#”العدالة اليوم” نقلا عن السياسي الإسباني “خابيير غارسيا اليبيول”
#مدريد، إسبانيا – ما يحدث في “توري باتشيكو” هو وحشية وجريمة بامتياز. مع ذلك، لا ينبغي أن يعمينا هذا التدهور الذي نشهده عن جذر المشكلة الحقيقية: المتمثلة في يأس شريحة كبيرة من المجتمع الإسباني، في ظل إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب.
نحن في بلد يمكن فيه سرقة هاتفك المحمول دون أن يتم اعتقال الفاعل. وأن يتم احتلال منزلك دون حماية. بل أن المحتل يحظى بحماية أكبر منك. أو تتعرض للضرب دون أن يقضي المهاجمون ولو 24 ساعة في مركز الشرطة.
هذا هو الاستنزاف الحقيقي للمجتمع. وإذا كان هذا المجرم مهاجرا وطالبت بطرده، يتم وصفك ب”العنصري”، كاره الأجانب. هذا هو الواقع.
وهكذا فقد أرجع “غارسيا أليبيول” جدور ما وقع بمنطقة “توري باتشيكو” بإسبانيا. إلى ما أسماه “اليأس” الذي يعاني منه قطاع واسع من المجتمع الإسباني. معتبرا الأمر مصدر انتشار للسلوك الإجرامي. وهو ما يتطلب مراجعة شاملة للسياسات الأمنية والاجتماعية. وفقا للمادة 17 و17 مكرر من الدستور الإسباني. المؤكدة على حق المواطنين في السلامة والأمان.
وكانت تقارير حقوقية دولية، ضمنها تقرير “منظمة العفو الدولية”. قد نقلت قلقها من حالات الإفلات من العقاب. وهو ما يعكس خللا في منظومة العدالة. وبالتالي يقابل بانتقادات حادة من المجتمع المدني.
تجدر الإشارة إلى أن النقاش حول الهجرة يظل عنصرا محوريا. حيث يتم، في بعض الأحيان. تحميل المهاجرين مسؤولية ارتفاع معدل الجرائم. فيما السياسات الأوروبية والدولية تؤكد على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للجريمة. ضمنها الفقر والتهميش. مع تطبيق القوانين وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان المؤكدة على عدم التمييز. فالعدالة ليست مجرد عقاب، بل بناء مجتمع قائم على الاحترام والكرامة للجميع”، وفق ما عبر عنه “نيلسون مانديلا. ويظل الحل الممكن قائما في تطبيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الثقة بين المجتمع والسلطات. فضلا عن ضرورة تحقيق توازن بين حقوق الإنسان وسيادة القانون، وفقًا للمعايير الدولية.
وهكذا فقد تحولت “منطقة توري باتشيكو”، جنوب شرق “إسبانيا”. إلى نموذج صارخ لأزمة العنف المتجذر. نتيجة “اليأس المجتمعي و”الإفلات من العقاب” و”التهميش النظامي”. إذ تشكل هاته العناصر وقودا لتصاعد الجريمة، وفقاً لتقارير حقوقية ودستورية مطالبة بمراجعة عاجلة للسياسات.
فالفقر يعد أرضية خصبة لانتشار العنف. حيث تشير بيانات “المعهد الوطني للإحصاء الإسباني (INE)”. إلى تفاقم الفقر في الجنوب الشرقي من “إسبانيا”. حيث أن معدل بطالة الشباب يتجاوز 30%. فيما 40% من السكان تعيش تحت خط الفقر النسبي. مع تسجيل تراجع الاستثمار في الخدمات الأساسية بنسبة 15% منذ عام 2020.
واقع توقف عنده “فيكتور فرانكل”، أحد علماء النفس قائلا: “عندما يحاصر الإنسان باليأس، يصبح العنف لغة طبيعية”.
تجدر الإشارة أيضا أن المادة 17 من الدستور الإسباني تكفل الحق في الحرية والأمان. إلا أن التقارير تبرز تعثر تطبيق النص. كما ان المادة 25 تلزم الدولة بحماية الحقوق الأساسية للمواطنين. فيما سجل تقرير “منظمة العفو الدولية” لعام 2024 حصول 1200 حالة اعتداء وسرقة في “توري باتشيكو” دون محاسبة فاعليها.
وفي هذا السياق قال عالم النفس ومؤسس مدرسة التحليل النفسي “سيغموند فرويد”: “القانون بلا إنفاذ هو مجرد نص ميت”.
ولعل أخطر ما في الامر هو اختيار أسهل سبل الاتهام من خلال إلصاق الأمر كله بالمهاجرين وإغفال الجذور الفعلية لتفشي الجريمة.وهو ما تعمل وسائل الإعلام الإسبانية على اعتماده في تحليلاتها، أي الربط الإعلامي بين الهجرة والجريمة. إلا أن “المفوضية الأوروبية” تؤكد أن نسبة السجناء من المهاجرين لا تتعدى 12% فقط. وأن 75% من الجرائم المرتبطة بالهجرة تقع ضمن “جرائم البقاء”، (كسرقة الطعام). أو انتهاكات منهجية بحق المهاجرين ضدا على المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
فمؤشر قضايا السرقة غير المبلغ عنها تقارب 62%، وفق وزارة الداخلية الإسبانية. كما أن متوسط فترة التحقيق في الجرائم تصل ل 18 شهرأ، وفق تقرير صادر عن “المجلس القضائي الإسباني”. فيما لم يتعد معدل الثقة في الشرطة المحلية41%، وفق استطلاع أجراه “مركز أبحاث CIS”.
وقائع تفرض تحقيق عدالة شاملة. “تشاركية” عبر تطبيق نماذج “العدالة التصالحية” في الجرائم البسيطة. مع انتهاج سياسات وقائية، من خلال برامج الدعم النفسي-الاجتماعي للمهمشين. مع إجراء إصلاح قضائي. من خلال تبسيط إجراءات التقاضي وتفعيل المادة 17 مكرر من الدستور الإسباني. ذات الصلة بحماية الضحايا. مع إطلاق مشاريع إذماج، تمكن الشباب عبر مراكز التدريب المهني، “نموذج برنامج “أندلسيا إمبولا””. من الانذماج الفعلي في المجتمع.فعنف المجتمع لا يتم معالجته بالقمع، بل بقتل بذور اليأس.