# الدار البيضاء بين طموح “دبي الصغيرة” وتهجير الفقراء وتكريس الهشاشة

أحمد أموزك

أحمد أموزك

 

#الدار البيضاء، المغرب – في سعي من السلطات المغربية لتحويل مدينة “الدار البيضاء” إلى “دبي صغيرة”. وذلك من خلال تعزيز مكانة العاصمة الاقتصادية استعدادا لاستضافة فعاليات رياضية دولية كبرى. ضمنها كأس أفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030.

في هذا السياق، سلط تقرير نشرته “صحيفة لوموند” الفرنسية، في يوليو 2023. الضوء على استراتيجية المدينة في التحديث العمراني السريع. الهادف لجعلها مركزا ذكيا وجذابا للاستثمارات الخارجية.

إلا أن هاته العملية تترافق مع عمليات تهجير واسعة لفئات فقيرة من السكان. خاصة في أحياء مثل “درب البلدية” و”المدينة القديمة”. حيث يتم هدم الأحياء الصفيحية وترحيل ساكنيها إلى الهوامش. دون توفير بدائل عيش كريمة.

وضع يثير انتقادات حادة من قبل منظمات حقوق الإنسان. التي تؤكد على أن هذا التوجه يهدد الاستقرار الاجتماعي ويعمق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.

واتصالا بهاته الوقائع قال المفكر الفرنسي، “إدوارد لوتوروا”: إن “المدن التي تهمل العدالة الاجتماعية. لا تبني حضارة مستدامة”.

وتبرز هاته التحولات تناقضا بين الصورة الإعلامية المثالية والحاجة الملحة لسياسات تنموية تضمن حقوق السكان وتدعم التنمية البشرية. علما أن نسبة البطالة بين الشباب والطبقة الفقيرة تتجاوز 50%. كما أن متوسط الأجور لا يتعدى 2200 درهما. وهو ما يعكس هشاشة الوضع الاجتماعي.

ومن الممكن أن تؤدي هاته السياسات المنتهجة لاستبعاد هؤلاء من مشاريع التنمية وبالتالي زعزعة السلم الاجتماعي. مع تسجيل عودة العربات المجرورة وازدياد الاحتجاجات. وهو ما قد يعرقل الاستعدادات لتنظيم التظاهرات الكبرى.

فرهان العاصمة الاقتصادية للمملكة على التحول، في غضون السنوات القليلة المقبلة. إلى مركز ذكي بواجهة حضرية متطورة و مرافق جد عصرية و شبكة نقل مهيكلة. قادرة على اقناع العالم بأنها مؤهلة لكي تصبح بوابة أفريقيا الاقتصادية ووجهتها الاستثمارية الرائدة. يواجه بسياسة تزيد من حدة الهشاشة وتوسع الفوارق الطبقية والمجالية داخل المجتمع.

فقبالة سعي السلطات إطلاق أوراش بناء مستمرة فنادق ومواقف تحت أرضية وحدائق عمومية وأسواق ممتازة. تطلق ذات السلطات حملات لملاحقة الفقراء عبر التهجير إلى الضواحي. فضلا عن الحرب ضد لقمة عيش أحزمة الفقر المحيطة. كما هو الحال في هدم حي صفيحي بكامله أسفل منارة “العنق”. وذلك من اجل توسعة “الكورنيش”.

وضع ينقل إلى الواجهة أن هدف السلطات ليس تحقيق “التنمية البشرية” بل تحسين الصورة الاعلامية للمدينة وتفادي الاحراج أمام أنظار العالم. وضع ينال مباركة منتخبي مجالس المقاطعات الجماعية وأعضاء مجلس “جماعة الدار البيضاء”.

فبدل أن تتوجه السلطات لسياسة تقوم على استثمار تنظيم كأس العالم وهيكلة القطاعات غير المهيكلة بدل سياسة المطاردة التي تنهجها. وهو ما يمكن أن يهدد السلم الاجتماعي تتجه لتجميل مظهر الدينة فقط على حساب الإنسان.

تجدر الإشارة إلى أن التهيئة الحضرية ترتكز على “القانون رقم 12-90″، المنظم لعمليات البناء والتعمير. إضافة “للقانون رقم 25-90″، المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.

خطوات تخالف مقتضيات دستور المملكة والمواثيق الدولية. ضمنها المادة الأولى من “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”. الضامنة للحق في سكن لائق. فضلا عن المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الإخلاء والترحيل. كل ذلك يتم في ظل غياب أي بدائل لضمان عيش المرحلين أو الباعة الجائلين المطاردين.

فالاتهامات الموجهة لهاته الخطوات تقول: إن السلطات تحاول تسويق صورة براقة للخارج على حساب الحقوق الأساسية لشرائح كبيرة من السكان. مع إطلاق تحذير من عواقب هاته الخطوات على الاستقرار والسلم الاجتماعي. فالترحيل القسري دون توفير حلول بديلة مناسبة يعمق معدلات الفقر. ويزيد بالتالي  من حدة التهميش والإقصاء. فالتنمية الحقيقية لا يتم باؤها على أنقاض بيوت الفقراء. كما أن استضافة الأحداث الكبرى يجب أن تكون رافعة للتنمية. وليس ذريعة لترحيل الفقراء وتهريب الفوارق. 

والسؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو: هل يمكن بناء صورة عالمية لامعة على أساس من التهميش والإقصاء؟، أم أن التنمية الحقيقية تتطلب إدماجاً عادلا لسكان المدينة في رحلة التحول؟. الإجابة تضع الاستقرار الاجتماعي ومستقبله في العاصمة الاقتصادية على المحك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.