. والمعايير المعتمدة في هذا الصدد والتي لا تراعي واقع حال المؤسسات الإعلامية على الرغم من الحاجة لتنظيم القطاع. لكن وفي الوقت نفسه القطع مع منطق اللوبيات التي تهيمن على المشهد الإعلامي ودون المساس بحرية التعبير المكفولة دستوريا ووفق القانون الدولي.

خطورة الإشاعة وأثرها على ضرب الطمأنينة والأمن الداخلي بالمغرب

تشكل الإشاعة خطرًا كبيرًا على استقرار المجتمعات، خاصة في هذا العصر الرقمي حيث تنتشر الأخبار والمعلومات بسرعة غير مسبوقة. وخطورتها تكمن في تهديدها للأمن الداخلي والطمأنينة الاجتماعية.

فالإشاعة ليست مجرد لغو في الكلام بل إنها تهدف في العمق لزرع الفوضى والقلق داخل المجتمع. والتي تعتبر نشر الأخبار الكاذبة إحدى أوجهها. خاصة عبر المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. وهو الامر الذي يُصعب من مهمة التحكم فيها ويُسرّع من وتيرة انتشارها. والأخطر من ذلك أن بعض المنابر الإعلامية تتلقفها وتعمل على ترويجها دون تمحيص ولا تحقق من المصادر الأصلية وفق ما يستوجبه العمل الصحافي. فتساهم بوعي أو لاوعي في تضليل الرأي العام وإضعاف الثقة في المؤسسات الحكومية والجهات الرسمية وهو ما يهدد السلم الاجتماعي ويُعرقل التنمية.

ويستوجب انتشار الإشاعة من السلطات المغربية ذات الصلة تعزيز التوعية المجتمعية. وذلك من خلال حملات توعية تحذر المواطنين من خطورة تداول الأخبار غير المؤكدة. وتدعوهم إلى التحقق من مصادر المعلومات قبل نشرها أو إعادة تداولها. إضافة للتدخل القانوني لردعها. من خلال تفعيل مواد القانون الجنائي المتعلقة بنشر الأخبار الكاذبة. فضلا عن التواصل الرسمي السريع والمباشر مع المواطنين ووسائل الإعلام لتصحيح المعلومات المغلوطة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. مما يسهم في قطع الطريق أمام انتشار الإشاعات.

والأخطر في باب الإشاعة وانتشارها وتسريبها بوعي أو لاوعي هو أنه قد يتم تسريبها من طرف أعداء الوحدة الترابية أو جماعات تسعى لزعزعة استقرار البلاد من خلال نشر الفتنة بين المواطنين. أو إثارة الفوضى في أوقات الأزمات. أو لتأجيج النزاعات الطائفية أو العرقية أو السياسية، مما يُهدد بشكل مباشر الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي.

مواجهة الإشاعة وحماية حرية التعبير في المغرب عملتان لوجه واحد

يجب التنبيه إلى انه من غير المسموح أن يتم الركوب على فزاعة محاربة الإشاعة لقمع حرية التعبير أو التضييق على الحريات المؤكدتين من طرف الدستور المغربي. الذي يضمن حق كل مواطن في التعبير عن رأيه بحرية، مع الالتزام بالقوانين التي تنظم هذه الحرية. بما في ذلك ما يتعلق بالإعلام والمراسلين المعتمدين وحقهم في نقل الوقائع دون تضييق أو خنق او مصادرة. فالمراسلون المعتمدون يجب أن يتمتعوا بالحماية القانونية، وفي المقابل أن يخضعوا لالتزامات مهنية وأخلاقية محددة. ضمنها المنظم لمهنة الصحافة والقوانين الجاري بها العمل في حالة الوقوع في أخطاء مهنية. وهو ما يجب الوعي به والعمل على تنزيله. فلا سلطة لأحد على وضوح النص الدستوري والقانوني.

ف”قانون الصحافة والنشر” يوفر إطاراً قانونياً شاملاً ينظم عمل الصحافيين ووسائل الإعلام في المغرب. كما أن “دستور 2011″ ينص بوضوح على ضمان حرية التعبير والرأي. وضرورة احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دولياً. مع ضمان حق المؤسسات الغعلامية في الاستعانة بمراسلين معتمدين للوصول غلى منابع الأحداث.

ودور النيابة العامة في المغرب يكمن في حماية الحقوق والحريات. وعليها في هذا الصدد متابعة كافة القضايا المتعلقة بالحريات العامة، وخصوصاً حرية الصحافة. وأي تدخل في الممارسات الصحافية يجب أن يتم في إطار قانوني يحمي حقوق الصحافيين والمراسلين. ويصون في الوقت ذاته المصلحة العامة.

فالمراسلون المعتمدون من قبل المنابر الإعلامية المغربية لديهم حقوق وعليهم واجبات. ويجب ضمان حقوقهم في التغطية المباشرة للأحداث خدمة للوحدة الترابية ودفاعا عن نظام الحكم القائم والمؤسسات الدستورية. كما انهم ملزمون من جانبهم باحترام القوانين والضوابط المهنية. من خلال نقلهم للمعلومات بحيادية وشفافية وتجرد، وهو ما يضمن توازنًا بين الحرية والمسؤولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.