#تازة، المغرب – سلطت حادثة مقتل طبيبة، بالغة من العمر 35 عاما، تعمل ب”المستشفى الجهوي الغساني” بفاس، والتي تم العثور على جثتها مدفونة في حديقة منزل زوجها ب”جماعة أولاد زباير” عمالة إقليم تازة. والذي يشتغل هو الآخر طبيبا بنفس المصلحة. الضوء على حجم التحديات الاجتماعية والأمنية التي تواجه النساء، خاصة في ظل انتشار ظاهرة العنف الأسري.
وهكذا ووفقا للمادة 1 من “اتفاقية سيداو”، فإن حماية حقوق المرأة وضمان سلامتها من الاعتداءات والجرائم جزء لا يتجزأ من مسؤولية الدولة. كما تؤكد المادة 22 من الدستور المغربي على ضرورة حماية حقوق الإنسان. بما فيها حقوق المرأة في الحياة والأمن.
وتشير التحقيقات الأولية إلى وجود علاقة بين الجريمة وزوج الضحية، مع وجود أدلة مادية على الاعتداء، وهو ما يعكس الحاجة الماسة إلى تعزيز الإجراءات القانونية والتوعوية. والإيمان بأن “العدالة تبدأ من حماية الضعفاء”. كما قال الفيلسوف، “جان جاك روسو”.
وفي سياق متصل، تظهر هذه الحالة مدى تعقيد قضايا العنف الأسري، التي تتطلب تفعيل قوانين حماية المرأة. ضمنها “القانون رقم 103-13″ المتعلق ب”محاربة العنف ضد النساء”. مع توفير آليات حماية فاعلة ودوريات أمنية مستمرة. فضلا عن برامج التوعية والتثقيف المجتمعي، لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم. مع العمل على دعم الأسر والأطفال المتضررين، بما يضمن استقرار المجتمع ويحفظ كرامة المرأة.
فمن المهم أن تتكاتف المؤسسات والفاعلون المدنيون والإعلاميون لمواجهة هذه الظاهرة، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، لتكون العدالة رادعة وحامية لكل أفراد المجتمع. خاصة الضعفاء منهم، وفقا للمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية ذات الصلة.
تجدر الإشارة إلى أن المصالح الامنية كانت قد تلقت، قبل ثلاثة أيام. إشعارا من زوج الضحية ووالدها يفيد باختفائها في ظروف غامضة.
وقد قادت التحقيقات المباشرة على ذمة القضية، بأمر من النيابة العامة المختصة. إلى تحديد موقع جثة الضحية في حفرة حديثة بحديقة منزل زوجها. وقد ظهرت عليها علامات حصول اعتداء. فيما كشفت التحريات عن وجود بقع دم داخل سيارة الزوج. وهو ما عزز فرضة تورطه في القضية.
وتواصل السلطات الأمنية تحرياتها لتحديد مكان الزوج في أفق توقيفه، بأمر من النيابة العامة المختصة. كما تم نقل جثة الضحية إلى مصلحة الطب الشرعي لإجراء تشريح طبي لها من اجل تحديد الأسباب الفعلية للوفاة.
تجدر الإشارة أيضا، أن الضحية أم لثلاثة أطفال. وقد اثار مقتلها جدلا واسعا محليا ووطنيا.
كما تجدر الإشارة إلى 76.3% من النساء المغربيات يتعرضن لأحد أشكال العنف، وفق “المندوبية السامية للتخطيط” لعام 2019. فيما تعرضت 32.8% للعنف الجسدي أو الجنسي وفق ذات المصدر.
وتشكل جرائم القتل المرتكبة في إطار العلاقات الأسرية نسبة مروعة من جرائم القتل عموما. وغالبا ما تكون الضحية أنثى (زوجة، شريكة، أخت، ابنة). على الرغم من غياب إحصائيات رسمية شاملة في الموضوع وهو ما يعيق فهم الظاهرة. كما أن الوقائع المسجلة تبرز وجود فجوة بين القانون والتطبيق. إذ وعلى الرغم من وجود تشريعات، ضمنها “القانون 103.13”. إلا النص غير كاف ما لم يتم تفعيل آليات الحماية الوقائية والزجرية.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ان المادة 392 من القانون الجنائي، تعاقب على “جريمة القتل العمد” بالإعدام. فيما المادة 404 من ذات القانون تعاقب على “جريمة الضرب المفضي إلى الموت دون قصد القتل”. بعقوبة سجنية ما بين 10 إلى 20 سنة. بينما تنص المادة 431 من نفس القانون والمتعلقة بجريمة “إخفاء جثة” بالسجن من سنة إلى 5 سنوات مع الغرامة.
أما “القانون 103.13″، المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء لعام 2018. فيعرف في مادته الأولى العنف ضد المرأة. فيما تجرم المادة 3 منه أشكال العنف (الجسدي، النفسي، الجنسي، الاقتصادي). بينما توجب “المواد من 9 إلى 12″ على الموظفين (صحة، تعليم، أمن، قضاء) التبليغ عن حالات العنف. وتمنح المادة 19 للقاضي سلطة إصدار “أوامر حماية” عاجلة للمرأة المعنفة (منع الاقتراب، إخراج المعتدي من بيت الأسرة…).
وتبقى هاته الجريمة واحدة ضمن سلسلة ممتدة ولا يمكن النظر إليها كحادثة معزولة، بل حلقة مأساوية في سلسلة مستمرة من العنف المميت ضد النساء بالمغرب. وهي صرخة مدوية تستدعي محاسبة فورية وشاملة للجاني. مع إجراء مراجعة نقدية جذرية لفسيفساء الإخفاق (الثقافي، المجتمعي، المؤسساتي، القانوني) الذي يسمح باستمرار هذه الجرائم. وتحويل الغضب العام إلى فعل مؤسسي ملموس يضمن حماية حقيقية للنساء ويحارب الإفلات من العقاب. لأن استمرار العنف بهذه الوحشية هو ناقوس خطر يدقّ على مستقبل النسيج الاجتماعي المغربي بأكمله.