#باريس، فرنسا – بعد مسيرة نضالية امتدت لأكثر من أربعة عقود. ينهي المناضل اللبناني “جورج إبراهيم عبد الله” فترة اعتقاله الطويلة في “فرنسا”. والتي دامت أزيد من 40 عاما.
فبعد سنوات من التلكؤ الفرنسي في إطلاق سراح المناضل “جورج عبد الله” نتيجة ضغوط أمريكية و”إسرائيلية”. قرر القضاء الفرنسي إطلاق سراحه ليعود إلى وطنه “لبنان”.
ويعتبر “جورج عبد الله” من أبرز رموز المقاومة والنضال ضد السياسات الإمبريالية والصهيونية. حيث ارتبط اسمه بالقضية الفلسطينية ودفاعها عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية. فضلا عن الدفاع عن قيم العدالة الاجتماعية والكونية. ودعم نضال الشعوب من أجل التحرر الوطني. وهي المبادئ التي لم يحد عنها حتى أثناء محاكمته. فعلى الرغم من إنكاره التهم الموجهة إليه طيلة اطوار محاكمته إلا أنه لم ينكر إطلاقا نضاله الأممي واعتناقه لقضايا التحرر ومعاداة الأمبريالية والصهيونية. وما يعكس مدى ارتباطه بمبادئه وقيمه على مدار عقود.
ويعتبر المناضل “جورج عبد الله” أحد رموز المقاومة اللبنانية. حيث تمت إدانته في فرنسا عام 1987، بتهمة ملفقة تقول ب”اغتيال دبلوماسي إسرائيلي وآخر أمريكي خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية”. والتي لم تكن في الجوهر إلا محاكمة على آرائه المناهضة للهيمنة “الإسرائيلية والأمريكية” في المنطقة. وأيضا ارتباطه بقضايا فلسطين والعالم العربي وقضايا التحرر العالمية.
اعتقال استمر لأكثر من 40 عاما. وهو ما يجعله أطول فترات الاعتقال السياسي في “فرنسا”.
نشأ المناضل “جورج عبد الله” في أجواء ارتباطه وانتمائه للحركة الشيوعية والنضال من أجل تحرير فلسطين. رافضا الاستعمار والهيمنة الغربية على المنطقة وداعما كل حركات التحرر والانعتاق من هيمنة الاستعمار والإمبريالية.
وقد تم توقيفه عام 1984، في سياق الحرب الأهلية اللبنانية. بتهمة “اغتيال دبلوماسي إسرائيلي وأمريكي”. على الرغم من إنكاره القيام بهذا الفعل ورفض التهم الموجهة إليه. مؤكدا في الوقت نفسه أن نضاله كان في إطار مقاومة الاحتلال “الإسرائيلي” ودفاعا عن الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني. لتتم إدانته عام 1987.
قضى “جورج عبد الله” 40 عاما في زنزانات ضيقة. لا تتعدى مساحتها 11 مترا مربعا. زينها بملصقات “تشي غيفارا” وأعلام فلسطين.
وعلى الرغم من ظروف السجن إلا أنها لم تتبط عزيمته. ولا أوهنت شحنة النضال داخله. بل على العكس من ذلك بقيت روحه النضالية عالية وحماسه النضالي متقدا. حيث استقبلته النائبة عن “حزب فرنسا الأبية”، “أندريه تورينا”، أثناء زيارة خاصة. مؤكدة على رمزيته كمناضل ضد الاستعمار والإمبريالية.
بعد طول اعتقال وتماطل في الإفراج نتيجة الضغوط الصهيونية والأمريكية. قرر القضاء الفرنسي بعد 40 عاما من الاعتقال الإفراج عنه في 17 يوليوز الحالي. علما ان دفاعه قدم، في السابق، أكثر من 30 طلبا لإطلاق سراحه.
سيعود “جورج عبد الله” إلى لبنان وعينه على فلسطين القضية والمبدأ والشرارة التي من اجلها أركن سجون الإمبريالية. مؤكدا بذلك على أن قضية فلسطين لا تزال الرافعة الأساسية للثورة.
تجدر الإشارة إلى أن المادة 278 من “قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي”، تتيح للقضاء الإفراج بعد قضاء مدة محددة. مع مراعاة ظروف كل حالة، خاصة لمناضلين قضوا فترة طويلة خلف القضبان. فضلا عن “اتفاقية جنيف الرابعة” لعام 1949. التي تحظر الاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني. وتؤكد على حقوق الأسرى والمعتقلين، خاصة في سياق النزاعات المسلحة. وهو ما عانى منه “جورج عبد الله” في السجون الفرنسية.
يتم إطلاق سراح “جورج عبد الله” الذي قال يوما “الحرية لا تهدر، والعدالة لا تشترى، والنضال هو الطريق الوحيد لتحقيقهما”. وجاراه في القول الزعيم الأفريقي، “نيلسون مانديلا”، الذي قال: “التحرر يبدأ من داخل الإنسان، ومن مقاومته لكل قيد وظلم”.
إن قضية المناضل الأممي الكبير “جورج عبد الله” وما عاناه في غياهب السجون الإمبريالية الفرنسية جورا وظلما وعدوانا. لهي شهادة حية على بشاعة الطغاة وصبر الاوفياء الشرفاء المؤمنين بقضايا شعوبهم وقضايا الإنسانية والتحرر الوطني والأممي من اجل الإنسان ولفائدة الإنسان. ليبقى عزيزا مرفوع القوام بإسقاط كل أدوات الظلم الكوني. وهو ما يفرض النضال من أجل إطلاق سراح معتقلي الرأي السياسيين. وتعزيز الوعي الدولي بحقوق الإنسان، ودور مقاومة الشعوب المشروعة ضد الاحتلال والهيمنة. وإعادة تقييم السياسات الدولية تجاه قضايا المقاومة، وتوفير بيئة دولية تساند حق الشعوب في مقاومة الظلم والطغيان. ونقول مع المناظل الأممي “جورج عبد الله”: إن “الحرية لا تعطى، بل تنتزع، والنضال هو السبيل الوحيد لتحقيقها”.
فعلى الرغم من سنوات الاعتقال الظالم إلا أن “جورج عبد الله” بقي صلب القوام لم تهده السنون ولا قساوة السجن والسجان: حيث قال: “أربعة عقود هي فترة طويلة. لكن لا تشعر بها متى كانت هناك دينامية للنضال”، معترفا بأن ما يزيد ذلك صعوبة هم “الرفاق الذين رحلوا”.
وأضاف قائلا: “لدي على جهاز الكمبيوتر تقويم أرى عليه جدول كل يوم بيومه: (ذكرى) الرفاق الذين رحلوا باللون البني، اللون البرتقالي مخصص للزيارات، الأخضر لأعياد الميلاد”. مبرزا أن “اللون البني يصبح أكثر انتظاما”.
وعلى الرغم من قساوة السجن، يعتبر المناضل “جورج عبد الله” بنظرة الأممي الثائر أنه كان “مدللا” في السجون الفرنسية. وذلك مقارنة بما “يجري في غزة أو الضفة الغربية المحتلة، خصوصا الرفاق المسجونين”.
تجدر الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي كان قد حكم على “جورج عبد الله” بالسجن مدى الحياة في تلك المحاكمة المسرحية المشهورة. وبات مؤهلا للإفراج المشروط عنه منذ 25 عاما. لكن 12 طلبا لإطلاق سراحه تم رفضها كلها بضغط من الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية على السلطات الفرنسية. وهو ما يضع القضاء الفرنسي والدولة الفرنسية موضع مساءلة عن هذا الخرق الخطير لحق من حقوق الإنسان الاساسية وللقانون الفرنسي.
فقد نال “جورج عبد الله” شرف أن يعتبر نفسه من خلف القضبان “مناضلا… في ظروف خاصة”. وليؤكد من خرج القضبان أنه يريد أن يبقى ناشطا “في ظل ظروف مختلفة”. مشددا على أنه لا يرى في الإفراج عنه “تغييرا جذريا في وجهات النظر النضالية”. وعلى أن “فلسطين تبقى الرافعة التاريخية للثورة في العالم العربي”.
وتبقى كلماته التي أطلقها لحظة الإعلان عن الإفراج عنه مدوية، حيث قال: “إذا كنت أقف أمامكم اليوم، فذلك لأنني أناضل”. مضيفا: “أربعون عاما تفسد الذهن، يجب ألا ننسى أن السجن هو سجن”.