المحكمة الإبتدائية بسلا تفتح ملف “مافيا العقار” الخميس المقبل

بقلم الاستاد محمد عيدني. الرباط

تهتز أروقة المحكمة الابتدائية بسلا، يوم الخميس المقبل، على وقع محاكمة بالغة الأهمية، قد تكون بمثابة نقطة تحول في مسار مكافحة الفساد العقاري بالمغرب. القضية التي باتت تعرف إعلاميًا بـ”مافيا العقار”، ليست مجرد حادثة معزولة، بل تعكس، في تقديرنا، عمق الأزمة التي يتخبط فيها القطاع، وتستدعي وقفة تأمل جادة.

النيابة العامة، وبعد تحقيقات مطولة، أحالت المتهمين الرئيسيين، رهن الاعتقال، على المحكمة، في حين تم إطلاق سراح آخرين، من بينهم موظفون بالمحافظة العقارية ومحام، بكفالة. هذه المعطيات الأولية، وإن كانت لا تحسم بعد مسار القضية، إلا أنها تشير إلى تشعب خيوط الشبكة، وإمكانية تورط أطراف أخرى، لم يتم الكشف عنها بعد.

التهم الموجهة للمتهمين، والواردة في محاضر الشرطة والنيابة العامة، لا تقل خطورة عن حجم القضية نفسها. “تكوين عصابة إجرامية”، “التزوير في محررات رسمية”، “النصب والاحتيال”، و”استغلال النفوذ”، هي عناوين لجرائم يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي بأشد العقوبات. لكن، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه التهم تعكس الحجم الحقيقي للفساد الذي ينخر القطاع العقاري؟ وهل ستقتصر المحاكمة على هؤلاء المتهمين، أم ستفتح الباب أمام كشف المزيد من التجاوزات والممارسات غير القانونية؟

إن خطورة هذه القضية لا تكمن فقط في الأفعال الإجرامية المرتكبة، بل في تداعياتها المحتملة على ثقة المواطنين في المؤسسات العمومية، وفي القطاع العقاري ككل. فالمواطن الذي يرى أن حقوق ملكيته مهددة، وأن القانون لا يحميه من بطش “مافيا العقار”، سيفقد حتمًا الثقة في الدولة، وفي قدرتها على تحقيق العدالة.

أبعاد قانونية واقتصادية واجتماعية

المادة 293 من القانون الجنائي المغربي تجرم “تكوين عصابة إجرامية”، وتعتبرها جناية يعاقب عليها بالسجن. هذه المادة، وغيرها من المواد ذات الصلة، ستكون محط نقاش مستفيض خلال المحاكمة، حيث سيسعى دفاع المتهمين إلى إثبات عدم توافر أركان الجريمة، في حين ستعمل النيابة العامة على تقديم الأدلة التي تؤكد تورطهم في الجرائم المنسوبة إليهم.

لكن، الجانب القانوني ليس هو البعد الوحيد الذي يجب أخذه في الاعتبار. فالقضية لها أبعاد اقتصادية واجتماعية لا تقل أهمية. فالفساد العقاري يؤثر سلبًا على الاستثمار، ويعرقل التنمية، ويساهم في تفاقم التفاوتات الاجتماعية. كما أنه يشجع على المضاربة العقارية، ويزيد من أسعار العقارات، مما يجعلها في متناول فئة قليلة من المواطنين.

تحديات وفرص

محاكمة “مافيا العقار” تمثل تحديًا كبيرًا للسلطات القضائية، التي يتعين عليها أن تثبت قدرتها على تحقيق العدالة، وإنزال العقوبات المناسبة على المتورطين في هذه الجرائم. كما أنها تمثل فرصة لإصلاح القطاع العقاري، وتطهيره من الممارسات غير القانونية، وتعزيز الشفافية والحكامة.

لتحقيق ذلك، يجب على الحكومة أن تتخذ سلسلة من الإجراءات والتدابير، من بينها:

تفعيل آليات الرقابة والتفتيش على القطاع العقاري: يجب أن تكون هناك رقابة صارمة على عمل المحافظة العقارية، والوكالات العقارية، وشركات التطوير العقاري.
تشديد العقوبات على المتورطين في جرائم الفساد العقاري: يجب أن تكون العقوبات رادعة، وتتناسب مع خطورة الأفعال المرتكبة.
تبسيط الإجراءات المتعلقة بالملكية العقارية: يجب أن تكون الإجراءات واضحة وشفافة، وسهلة الوصول إليها من قبل جميع المواطنين.
تعزيز دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد العقاري: يجب أن يتم تمكين منظمات المجتمع المدني من مراقبة القطاع العقاري، والمشاركة في جهود مكافحة الفساد.

محاكمة “مافيا العقار” هي محطة مفصلية في تاريخ المغرب. فإما أن تكون بداية النهاية للفساد العقاري، وإما أن تكون مجرد مسكن مؤقت، لن يغير من الواقع شيئًا. الرهان كبير، والمسؤولية جسيمة، والنتائج ستكون حاسمة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.