#الرباط، المغرب – أثارت أنباء تحدثت عن نية الحكومة رفع سن التقاعد ل65 عاما ابتداءً من عام 2026 جدلا واسعا بين المستخدمين والتمثيليات النقابية. وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي الهش في ظل الواقع الاجتماعي الصعب الذي يعيشه المغاربة.
يأتي الحديث عن هذا الإجراء في سياق تزايد التحديات المالية التي تعرفها صناديق التقاعد. وبالتالي سعي الحكومة تجاوز هاته الاختلالات عن طريق تحميل الأجراء تبعات فشلها التدبيري. ضدا على الدستور المغربي، خاصة الفصل 31 منه الذي يكفل حقوق الأجراء، وأيضا القانون رقم “99-15” المتعلق بنظام التقاعد. الذي ينص على التوازن المالي واستدامة النظام.
وتحاول الحكومة تطبيق رفع تدريجي في سن التقاعد من 60 إلى 62 سنة في القطاع الخاص. ومن 63 إلى 65 سنة في القطاع العام.
وترفض النقابات بالمغرب هاته المقترحات، واصفة إياها بغير العادلة. ومطالبة في نفس الوقت بالزيادة في مبلغ المعاشات من 4200 إلى 6200 درهم لضمان كرامة المتقاعدين.
وتدعو النقابات الحكومة لاعتماد مقاربة شمولية تركز على تحسين شروط تشغيل الشباب. مع تفعيل خطة وطنية للتشغيل، وفقًا للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. مع الالتزام بالمبادئ الدستورية المتعلقة بالعدالة الاجتماعية.
ويبقى ملف التقاعد من الملفات الحساسة التي قد تهدد الاستقرار الاجتماعي. خاصة وأن الحديث المسرب يتزامن مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية.
ولتجاوز أزماتها تستعد الحكومة لإعادة طرح الملف مجددًا على طاولة النقاش في اللجنة الوطنية برئاسة رئيس الحكومة، لاتخاذ القرار النهائي في الموضوع. إلا أن قرب الاستحقاقات الانتخابية يضع أحزاب التحالف الحكومي الثلاثة في موقف حرج في ظل وضع شديد الحساسية.
ووفق مصادر إعلامية، فإن الحكومة تجد نفسها في موقف حرج لتلافي الآثار الاجتماعية لاتخاذ القرار والخسائر السياسية الجسيمة التي سيتكبدها التحالف في حالة الإقدام على هاته الخطوة.
وترجح ذات المصادر أن تعتمد الحكومة سيناريو “تدرجي”. من خلال رفع سن التقاعد في القطاع الخاص من 60 إلى 62 عاما بدل 65. وفي القطاع العام من 63 إلى 65 سنة.
إجراء ترفضه النقابات بالمغرب وتعتبره “مجحفًا وغير عادل”. ناقلة تخوفها من فرض القرار بشكل متفرد من قبل الحكومة. مطالبة بمنح الموظفين والمستخدمين حرية الاختيار.
وستعمل الحكومة على الرفع التدريجي لسن التقاعد بمعدل 6 أشهر كل عام. وذلك على غرار “الإصلاح المقياسي الجزئي” الذي نهجته حكومة “عبد الإله بنكيران”. وذلك بغاية تلافي آثار اجتماعية قد تكون لها مضاعفات على الاستقرار السياسي بمايشعل بالتالي لهيب الصراعات بين الحكومة والنقابات.
وتتشكل في المغرب جبهة تضم الإطارات النقابية وبرلمانيين ونقابيين من غرفتي البرلمان للتصدي للقرار داخل اللجنة الوطنية. دفاعا عن حقوق الأجراء والموظفين. معتبرة أن أي تقليص محتمل في معاشات القطاع العام “خطًا أحمر” لا يجب تجاوزه.
وترى النقابات أن المخرج من الوضع لا يكمن في رفع سن التقاعد بل في خلق مناصب شغل جديدة.
وكانت دراسة “أكتوارية” أعدها مكتب دراسات أجنبي، قد قالت: إن نظام التقاعد الحالي غير قابل للاستمرار دون إصلاحات جذرية. وهي الخطوة التي ترفضها النقابات الكبرى في المغرب. ضمنها “الاتحاد المغربي للشغل (UMT)” و”الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT)”. معتبرة أنها تمس بحقوق العمال وتساهم في مفاقمة الأزمة الاجتماعية.
وتحاول الحكومة اتخاذ قرار في هذا الشأن وتطرح بالتالي ثلاث سيناريوهات محتملة. ضمنها الرفع المفاجئ لسن التقاعد إلى 65 عاما، وهذا القرار يلاقي رفضا من قبل النقابات. والخيار الثاني يتمثل في الرفع التدريجي خلال كل 6 أشهر سنويًا، على غرار إصلاحات حكومة “عبد الإله بنكيران”. والخيار الثالث يتمثل في تطبيق سن تقاعد مختلف بين القطاعين العام والخاص، 62 سنة بالنسبة للقطاع الخاص، و65 سنة بالنسبة للقطاع العام.
وتخشى الحكومة من انفجار اجتماعي. خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية، وهو ما يضع التحالف الحكومي في مأزق سياسي صعب.
النقابات أعلنت رفضها القاطع لأي رفع لسن التقاعد دون ضمانات ملموسة، ضمنها زيادة المعاشات، خصوصا في القطاع الخاص، حيث لا يتجاوز الحد الأقصى 4200 درهم. مع منح العمال حرية اختيار سن التقاعد. خاصة لمن التحقوا بسوق العمل متأخرا. ورفض خفض معاشات القطاع العام. معتبرة الأمر “خطًا أحمرا”. مطالبة بمعالجة البطالة لدى الشباب. ومؤكدة على أن الإصلاح الحقيقي يكمن في خلق فرص عمل بدلاً من إطالة عمر العمل.
تجدر الإشارة إلى أن “مدونة الشغل” بالمغرب، القانون “99-15”. لا تحدد سنا إلزاميا للتقاعد. لكن النظام الأساسي للوظيفة العمومية يحدده في 63 عاما. كما أن نظام التقاعد التكميلي (RCAR). يسمح بالتقاعد عند سن 60 عاما مع استيفاء الشروط. إضافة للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، مثل “اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102″، التي تؤكد على ضرورة ضمان حماية اجتماعية عادلة.
وتبقى عملية تنزيل هاته الخطوة محفوفة بالمخاطر بما يمكن أن تحمله من تداعيات محتملة. مع احتمال زيادة الاحتقان الاجتماعي في ظل غياب حوار حقيقي. كما ان القرار سيؤثر على ولوج الشباب لسوق الشغل. والأخطر من ذلك هو ما سيحمله من مخاطر سياسية على احزاب التحالف القائم مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية.
ويبقى ملف رفع سن التقاعد أحد أبرز التحديات الاجتماعية التي تواجه المغرب. والذي يتطلب حلا متوازنا يراعي “الاستدامة المالية” و”العدالة الاجتماعية”. ضمن منظومة الحوار الاجتماعي مع مراعاة الحقوق المكتسبة للعمال. ومعالجة جذرية لأزمة البطالة والتنمية الاقتصادية.