#انطلاق “مهرجان تيفلت” في فضاء التبذير وسوء استغلال الموارد وسط بؤس مائي

#محمد حميمداني

#محمد حميمداني

 

#تيفلت، المغرب – يبرز واقع “مهرجان تيفلت”، الذي انطلق وسط جدل واسع حول تسييسه واستغلاله لأغراض حزبية. كمثال صارخ على سوء التدبير المؤسساتي وغياب الرؤية التنموية المستدامة. والذي تجري تفاصيله في ظل أزمة مياه تعاني منها المدينة.

فالساكنة تعيش تحت وطأة العطش والحرارة المفرطة. وبالتالي كان من الأجدى توجيه الموارد المخصصة للمهرجان نحو تحسين البنية التحتية وتوفير الماء الشروب. وفقا للمبادئ الدستورية المؤكدة على المساءلة والشفافية، تبعا لمنطوق الفصل 154 من الدستور المغربي. و”القانون رقم 13-103″، المتعلق بالمالية العمومية. والذي يحظر استغلال المال العام في غير الأهداف التنموية.

تجدر الإشارة إلى أن المهرجان الذي تمت عنونته بتيمات ترسيخ التراث الثقافي. كان من المفترض أن يكون أداة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. غير أنه تحول إلى منصة دعائية لحسابات سياسية ضيقة. وهو ما يمثل استنزافا غير مبرر للمال العام. خاصة في ظل غياب مشاريع تنموية ترقى لمستوى احتياجات المواطن وتساهم بالتالي في تحسين جودة حياته.

فعلى الرغم من الإيمان بأن الثقافة هي أساس الحضارة. وهي التي تصنع الإنسان وتحدد مسار المجتمع. لكن من المستحسن أن تركز السياسات الثقافية على استثمار التراث في مشاريع سياحية وتنموية. تخلق فرص عمل وتدعم الاقتصاد المحلي. بدلا من الانشغال بالمظاهر والمهرجانات التي تفتقد للرؤية الاستراتيجية. وتكرس بالتالي الفساد الإداري وغياب الحكامة. وهو ما يتطلب تدخلا من الجهات المختصة لوقف النزيف المالي. وإعادة توجيه الموارد نحو مشاريع تنموية حقيقية تلامس معاناة السكان وتعيد بناء الثقة في المؤسسات.

وهكذا فقد تم الإعلان عن انطلاق “مهرجان تيفلت” ليتم رسم معالم “التبوريدة” كفن نقدره ونقدر “الرياس” وعلاقتهم بالتراث والخيل. وما يختزنه هذا الموروث من قيم تراثية لامادية. ولكن أيضا وسط سخط شعبي من استنزاف أموال الشعب. لأن تفاصيله تتم فيما المواطنون يعيشون تحت لوعة الحرارة المفرطة وغياب الماء الشروب. بما يعكس سوء التدبير في انتظار جائزة أطلق عليها المنظمون “الجائزة الوطنية للماء” في مدينة العطش مع سبق الإصرار والنوم على مشاكل المواطنين.

منابر إعلامية تحدثت عن نسخة جديدة بثقة في قدرة الثقافة على تنمية المدينة. ونتساءل مع هاته المنابر الحاضرة، على الرغم من إيماننا بدور الثقافة. هل يمكن للمهرجان أن يملأ قارورة ماء يحتاجها المواطن ب”تيفلت”؟. وهل يمكن أن يروي عطش ظمآنين لقطرة منه أم يتمسك بسراب وهم متحرك في مهرجان لا يعني للمواطن في شيء. إنها المفارقة الغريبة. والأخطر هو دور السلطات في ضبط إيقاع المجتمع ودفع التنمية نحو البوصلة الصحيحة ضمانا للاستدامة المائية وللتنمية المتوازنة.

كان من الاجدى على هاته المنابر أن ترصد واقع حال العطشى الصارخين كفى. لا أن تنمق الصفحات بكلمات تجمل قبح الواقع وما يلفه من أورام خبيثة.

المهرجان الذي رصدت له الملايين كان من الممكن أن توجه لرفع معاناة الساكنة لا أن يقدم المجلس كبسولات منع الصداع. فيما الجرح غائر ويتطلب عملية جراحية لإيقاف النزيف قبيل الوصول للموت السريري للتنمية والتنمية المستدامة بالمدينة.

فالمهرجان كان من الأجدى ان ينظر إليه من بوابة خلق التنمية والمساهمة في ضمان الاستدامة. من خلال جعله أداة لسياسة ثقافية وتنموية شاملة وليس غاية في حد ذاته. وتملك تصور وأرضية واضحة للتنمية من خلال المهرجان بما يعود بالنفع العام. والحال أنه لا يمثل في تجربة “تيفلت” إلا لحظات احتفالية عابرة “فانظازيا” مفصولة عن سياقها الثقافي والاجتماعي. مفتقر لرؤية استراتيجية تنموية مستدامة. وهو ما يبعده عن عمق فلسفة وجوده. ويحوله بالتالي إلى شطحات الحضرة “وحي الله، الله حي” عبر إفراغه من حمولته الروحية الصوفية. وفي حالتنا هاته التنموية المجتمعية.

فكيف يمكن التصفيق لمهرجان بهذا الخواء في ظل الثوترات القائمة؟. وكيف يمكن الهتاف لتفاصيله فيما يوجه سياسيا لخدمة لون سياسي واحد ومن المال العام. علما أن رئيس الجمعية المشرفة على التنظيم ينتمي لنفس اللون المعمر في “تيفلت” تدبيريا.

فلم تم رصد هاته الملايين التي كان من الممكن أن توجه للتنمية والإجابة على مشكلات الناس؟. ولم تحضر نفس الوجود التدبيرية للصفقات، ضمنها موظف يعمل بإذاعة مغربية لا تتكلم العربية. ليصبح الآمر الناهي في تفاصيل هذا المهرجان كما المهرجانات السابقة. ليس من البوابة الإعلامية بل من البوابة التنظيمية ضدا على قانون الصحافة والنشر. اللهم إن كان قد حصل على تفويض مكتوب من الجهة الإعلامية التي ينتسب إليها. وحتى وإن كان الامر كذلك، فهذا الشخص موظف يتلقى أجرا. فكان من الأجدى أن يتم تكليف أحد أبناء المنطقة بتدبير هاته الأيام. والاستفادة بالتالي من التعويض الممنوح بدل أن يتم تشتيته بطرق أو بأخرى تحقيقا لنفعية سياسة براغماتية بعيدة كل البعد عن الثقافة والتراث.

ما يقع اليوم ب”تيفلت” هو إعلان انفصام ما بين المسؤولين المحليين ومشاكل الناس. وتغليب للمنفعة الحزبية الضيقة على حساب المصلحة العامة. واستغلال للمهرجان لتحقيق إشعاع حزبي ممول من مالية الدولة. وهو ما يستوجب فتح تحقيق شفاف في كل الشوائب التي تحيط بهاته الحلقة المسماة ثقافة وتراثا. ولكنها في العمق مهرجانا سياسيا حزبيا للدعاية للون سياسي معروف والتطبيل له على حساب الناس وآلامهم.

فكيف يمكن التعامل مع مهرجانات بدون أثر تنموي، بشكل يحقق التوازن بين الترفيه والفرجة والجدوى الاقتصادية. ويجعلها وسيلة فعالة لتحريك الاقتصاد المحلي وإنتاج الثروة كهدف استراتيجي لا محيد عنه. لا أن يتم تصريفها في باب الفرجة ومن أجل الفرجة فقط، أو الفرجة لخدمة أهداف براغماتية حزبية ضيقة، أي تحويلها إلى وسيلة للدعاية السياسية وجعلها منصات للتسويق الحزبي والتنافس السياسي. وهو ما يستوجب إبعاد السياسيين عن دائرة التأثير المباشر، سواء كانوا منتخبين أو جمعويين يحملون نفس لون رئيس الجماعة الترابية. عن تنظيم هاته المهرجانات الممولة من مالية الشعب. حتى لا تتحول إلى وسيلة لتصريف الفشل أو تلميع الصورة. كما هو الحال في مهرجان “تيفلت” الذي يقام في ظل أزمة عطش الساكنة ولمدة تقارب ثلاثين يوما من الانقطاع، والتي سنعود إليها لاحقا.

فعلى الرغم من إيماننا بأن المواطن محتاج لمتنفسات ترفيهية. لكن أن تكون حقيقية. يتلمسها المواطن في برامج تنموية، ضمنها الفضاءات الخضراء والحدائق والمنتزهات. والأهم من ذلك تحقيق إشباعه التنموي في كل المجالات. حينها تصبح هاته المهرجانات ذات جدوى فعلية، تتجاوز التنميط إلى التأسيس الفاعل. المنطلق من التراث الشعبي ل”تيفلت” بما يضمن الاستدامة والتعريف بالمخزون التراثي والفني للمنطقة ضمانا لنهضة سياحية.

فتخصيص ملايين الدراهم من المال العام للاحتفال يفرض سؤالا مرجعيا حول أولويات التدبير وما يصاحب ذلك من سوء استغلال الموارد. والأخطر هو التوظيف السياسي للمهرجان ومن المالية العامة. في ظل أزمة عطش خانقة تجاوزت الثلاثين يوما بما تخلقه من معاناة يومية تحت حرارة صيفية قاسية. مع تسجيل الافتقار لاستراتيجية واضحة تربط المهرجان بالتنمية المستدامة أو حل مشاكل المدينة. ليبقى مقتصرا على “الفرجة العابرة”.

تجدر الإشارة إلى أن بلادنا تعاني وضعا مائيا صعبا، حيث يصنف المغرب ضمن الدول التي تعاني إجهادا مائيا. فحصة الفرد هي أقل من 1000 م³/سنة. ويزيد تغير المناخ من حدة الجفاف وبالتالي المعاناة. وهو ما عكسه جلالة الملك في خطبه السامية التي أكد من خلالها على سلم الأولويات. واولها مجابهة النقص الحاد في الموارد المائية. فيما اختارت جماعة “تيفلت” التغريد خارج سرب هاته التوجيهات الرسمية وترك الساكنة تعتصر معاناتها لوحدها ليتفرغ القيمون على الشأن المحلي للغيطة والتبوريدة و”الزيطة”.

كل ذلك في مخالفة وتعد على حق مواطني دستوري خاصة المادة 35 من الدستور المغربي. المؤكدة على حق المواطنين في الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة. بالإضافة إلى “القانون 45-08″، المتعلق بالماء. المؤكد على أولوية التزويد بالماء الشروب للاستعمالات المنزلية. والذي يلزم السلطات باتخاذ التدابير لضمانه، خاصة في فترات الجفاف. 

وهو نفس التوجه الذي يسير فيه القانون المنظم للجماعات الترابية، أي “القانون 113-14”. الذي يؤكد في مادته 36 على أن تدابير الجماعة تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتحسين ظروف عيش الساكنة. فيما تحث المادة 41 على وجوب أن تخدم الميزانية المصلحة العامة وأن يتم توزيعها وفق سلم الأولويات. كما يفرض “القانون 69-00″ المتعلق بمراقبة صرف النفقات العمومية اعتماد الرشادة والمشروعية والنجاعة في إنفاق المال العام.

وبالتالي، وتبعا لهذا الفصل. فإن إنفاق الملايين على مهرجان في ظل أزمة ماء خانقة يخالف مبدأ النجاعة والأولوية للمصلحة العامة بشكل صارخ.

كما يمكن الوقوف على وجود شبهات المحسوبية والتوظيف السياسي للمهرجان. حيث أن رئيس الجمعية المنظمة “م-ب”، ينتمي لنفس “اللون السياسي” لرئيس المجلس الجماعي. وهو ما يطرح شبهة توظيف المهرجان للدعاية الحزبية الممولة من المال العام. فضلا عن مشاركة موظف بإذاعة مغربية لا تتكلم العربية في التنظيم، دون تفويض واضح أو مراعاة لقوانين الوظيفة العمومية وقانون الصحافة. وهو ما يثير تساؤلات عن المعايير المعتمدة في اختيار المنظمين والمتعاقدين؟ فضلا عن استغلال منصبه الإعلامي بشكل غير مشروع؟. مع إهذار الموارد. إذ كان من الأجدر توظيف كفاءات محلية واستثمار الأموال في تنمية محلية. إضافة لغياب الأثر التنموي.

وتبقى مجموعة من التساؤلات المحرجة مطلوب الإجابة عليها من طرف رئيس المجلس الجماعي ل”تيفلت”، “محمود عرشان”. وفتح تحقيق حولها أهمها. ما هي الميزانية الدقيقة للمهرجان؟. ومن أقرها في ظل أزمة الماء؟.  وهل تم إجراء دراسة جدوى توضح العائد التنموي والاقتصادي والاجتماعي المتوقع؟. وأين هي؟. وما هو الأساس القانوني والشفاف لاختيار الجمعية المنظمة؟. وما هي علاقتها بالسلطة المحلية؟. وكيف تم السماح لموظف بإذاعة بالتدخل المباشر في التنظيم؟. وهل حصل على الإذن القانوني؟. وهل يتقاضى تعويضات مضاعفة؟. وما هي الإجراءات العاجلة التي اتخذها المجلس لمعالجة أزمة الماء المتزامنة مع المهرجان؟. ولماذا لم تُوجه الأموال لحلول مستدامة؟. وهل ستفتح هيئات الرقابة (المجلس الأعلى للحسابات، هيئة النزاهة، المحاكم المالية) تحقيقا في كيفية صرف هذه الميزانية ومدى توافقها مع القانون وأولويات التنمية؟.

ويبقى أن “إنفاق المال العام في غير موضعه، أو على غير أولويات الناس الحقيقية. هو ضرب من ضروب الخيانة للثقة”. وفق ما أكد عليه “عمر بن الخطاب”، (رضي الله عنه). لأنه لا يمكن الحديث عن تنمية ثقافية حقيقية في مدينة تختنق من العطش. الثقافة تبدأ بضمان الكرامة الإنسانية الأساسية. كما ان “المهرجانات يجب أن تكون أداة للتنمية المحلية المستدامة وليس غاية في حد ذاتها أو وسيلة للترويج السياسي.” وفق ما أكدت عليه توصية من تقرير “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الثقافة” لعام 2022. كما “أن الماء حق مقدس، وأي تقصير في توفيره للسكان هو تقصير في الواجب الوطني”. وفق ما صرح به وزير التجهيز والماء، في تصريحات سابقة حول أزمة الماء.

فمهرجان “تيفلت” ليس احتفالاً بالتراث، بل نموذجا صارخا لانفصام النخب المحلية عن هموم المواطن. وسوء تقدير الأولويات مع إهدار المال العام. إضافة لتوظيف الثقافة لغايات سياسية ضيقة في وقت يتطلب تركيز كل الجهود والموارد على معالجة أزمة وجودية هي الماء. وهو ما يستدعي تحقيقات شفافة ومراجعة جذرية لسياسات تدبير المهرجانات وربطها بالتنمية الحقيقية واحتياجات السكان الملحة.

وللروائح بقية يتبع………………….

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.