#تدبير مهرجان “كازا ويك” بين تغييب روح المالية العامة واستحضار النفعية في التعامل

أحمد أموزك

أحمد أموزك

 

#الدار البيضاء، المغرب – عرف مهرجان كازا ويك موسيقى” المنظم من طرف “شركة التنشيط و التظاهرات، “كازا ايفنت””، التي يديرها “محمد الجوهري”. مشاهد لا تشرف وطنية المهرجان ولا الروح المطلوبة فيه باعتباره ممولا من مالية الشعب المغربي بعد أن أقدم المنظمون على منع المواطنين من حضور فعالياته. ليطرح سؤال محوري، ما الهدف من إقامة المهرجان؟ ومن هي الفئات المستهدفة من تفاصيل برنامجه؟ وما جدوى تنظيم مهرجان من المالية العامة إن كان مواطنوا البلد المنظم مقصيون من حضور تفاصيله؟.

فالمهرجان المنظم نهاية شهر يونيو والذي عرف مشاركة نجوم عالميين. وتم تخصيص ميزانية ضخمة، تجاوزت ملايير السنتيمات من المال العام، لإنجاح فعالياته. عرف منع مواطني “الدار البيضاء” من حضور كل هاته التفاصيل عقب قرار إدارة المهرجان رفع ثمن تذكرة الولوج ما بين 600 و1000 درهم.

سلوك يعارض ما تم تثبيته خشبيا وعبر اللافتات الإشهارية التي تقول بأن الهدف من تنظيم المهرجان هو “تعزيز الثقافة و اثراء المشهد الفني”. فعن أي تعزيز تتحدث “كازا إيفنت” وعن “أي إثراء لأي مشهد فني”، إلا إن كانت إدارة المهرجان تتحدث عن إثراء الجيوب وجني أرباح استثمارية ضخمة. لا يعرف أين تكون وجهتها.

مواطنون بيضاويون التقتهم جريدة “العدالة اليوم” قالوا: “كيف يمكن أن يتم استنزاف المال العام لتمويل ترفيه لا يشملنا. و يصبح المواطن البسيط مقصيا”.

وأضاف “سي عبد القادر”، و هو متقاعد من إحدى الإدارات العمومية: “إن هذا المهرجان تحول لامتياز لنخبة قادرة على دفع المال. اما أمثالنا نحن الذين افنينا اعمارنا في خدمة الإدارة فحضور فعالياته ممنوع علينا”.

من جانبه، تساءل أحد المستشارين الجماعيين السابقين: “هل الوالي محمد امهيدية على علم بما جرى بامتار غير بعيدة عن مقر ولاية الدار البيضاء٠٠٠ و اذا كان العكس فالأمر جد خطير. على اعتبار أن مصالح ولاية الدار البيضاء هي من أعطت الضوء الأخضر لتنظيم هذا المهرجان”.

هذا دون الحديث عما شاب المهرجان من سوء التدبير الذي يتحمل مسؤوليته المدير العام للمهرجان. الذي فشل فشلا ذريعا في أداء المطلوب منه منذ تعيينه عام 2014.

فقد أثار مهرجان “كازا ويك موسيقى” جدلا واسعا حول تبذير المال العام وتجاهل حقوق المواطنين. حيث أظهرت تقارير ومتابعات مباشرة أن الميزانية الضخمة التي تجاوزت ملايير السنتيمات. والتي تم تمويلها من خزينة الدولة. تم استخدامها لتنظيم فعاليات حصرية للأثرياء والميسورين. فيما تم حرمان المواطنين البسطاء من حضور الحفلات. حيث تم تحويل المهرجان عن وجهته الفعلية ليصبح مناسبة استثمارية لجني الثروات على حساب عموم الشعب. وهو ما يتعارض مع المبادئ القانونية التي تضمن حق المواطن في المشاركة الثقافية.

تجدر الإشارة إلى أن الفصل 27 من الدستور المغربي ينص على الحق في الثقافة. الأمر الذي يقتضي تدخل وزارة الداخلية ومصالح ولاية الدار البيضاء للتحقيق في تدبير المهرجان. خاصة وأن تساؤلات، موجهة للوالي “امهيدية”. يتم طرحها ذات صلة بمهرجان وفيما إذا كانت مصالح الولاية قد أعطت الضوء الأخضر لتنظيم هذا الحدث بهاته الطريقة.

واقعة تستدعي مراجعة شاملة لسياسات تنظيم الفعاليات ذات الطابع الثقافي والترفيهي. مع ضرورة إحالة الملف على الجهات المختصة لفتح تحقيق في الموضوع. تعزيزا للشفافية والمساءلة كمبدأين دستوريين.  ومدى التزام الجهات المنظمة بالمبادئ الدستورية والقانونية المؤطرة للتظاهرات الثقافية الممولة من الخزينة العامة.

تجدر الإشارة أيضا أن تمويل مثل هذه الفعاليات ينبغي أن يستند إلى قواعد راسخة. ضمنها الفصل 6 من دستور المملكة المغربية لعام 2011. المؤكد على أن “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاص ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه. وملزمون بالامتثال له”. كما يكرس الفصل 12 مبدأ “المساهمة في تحمل التكاليف العمومية… كل حسب قدرته التكليفية”. فيما ينظم قانون المالية، عملية اعتماد الميزانيات وصرف النفقات العمومية. أي أن التظاهرات الممولة من “الخزينة العامة” يجب أن تكون، وفق المادة 1 من القانون التنظيمي 130.13 لقانون المالية. مبررة ومراقبة وفق مبادئ: الاقتصاد في النفقات، كما ينص على ذلك الفصل 77 من دستور 2011. المشروعية والشفافية، وفق منطوق القانون التنظيمي 130.13، خاصة المواد المتعلقة بنفقات الدولة. المصلحة العامة، أي أن تعود الفائدة على الجمهور المستهدف (المواطنون) بشكل واضح. 

وفي السياق ذاته يحدد قانون الصفقات العمومية، وفق المرسوم رقم 2-12-349. الإجراءات الإلزامية لإبرام الصفقات (العقود) بين الإدارات العمومية والمقاولين (مثل “كازا إيفنت”). مشترطا المنافسة والشفافية ووضع الشروط المرجعية الدقيقة ومراقبة تنفيذ العقد. كما أن الميثاق الجماعي، أي القانون 113.14. وعلى الرغم من أن المهرجان منظم على مستوى الولاية، فإن المبادئ العامة للقرب والشفافية والمشاركة المواطنة المنصوص عليها في الميثاق تبقى ذات صلة.

فما تم رصده من معطيات ذات صلة بحجم الإنفاق وتخصيص ميزانية ضخمة تجاوزت مليارات السنتيمات، أي عشرات الملايين من الدراهم. ممولة من المال العام. تستدعي تنزيل مبدأ الشفافية المطلقة. من خلال تحديد المبلغ الدقيق، بنود الصرف (فنانين، لوجستيك، تسويق…)، وعقد الصفقة مع “كازا إيفنت”. فضلا عن ضرورة تحديد مبررات الاستثمار، أي ما هي الأهداف الثقافية والاقتصادية الملموسة التي تبرر هذا الحجم من الإنفاق العام؟ وكيف تم قياس العائد المتوقع؟. إضافة إلى تبرير التناقض الصارخ بين اعتماد التمويل العام وفي المقابل إقصاء المواطنين من الحضور. على الرغم من الترويج للمهرجان كحدث يهدف إلى “تعزيز الثقافة وإثراء المشهد الفني”، بحسب اليافطات. فيما تم فرض تذاكر بأسعار مرتفعة (600 إلى 1000 درهم).

وقائع تحول الفعالية الممولة من جيوب المواطنين إلى حدث نخبوي حصري “للأثرياء والمحظوظين” فقط، كما وصفه المواطنون. مع انتهاج إقصاء صريح ومنع لغالبية سكان “الدار البيضاء”، المستفيدين المفترضين من المال العام، من الحضور. في انتهاك لمبدأ المصلحة العامة،بحصر تمويل الترفيه لفئة محددة على حساب عموم دافعي الضرائب.

تفاصيل وقفت حولها ردود فعل المواطنين وشهاداتهم التي أثارت سؤالا أساسيا مفاده: كيف يمكن أن يتم استنزاف المال العام لتمويل ترفيه لا يشملنا، ويصبح المواطن البسيط مقصيا؟”. و“هذا المهرجان تحول كامتياز لنخبة قادرة على الدفع المالي أما أمثالنا نحن الذين أفنينا أعمارنا في خدمة الإدارة فامر الحضور هو ممنوع علينا”. وهي أسئلة تسلط الضوء على إحساس بالظلم وغياب الإنصاف.

وتبقى “ولاية الدار البيضاء-سطات” برآسة “الوالي محمد مهيدية”. مسؤولة باعتبار منحها الترخيص والضوء الأخضر لإقامته. وهو ما يستوجب تفعيل مسؤوليتها الرقابية والأخلاقية المباشرة عن الأحداث والتفاصيل.

وقائع رفعت للواجهة مطالب بفتح تحقيق شفاف وتفعيل آلية المساءلة. وتدخل وزارة الداخلية للوقوف على كيفية صرف المال العام في هذا المهرجان، ومدى احترام شروط العقد مع “كازا إيفنت”. إضافة للتحقيق في شكاوى “سوء التدبير” و”الحرمان”. ومساءلة الجهة المنظمة “كازا إيفنت” حول آلية تحديد الأسعار، وجهة تحصيل الإيرادات، ومدى مطابقة التنظيم للشروط المرجعية. مع مطالبة مواطنية بإعفاء مديرها العام من مسؤولياته بناء على وصف تذبيره ب”الفشل الذريع” منذ 2014.

تجدر الإشارة أيضا أن حادثة مهرجان “كازا ويك موسيقى” ليست معزولة. بل هي نموذج صارخ لإشكالية توظيف المال العام في فعاليات تتنكر لمبدأ الخدمة العمومية وتكرس الإقصاء الاجتماعي. مع  غياب الشفافية في التمويل والصفقات. إضافة للتناقض بين الادعاء الثقافي والواقع التجاري النخبوي. الأمر الذي يقتضي فتح تحقيق إداري وقضائي عاجل من قبل الجهات المختصة (الوزارة الوصية، المجلس الأعلى للحسابات والقضاء، لتحديد المسؤوليات. وإجراء مراجعة شاملة لآلية منح التراخيص وتمويل التظاهرات. من خلال اعتماد معايير واضحة تضمن الجدوى الثقافية والاجتماعية الحقيقية. مع إلزامية إتاحتها بشكل عادل للمواطنين. وإعمال مبدأ المحاسبة العمومية. من خلال مساءلة كل من ثبت تقصيره أو سوء تدبيره لأموال الشعب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.