#الرباط، المغرب – أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، “أحمد التوفيق”. أن القروض البنكية، خاصة تلك المتصلة بالمالية التشاركية. يجب أن تظل وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية وليس بابا للربح المجحف. وذلك وفقا للمقاصد الشرعية الرافضة لاستغلال المقترضين والتضييق عليهم.
تجدر الإشارة إلى أن المبادئ الإسلامية تنص على أن المال وسيلة لتحقيق التوازن والعدل الاجتماعي، وليس غاية في حد ذاته.
جاء ذلك خلال افتتاح أشغال المنتدى الثالث والعشرين حول الاستقرار المالي الإسلامي، المنظم من طرف “بنك المغرب” و”مجلس الخدمات المالية الإسلامية”، بالعاصمة المغربية، “الرباط”.
وأوضح “التوفيق” أن المغرب أرسى بنية مؤسساتية قوية لهذا القطاع. تتجلى في “المجلس العلمي الأعلى”، الجهة المصدرة للفتاوى الشرعية. و”لجنة الفتوى” التي أصدرت 194 رأيا شرعيا.
وأكد “التوفيق” أن التناغم بين الفتوى والمؤسسات يعكس نضجا وتكاملا في التعامل مع هذا القطاع. مضيفا أن المراقبة الشرعية والتقنين العلمي يعززان الثقة. ويحولان بالتالي دون استغلال الفوائد البنكية لتحقيق أرباح غير مشروعة. مبرزا أن هذا الامر يفرض تدخل الدولة عبر مؤسساتها لضبط التوازن وحماية المقترضين من الاستغلال.
وأوضح أن مفهوم “الربا” في التاريخ الإسلامي يختلف عن المفهوم المعاصر. مبرزا أن فقهاء، من أمثال “رشيد رضا” و”فضل الرحمن” و”شكيب أرسلان” دعوا لفهم الفوائد ضمن سياق تنموي واقتصادي يراعي مصلحة الأمة. مميزين بين مفهوم “الربا المحرم” (الاستغلالي) وبين “الفائدة” كعائد معقول على رأس المال في سياق التنمية الاقتصادية الواقعية. داعين إلى تنمية اقتصادية واقعية عوض الاقتصار على التحريم. مبرزا أن الأمر يتطلب خطابا عقلانيا يربط بين الشريعة والمصلحة.
وأكد أن المال أمانة اجتماعية يجب إدارته بمسؤولية. وذلك وفقا للمبادئ الإسلامية التي تحث على العدالة والتكافل. وهو ما يتطلب وعيا مجتمعيا وتوجيها أكاديميا بما يوسع قاعدة الوعي المالي الإسلامي.
وشدد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن ولوج المغرب لمجال المالية التشاركية، جاء استنادا لاجتهادات فقهية متوازنة. مع مراعاة مقاصد الشريعة، التي لا تتعارض مع المعاملات البنكية. لكن شريطة ضمان العدل ومنع الإجحاف. مؤكدا أن تسميتها بـ”المالية التشاركية” بدل “الإسلامية” كان خيارا واعيا. وذلك لتفادي الإيحاء بأن باقي البنوك تفتقد للشرعية الدينية.
وعرج “التوفيق” على الخطوات التي قطعها “المغرب” في مسار إرساء دعائم بنية مؤسسات مالية تشاركية. مبرزان أن لجنة الفتوى، المنبثقة عن المجلس العلمي الأعلى. أنشأت لجنة خاصة بالمالية التشاركية. وهو ما ساهم في تقنين منتجاتها بإصدار 194 رأيا شرعيا. عقب أكثر من 421 اجتماعا. والتي واكبتها دراسات معمقة قانونية وشرعية وتطبيقية.
وأشاد بحكمة “والي بنك المغرب” الذي بادر منذ ما يقارب عقدا من الزمن إلى إدماج هذا النوع من المعاملات البنكية في المشهد المالي الوطني.
وأوضح الوزير “التوفيق” أن الحديث عن الفوائد البنكية ينبغي أن يتم فهمه في إطار شمولي. بما ان المال، في التصور الإسلامي، ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة لتحقيق العدل والتكافل. ومن الواجب أن تتم إدارته وفق ضوابط شرعية تبعده عن الطغيان والاستغلال.
واعتبر “التوفيق” أن القروض البنكية ينبغي أن تكون وسيلة للتيسير ورفع الحرج وليس للربح المجحف. مشددا على دور الدولة في حالة الإجحاف في ضبط التوازن وحماية المقترضين من الاستغلال.
وأوضح “التوفيق” أن المالية التشاركية في “المغرب” بلغت مرحلة مفصلية تتطلب تجديد الرؤية وتوسيع قاعدة الوعي. مبرزا أن هذا القطاع لا يزال مثقلا بحساسيات مرتبطة بالتصورات الدينية للناس، بين ما هو حلال وما هو محظور. مشددا على ضرورة حضور التعامل العقلاني الرابط بين الشريعة والمصلحة. مؤكدا أن المال في الإسلام “أمانة ووظيفة اجتماعية”، يتوجب تسييره بعقل راشد يضمن التوازن. ويحترم بالتالي القيم الشرعية مع مراعاة السياق المجتمعي والسياسي في الوقت نفسه.
وأفاد “التوفيق” بأن تأسيس المالية التشاركية المغربية ارتكز على اجتهادات فقهية متوازنة. راعت المقاصد الشرعية في تحقيق العدل ومنع الظلم والغش. ورؤية واقعية تجنبت التوصيف بـ”الإسلامية” بشكل متعمد لتفادي أي تشكيك في البنوك التقليدية وتوصيفها بأنها “غير شرعية”.
وقد قدم “التوفيق” الرؤية الشرعية للمال والقروض وفق المبادئ الأساسية المتضمنة في الشريعة. المستندة على اعتبار المال” ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة لتحقيق العدل والتكافل”. وذلك وفق المادة 1 من مدونة الحقوق العينية المغربية. مؤكدا على ضرورة إدارة المال وفق ضوابط تمنع “الطغيان والاستغلال”. مبرزا أن “الفائدة إن تحولت إلى وسيلة للظلم فإنها تستدعي تدخل الدولة، عبر مؤسساتها. وذلم بغاية ضبط التوازن وحماية المقترضين من الاستغلال”. في إشارة لدور “بنك المغرب” و”الهيئة المغربية لسوق الرساميل AMMC” في الرقابة وحماية المستهلك المالي.
وأوضح “التوفيق” أن قطاع المالية التشاركية في المغرب بلغ مرحلة مفصلية تتطلب توسيع قاعدة الوعي. وذلك من خلال مواجهة الحساسيات المرتبطة بالمفاهيم الدينية (حلال/حرام) لدى الجمهور. وتبني خطاب عقلاني يربط الأحكام الشرعية بالمصلحة العملية والواقع الاقتصادي. والتعامل مع المال ك“أمانة ووظيفة اجتماعية”، يجب إدارته بعقل راشد يضمن التوازن بين القيم الشرعية والواقع المجتمعي والسياسي.