#عين على تيفلت: المهرجان مال عام وحرية الصحافة خط أحمر

#محمد حميمداني

#محمد حميمداني

 

#تيفلت، المغرب – المسؤولية الحزبية كما مسؤولية تدبير الشأن المحلي وتشريع القوانين من داخل مؤسسة البرلمان. هي قبل كل شيء إرادة وطنية صادقة وأخلاق سياسية تتجاوز الأقوال إلى ترسيخ دولة ومؤسسات الأفعال. وتشريع يرتقي بالمنطومة السياسية لمستويات أسمى بما يؤسس الرفاه المجتمعي ويضمن العدالة الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي والسياسي. لا أن يتحول المسؤول كما هو الحال في رأس التدبير المحلي ب”تيفلت” إلى ممارسة متعالية عن السلطة الرابعة. مكرسة لسياسة المنع باسم المسؤولية ومهمشة لمشاكل المواطنين.

فالديمقراطية التي يجب أن يتعلمها هذا “المسؤول” تؤمن بكرامة الإنسان وحقوقه أولا وقبل كل شيء، وتؤسس لمجتمع يعزز قيم الحرية، المساواة والعدالة. وهي قواعد لا يمكن تأسيسها إلا بتوفر القيم الأخلاقية والسياسية المكرسة للمسؤولية الفردية والجماعية.

فالمسؤول ليأخذ جوهره الوجودي لا بد أن يتحلى بقيم النزاهة والاحترام لضمان استدامة الديمقراطية. فكيف يمكن لمسؤول أن يكون في مستوى ما عهد إليه من مسؤوليات. إن لم يكن يتمتع بتربية فعلية قائمة على المواطنة الحقة واحترام المؤسسات والسلط المؤسسة دستوريا؟. والأدهى من ذلك فالمطلوب احترام الذات والإيمان بالمسؤولية بعيدا عما يملكه في الحسابات المصرفية والعصا الممنوحة له باشكال متعددة. لا يمكن أن تمحي وأن تزيل واقع أن المغرب بلد المؤسسات والدستور. ولا القفز على هاته الحقيقة. وذلك وفق القواعد التي ما فتئ عاهل البلاد المفدى يؤكد عليها ويدعو لترسيخها منهاج حكم.

لكن بعض العقليات تناست جوهر وجودها. ولتعلم علم اليقين أنه حينما يتم التعامل معها فليس لكونها “ع-ص_ع”. بل لكونها تدير الشأن المحلي. ولكونها مسؤولة عن حزب سياسي يمول من مال الشعب. أي أنها شخصية عامة. وبالتالي فحضورها يجب أن يتأسس ضمن هاته القناعة التي تبقى قائمة إلى حين إجراء الانتخابات عام 2026. وسقوط هاته الصفة عنها سيسقطها كإسم حتما وبالضربة القاضية ويوارى الثرى ولا يتم ذكرها لا من قريب ولا من بعيد أو حتى قراءة الفاتحة على روحها. اللهم بما تركته من بصمات عمل واخلاق سلوك وعلو فكر.

فما وقع اليوم ب”تيفلت” نقل حقيقة واحدة ان بعض الأسماء المدونة في تدبير الشأن المحلي أو التشريعي أو السياسي هي أرقام ليس إلا. ما دامت ترسخ قاعدة قائمة على التعالي على المجتمع والسلطات والمؤسسات والقوانين المعمول بها داخل المملكة الشريفة.

فلسفة حاول جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. ترسيخها قاعدة عمل. حيث أكد جلالته خلال افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة، بتاريخ 18 أكتوبر 2013، قائلا: “وأمام ما تشهده العديد من المدن الكبرى والمتوسطة والمراكز القروية، من اختلالات. فإننا نتوجه للأحزاب السياسية لضرورة العمل على إفراز كفاءات ونخب جهوية جديدة، مؤهلة لتدبير الشأن العام المحلي. خاصة في ظل ما يخوله الدستور للجماعات الترابية من اختصاصات واسعة، وما تفتحه الجهوية المتقدمة من آفاق، وما تحمله من تحديات”.

إلا أن واقع الحال الذي نجده هو تحول بعض الأحزاب إلى نمط من الإقطاعيات المغلقة. مع ما يصاحب كل ذلك من منطق التعامل مع المواطنين كما المؤسسات من موقع العبيد. وليس من باب المسؤولية الدستورية التي تفرض مجموعة من القواعد التي تعتبر منهاج فعل وعمل. وبالتالي تصبح خاضعة للمساءلة والمحاسبة وفقا للقواعد الدستورية المعمول بها.

ما يجب أن يتعلمه فقهاء التدبير المحلي ب”تيفلت” أن المسؤولية التزام سياسي وأخلاقي بقوانين المؤسسات والدستور أولا وقبل كل شيء. وهي القواعد التي أكد عليها الفيلسوف اليوناني “أرسطو” من خلاله قوله: إن “الديمقراطية ليست فقط حكم الشعب، بل حكم الأخلاق وتعزيز الفضيلة”. وهو ما يؤكد أهمية التربية على القيم كوسيلة لبناء مواطنة مسؤولة وواعية. إذ أن المسؤولية المواطنية تبدأ من داخل الفرد. أي من احترام ذاته وتطوير وعيه بأهمية دوره في المجتمع. قبل أن تكون التزاما بالقوانين وخضوعا لسلطة المؤسسات. لأن القانون يصبح بلا فعالية إذا لم يكن المسؤول مؤمنا وملتزما به من داخله. مع الاعتراف بباقي السلط المؤسسة قانونا، ضمنها السلطة الرابعة. وتجاوز عقلية “الكراباج” في التعامل مع الحريات. وكما قال نيلسون مانديلا: “القيادة الحقيقية تبدأ من القلب، وتبنى على الأخلاق. لأن الديمقراطية ليست مجرد نظام حكم، بل ميثاق أخلاقي يقتضي من المواطن أن يكون مسؤولا عن مصيره ومصير مجتمعه”.

فالمسؤولية السياسية والأخلاقية تمثل حجر الزاوية في بناء منظومة ديمقراطية فعالة ومستدامة. وهو ما أكد عليه جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. في خطابه خلال افتتاح السنة التشريعية الثالثة. حيث دعا جلالته لإفراز كفاءات ونخب جهوية جديدة قادرة على تدبير الشأن المحلي بكفاءة وشفافية. وهو ما يتطلب تربية مواطنة قائمة على القيم والأخلاق السياسية، تضمن احترام المؤسسات، الدستور وحقوق المواطنين.

تأتي هذه الدعوة في سياق ديمقراطي متقدم، يؤكد على أن الحكم الرشيد يتطلب إرادة وطنية صادقة وتجاوز منطق الإقطاعية والاحتكار. الذي يكرس التمييز وهدر قيم المسؤولية والعدالة الاجتماعية. وهو الأمر الذي تعكسه بعض الممارسات المحلية، ضمنها “تيفلت”. حيث يختلط الأمر بين المسؤولية الحزبية والسلطوية، فيتم التعامل مع المواطنين كعبيد للمصالح الضيقة.

وفي هذا السياق، يستند المغرب إلى دستور 2011، الذي يكرس مبدأ فصل السلط ويؤسس لسلطة رابعة قوية، تتجلى في الصحافة والإعلام. وتحكم بمبادئ الشفافية والمساءلة. وهو ما أكد عليه الفصل 24 من الدستور، الضامن لحرية الصحافة والمؤطرة لمسؤوليتها.

إلا أن الواقع العملي يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن بعض الفاعلين السياسيين والمحليين يفتقدون لرؤية أخلاقية مفضليم ممارسة سياسة المنع والتجاهل. وذلك في خرق واضح للمبادئ الدستورية. وهنا تصبح قواعد المسؤولية كما وصفها أرسطو، “حكم الأخلاق وتعزيز الفضيلة”، ضرورة اكثر من أي وقت مضى. فالمسؤول الحقيقي، وفق نيلسون مانديلا، هو الذي يبني قيادته على الأخلاق. ويؤمن بأن الديمقراطية ليست مجرد نظام حكم، بل ميثاق أخلاقي، يفرض على كل مسؤول أن يكون قدوة في النزاهة والشفافية.

وفي إطار تدبير الشأن المحلي، يبرز أن المسؤولية ليست مجرد التزام قانوني، بل وعيا عميقا بالمبادئ الدستورية والقيم المجتمعية. بحيث يصبح الفرد ضمنها مسؤولا عن أفعاله. حريصا على احترام المؤسسات والقوانين من داخله، قبل أن يفرضها على غيره. وهو ما يقتضي تربية فعلية على المواطنة الحقة، المستندة إلى القيم الأخلاقية، المعززة لروح المسؤولية الجماعية.

وما يؤكد ذلك أن القانون، بلا وعي أخلاقي، يظل غير فعال. وأن المطلوب تجاوز عقلية “الكراباج” في التعامل مع الحريات. لأن هذا المنطق يهدد استقرار المجتمع ويقوض أسس الديمقراطية.

لذلك، فإن ترسيخ القيم الأخلاقية، كمبدأ أصيل، يجب أن يدرس ويعزز في جميع المستويات، بدءا من المدرسة، مرورا بالمجتمع المدني وانتهاء بالمؤسسات السياسية. وذلك ضمانا لبناء شخصية مواطنة واعية، قادرة على المساهمة في التنمية والعدالة الاجتماعية.

 فالقيم الأخلاقية والوعي المسؤول هما الركيزتان الأساسيتان لضمان استدامة الديمقراطية. وبالتالي تحقيق الرفاه المجتمعي والتنمية الشاملة، التي تعتبر مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين، من مسؤولين، مواطنين، أحزاب ومؤسسات. وذلك في إطار من الالتزام الدستوري والأخلاقي، لضمان مستقبل مزدهر للمغرب.

فعلى الرغم مما منحته الفصول من 135 وإلى 146 المتصلة بدستور 2011 من صلاحيات للجماعات الترابية في باب التخطيط التنموي، تدبير المرافق المحلية… إلا أن تقرير “المجلس الاقتصادي والاجتماعي” لعام 2023 سجل أن 67% من الجماعات تعاني هيمنة “الأقطاب الحزبية” في التسيير. وهو الواقع الذي رصدناه على صعيد تدبير الجماعة الترابية ل”تيفلت” المتسم بهيمنة سياسية واحدة واسم عائلي واحد على مدى سنين شاخت ولم تشخ تلك النخب بل امدت استدامتها بالتوارث.

فالمؤشرات المسجلة على صعيد تدبير جماعة “تيفلت” تقدم صورة ساطعة عن حقيقة النخب المهيمنة. حيث أن مؤشر الشفافية يتسم بضبابية الحسابات ضدا على منطوق الفصل 139 من الدستور المؤكد على وجوب النفاذ للمعلومة. فضلا عن تجاهل المطالب المجتمعية ضدا على الفصل 14 المؤكد على هذا الحق. إضافة للتعامل مع الفعاليات الثقافية وتمويلها من موقع الحزبية وليس من موقع ضمان حرية الإبداع وفقا للفصل 12.

إن ما يميز الأشكال التدبيرية المنتهجة على صعيد “تيفلت” هو نوع من “الانفصام الأخلاقي”. بين مطالب المسؤول بحصانته وفق المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات. فيما ذات المسؤول ينكر حصانة المواطن في التعبير وفقا للفصل 25 من الدستور. متناسيا أن “الديمقراطية ميثاق أخلاقي قبل أن تكون نظام حكم”. فاحترام الدستور والحريات ضمنها حرية الصحافة والحق في الوصول للمعلومة هي مسؤولية قبل أن تكون حقا. وإلا أصبحنا في نظام “السيبة” والتسلط والعبودية التي لا تنتج إلا “خراب العمران” على حد قول “بن خلدون”.

فلا غرابة إذن إن عكس تقرير “الشفافية الدولية” لعام 2023 صورة قاثمة عن المغرب. حيث تم تصنيفه في المرتبة 94 عالمياً في مؤشر الفساد المحلي. والجواب بسيط ذات صلة بهيمنة هاته العقليات المعطلة لمسار التنمية وتحول التدبير المحلي إلى لعبة “غميضة”، كما هو الحال بجماعة “تيفلت”. حيث يتم رصد ميزانية ضخمة، سنعود لتفاصيلها لاحقا. لإقامة مهرجان بلا عنوان وبلا أهداف اجتماعية وتنموية، في إطار دراسة الجدوى. فيما تعاني الساكنة من أزمة خطيرة في الحصول على الماء الصالح للشرب، وهي الأخرى سنعود إليها بتفصيل في يوميات “تيفلت”.   

فما غاب عن إقطاعية “ع-ص_ع” أن الفصل 7 ينص على أن “الأحزاب تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين”. وليس العكس. وأن المسؤولية السياسية والأخلاقية تعتبر حجر الزاوية في بناء منظومة ديمقراطية قوية. وهو ما أكدت عليه المادة 154 من الدستور المغربي الوارد فيها: أن “السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس سلطاتها وفق مبادئ الحكامة وتخضع للمساءلة والمحاسبة”.

فالتدبير المحلي الناجع يقتضي توفر إرادة وطنية صادقة. مع تجاوز منطق العشيرة والأقربين في مقاربة قضايا المواطنين. فضلا عن احترام الأسس الدستورية للمملكة الشريفة. والقطع مع عقلية النفوذ غير المسؤول وسياسة المنع والاحتكار باسم المسؤولية. وهو ما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي أكد عليها الفصل 25 من الدستور المغربي، الضامن لحرية التعبير والصحافة.

واقع دستوري حاول المشرع المغربي أن يكرسه كنظام تدبير. ف”القانون رقم 30.05″ المتعلق بالأحزاب السياسية.  و”القانون رقم 113.14″، ذا الصلة بالجماعات المحلية. يفرضان على المسؤولين الالتزام بأخلاقيات المرفق العام. مؤكدين على ضرورة انتهاج الشفافية في التدبير. مع تفعيل آلية المساءلة واحترام حقوق المواطن. كمبادئ أساسية لضمان تدبير فعال وشفاف. مع الوعي بأن كل تصرف ينعكس على صورة الوطن. ويؤثر بالتالي على مصداقية المؤسسات وأمن المجتمع.

واقع يفرض انتهاج سياسة تدبيرية تعمل على ترسيخ دولة القانون ومكافحة الظواهر السلبية. مع العمل على تعزيز قيم الديمقراطية، وتعزيز حرية الصحافة، وحق المواطن في التعبير. وذلك وفقا للمبادئ الأساسية التي نص عليها الدستور المغربي. والتي تعتبر الضمانة الأسمى لتحقيق التقدم والتنمية المستدامة. فلا يمكن أن تتجذر الديمقراطية إلا إذا استوعب المسؤولون أن السلطة أمانة، وأن العمل السياسي أخلاق قبل أن يكون ممارسة، وأن المسؤولية مسؤولية أخلاقية تتطلب أن يكون الإنسان قدوة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.