#المغرب: حقوقيون يقصفون “وهبي” ومشروع قانون المسطرة الجنائية الممرر برلمانيا

#محمد حميمداني

#محمد حميمداني

 

#الرباط، المغرب – صادق مجلس النواب المغربي، الثلاثاء الماضي. على مشروع القانون رقم 23-03، الهادف لتغيير وتتميم القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية. في خطوة أثارت رفض “تحالف ربيع الكرامة”. الذي نقل استياءه من انفراد وزارة العدل بإعادة صياغة القانون من دون إشراك مكونات المجتمع المدني، خاصة الجمعيات النسائية التي راكمت خبرة مهمة في قضايا العدالة الجنائية. والتي دأبت على رصد مكامن الخلل وتقديم مقترحات لتحسين شروط العدالة. خاصة فيما يخص حقوق النساء في مسارات تقديم الشكايات، التحقيق، المحاكمة وتطبيق العقوبات.

ومما جاء في البيان الصادر عن التحالف “وإذ يعبر “تحالف ربيع الكرامة” عن تذمره الشديد لانفراد وزارة العدل بمراجعة شاملة للقانون المفروض أنه الضامن لشروط المحاكمة العادلة للنساء والرجال، ضحايا ومشتبه فيهن وفيهم. والإقصاء الممنهج لمكونات المجتمع المدني بخلفية سياسية مكشوفة. سيما الجمعيات النسائية التي راكمت تجربة نوعية في الاشتغال على متطلبات العدالة الجنائية للنساء. ورصدت مكامن الخلل بقانون المسطرة الجنائية المطبق حاليا اعتمادا على دراسات، وعلى دراسة لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية ما قبل الأخير”.

وقد تم اعتماد مشروع القانون دون الأخذ بعين الاعتبار أكثر من 1380 مقترح تعديل. مع إقرار 200 تعديل بسيط فقط. وهو ما يعكس تهميشًا متعمدًا لحقوق النساء، خاصة في ظل التحديات التي تفرضها قوانين العقوبات البديلة التي صدرت في يوليو 2024. والتي لم تراعِ بشكل كافٍ مقاربة النوع. وهو ما يعتبر تهميشا لحقوق النساء في مواجهة العنف والتمييز الذي تتعرضن له. ويُقوّض بالتالي فرص وصولهن إلى العدالة.

ومما جاء في البيان:”نفس الإقصاء السياسي شمل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، والذي صدر بتاريخ 24 يوليوز 2024 ونشر بالجريدة الرسمية عدد 7328 بتاريخ 22 غشت 2024. مع ما طبعه من تهميش صارخ لمقاربة النوع، سواء فيما جاء به من عقوبات بديلة تشمل جنح العنف والتمييز ضد النساء، أو طريقة تنفيذها…”.

ويُعتبر قانون المسطرة الجنائية، وفقًا للمبادئ الدستورية والدولية. أداة حاسمة لضمان محاكمة عادلة. وهو ما أكد عليه وزير العدل في تقديمه للمشروع. لكن التعديلات المقترحة، خاصة تلك التي تعزز من صلاحيات النيابة العامة وتقيد من دور المجتمع المدني. تتعارض مع المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة. إذ تؤدي لتفاقم التمييز بين الجنسين. وهو ما يتطلب إعادة النظر في المشروع من قبل مجلس المستشارين ضمانا لاحترام حقوق المتقاضين، خاصة النساء. مع ضرورة إدخال إصلاحات جوهرية تضمن التوازن بين السلطة والحقوق.

وفي هذا السياق، أكد “تحالف ربيع الكرامة” على أهمية اعتماد مقاربة نوعية تراعي خصوصية النساء. وذلك عبر إجراءات خاصة أثناء تقديم الشكايات. مع توسيع صلاحيات المجتمع المدني، خاصة الجمعيات النسائية، لتكون فاعلة في جميع مراحل العدالة. وضمان حماية حقوق الدفاع، ورفع القيود المفروضة على حضور الجمعيات، وتعزيز حقوق النساء في إثبات الأدلة، خاصة في جرائم العنف والاعتداءات الجنسية. مع ضرورة تحديد ضوابط واضحة لإجراءات التحقيق، وتوفير حماية خاصة للنساء المشتبه بهن والضحايا، بما يضمن تحقيق التوازن بين حقوق المتقاضين واحترام المبادئ الدستورية والقانونية. بما يتماشى مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان.

واعتبر التحالف أن المشروع عزز “آليات البعد الأمني بمبرر مكافحة الجريمة، وقيد دور المجتمع المدني بما في ذلك الجمعيات النسائية بخلفية سياسية، بالمادتين 3 و7. ضدا على أدواره المنصوص عليها بالدستور. ووسع بالتالي من اختصاصات النيابة العامة في مقابل تقليص أدوار الدفاع. وأساسا حضوره للبحث التمهيدي. وأرسى أسس اللاتوازن بين سلطة الاتهام والطرف المتهم ودفاعه. ونزل عن سقف المبادئ التي جاء بها الدستور بخصوص حقوق المتقاضين و متطلبات المحاكمة العادلة وشروط مناهضة التمييز والعنف بسبب الجنس وحماية النساء الضحايا.”

واعتبر “تحالف ربيع الكرامة” أن الفرصة لا زالت مواتية لتجويد مشروع قانون المسطرة الجنائية أمام مجلس المستشارين. من خلال جعل مناقشته محطة نوعية واستثنائية في مسار التشريع من أجل عدالة جنائية لا تقصي النساء. وتضمن لهن الولوج السهل إلى آلياتها. وتحقق بالنالي للنساء شروط المحاكمة العادلة، ضحايا كن أو في نزاع مع القانون. 

وأكد التحالف أن لا إصلاح شامل لقانون المسطرة الجنائية دون الأخذ بعين الاعتبار بعض المطالب المهيكلة لحق النساء في العدالة الجنائية. ضمنها اعتماد مقاربة النوع بطريقة عرضانية تضمن وضع مقتضيات قانونية تراعي خصوصيات النساء وتنص على إجراءات خاصة بتقديم الشكايات. وعلى مسطرة ملائمة للبحث التمهيدي في جرائم العنف والتمييز للحد من الإفلات من العقاب. وعلى بطلان الإجراءات التي تتم خلافا للقانون. وعلى مسطرة بحث واعية باحتياجات النساء الموقوفات. وعلى مسطرة تستجيب لمستلزمات العدالة الجنائية للنساء. وعلى محاكمة ضامنة لشروط عدالتها. وعلى تنفيذ العقوبات بما يحفظ كرامة النساء ويؤمن حقوقهن. إضافة لمطلب الإلغاء اللامشروط لجميع القيود التي فرضتها المادة 7 من المشروع على دور الجمعيات بصفة عامة، والجمعيات النسائية بصفة خاصة. والتي تشكل في حد ذاتها تراجعا عما جاء به الدستور وقانون المسطرة الجنائية الجاري به العمل حاليا. إضافة للتراجع عما جاءت به المادة 3 من المشروع، والتي منعت المجتمع المدني، في نفس سياق التضييق، من اللجوء إلى القضاء لمحاربة الفساد وحماية المال العام.

كما دعا التحالف لتقوية حقوق الدفاع بما يحقق التوازن بين الدفاع وسلطة الاتهام. مع التنصيص صراحة  ضمن المشروع على حضور الدفاع إلى جانب المشتبه فيه أمام الشرطة القضائية منذ اللحظة الأولى لإلقاء القبض عليه. وإشعار الموقوف بحقه في الاتصال بدفاعه. والحضور إلى جانب الضحية أثناء تقديم شكايتها والاستماع إليها. مع إلغاء كل مقتضى من شأنه أن يسمح للنيابة العامة أو الشرطة القضائية بتأجيل حضور الدفاع إلى جانب موكله أو موكلته.

وشدد “تحالف ربيع الكرامة” على ضرورة إعادة النظر في المقتضيات المتعلقة بالإثبات ووسائله وسلطة تقديره. أخذا بعين الاعتبار خصوصية الإثبات وصعوبته في جرائم العنف ضد النساء. وهو ما يقتضي استنفاذ كافة إجراءات البحث والتحقيق للكشف عن حقيقة العنف ومرتكبه، (الانتقال، التفتيش، الحجز، الاستماع إلى الشهود والمبلغين، الخبرة، التقاط الصور وأخذ العينات والبصمات، الطب الشرعي…). إضافة للتعامل بمرونة مع عبئ الإثبات، خاصة في جرائم الاعتداءات الجنسية ضد النساء. والتي غالبا ما ترتكب في ظروف مطبوعة بالسرية، مما يصعب معه إثبات الجريمة. وبالتالي الإفلات من العقاب وحرمان الضحية من العدالة الجنائية. فضلا عن تقييد سلطة المحكمة في تقدير وسائل الإثبات. وترجيح بعضها على بعض ضمانا لتفريد أمثل للعقاب وتحقيقا للعدالة. مع وضع ضوابط دقيقة لتفعيل إجراءات تحقيق الدعوى العمومية، (الخبرة، الشهود، البحث التكميلي، المعاينات، الانتدابات…) من عدمه. والتنصيص على إجراء البحث التمهيدي في ظروف زمان ومكان ضامنة لكرامة النساء وخصوصياتهن واحتياجاتهن. ومن قبل مختصات ومختصين في قضايا العنف والتمييز ضد النساء. مع توسيع الحق في المساعدة القضائية للنساء المشتبه فيهن ليشمل المحاكمات في الجنح، وإقرار حق النساء الضحايا في المساعدة القضائية بقوة القانون.

ويظل الإصلاح الحقيقي لقانون المسطرة الجنائية ممكنًا إذا ما تم من خلال التشاور الحقيقي مع جميع الفاعلين. خلال إعادة طرح مشروع القانون على مجلس المستشارين من اجل التصديق. وذلك لضمان مناقشته بشكل يُعلي من قيمة العدالة الحقوقية ويحقق شروط المحاكمة العادلة، خاصة للنساء والفئات الأكثر هشاشة. وذلك بما يضمن دولة قانون ترتكز على احترام حقوق الإنسان، ويُعزز من مناعة المجتمع ضد مظاهر التمييز والعنف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.