في الثالث من ماي من كل عام، تحتفي الأمم المتحدة باليوم العالمي لحرية الصحافة. وهي مناسبة تتجاوز مجرد الاحتفاء لتكون دعوة عالمية للتأمل في الدور المحوري الذي تلعبه الصحافة الحرة والمستقلة في بناء المجتمعات الديمقراطية وتعزيز قيم العدالة والشفافية.
هذا اليوم ليس مجرد تاريخ في التقويم. بل هو تذكير عالمي بأهمية هذا الحق الأساسي. وتكريم للصحافيين الشرفاء الذين يضحون في سبيل تقديم الحقيقة، مهما كانت التحديات والعواقب.
الصحافة، في جوهرها، هي حجر الزاوية في أي مجتمع يسعى نحو التقدم والعدالة. إنها المرآة التي تعكس واقع المجتمع. وتكشف بالتالي عن الحقائق التي قد تكون مؤلمة أو مزعجة. ولكنها ضرورية للتحول والتغيير الإيجابي.
الصحافة الحرة هي الأداة التي يمنح المقموعين صوتاً وتكسر حواجز الصمت والظلم. وتعيد بالتالي للعدالة مسارها الصحيح. إنها الأداة التي تمكن المواطنين من الوصول إلى المعلومات واتخاذ قرارات مستنيرة ومحاسبة المسؤولين.
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته بعض الدول في مجال حرية الصحافة. إلا ان الواقع الفعلي لهاته الحرية، في العديد من مناطق العالم. يبقى بعيد المنال عاكسا صورة مغايرة ومقلقة.
ففي الوقت الذي يتم فيه الاحتفاء بحرية التعبير، يتعرض العديد من الصحافيين للملاحقة والتضييق والاعتقال. أو حتى أرواحهم كما هو الحال في مجازر غزة المرتكبة ضد الصحافيين. لا لشيء سوى لأنهم انحازوا لجهة قول الحقيقة ونقلها دون ماكياج أو تزييف.
إن دفع ثمن ممارسة هذا الحق الأساسي، سواء بالتهديد أو حجب المعلومات أو الاعتقال. يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وتهديداً للمؤسسات الديمقراطية.
وفي المغرب، ورغم الخطوات التشريعية الهامة التي تم اتخاذها. مثل اعتماد قانون الصحافة والنشر رقم 88.13، الذي يهدف إلى تعزيز استقلالية الصحافة وحرية التعبير. لا يزال الواقع يفرض تحديات كبيرة. فبعض جوانب هذا القانون لا تزال تتطلب تفعيلاً حقيقياً على أرض الواقع، لضمان أن الصحافة تمارس دورها بحرية واستقلالية. وذلك بعيداً عن الضغوط والتأثيرات السياسية أو الاقتصادية التي قد تعيق عملها وتؤثر على مصداقيتها.
إن تخليد اليوم العالمي لحرية الصحافة هو تذكير لنا جميعاً بأن حرية الصحافة ليست منحة من أحد. بل هي حق أصيل من حقوق الإنسان، ينبغي أن يُصان ويُحترم في جميع الظروف والأحوال.
ويبقى الحق في الوصول إلى المعلومة والحق في التعبير ركيزتين أساسيتين لا يمكن الاستغناء عنهما. في سبيل بناء أي مجتمع ديمقراطي يسعى إلى تحقيق العدالة والشفافية.
في هذا اليوم، نجدد التأكيد على أن الصحافة ليست مجرد مهنة. بل هي رسالة نبيلة ومسؤولية عظيمة. ولكل الصحافيين الذين يواصلون العمل بشجاعة وإصرار في ظروف صعبة. والذين يلتزمون بتقديم الحقيقة كبوصلة في هذا العالم المتغير رغم القمع والاعتقال والقتل، نقول: كل عام وأنتم بخير، وكل عام وأنتم ضمير العالم وحراس الحقيقة.
فحرية التعبير تيقى حقا أساسيا من حقوق الإنسان المعترف بها دولياً. الكافل للحق في اعتناق الآراء دون تدخل. وفي طلب وتلقي ونقل المعلومات والأفكار بجميع الوسائل. فيما تبقى حرية الصحافة كجزء لا يتجزأ من هذا الحق الكوني عرجاء إن مورس في حقها تقييد غير مبرر.
والملاحظة الأساسية التي يمكن تسجيلها. أن واقع الصحافة الفعلي والحقوق المتصلة بها كونيا يبقى موضع خرق دائم في العديد من الدول ضمنها المغرب. إذ وعلى الرغم من تأسيس مجلس يعنى بالصحافة والنشر إلا أن هاته الخطوات لا تجسد الاستقلالية المطلوبة ولا تحمي حقوق الصحافيين. ولا تمنع بالتالي من ممارسة الاعتقال أو التهديد أو المصادرة عن الصحافيين. كما أن الحق في الوصول إلى المعلومة كمعيار لقياس مدى ديمقراطية اية امة يبقى في المغرب مقيدا ومحكوما بقواعد تمنع الصحافيين من تحري الحقائق وتعريتها وكشفها للعموم بلا خوف ولا وجل ولا قمع او مساءلة. وفي غياب هاته القواعد لا يمكن الحديث عن الشفافية والديمقراطية الفعلية.
فاستقلالية الصحافة تبقى البوصلة الأساسية التي نطل من خلالها على مدى نضج سياسة اية أمة. كما أنه لا يمكن الحديث عن حق ولا عن شفافية في مجتمع تبقى فيه الكلمة المسؤولة مقيدة والنقد مصادر. والغوص في كشف وتعرية واقع الفساد محرم. أو ممارسة صحافية حقيقية في ظل سيادة سلطة القمع والاستبداد أو سلطة المال.