الدار البيضاء/المغرب ـ فتحت “الهيئة الوطنية للاستخبارات المالية (ANRF)” بالمغرب تحقيقا معمقا شمل سوق العقار بمدينتي “الدار البيضاء” و”طنجة”. وذلك على خلفية رصد عمليات مشبوهة ذات صلة بتبييض أموال مصدرها الاتجار بالمخدرات.
ووفق المعطيات الأولية الصادرة فإن الأمر يتعلق بفاعلين جدد، استحوذو على مشاريع عقارية متعثرة ومرهونة بالديون. وذلك عبر عمليات شراء مباشرة أو استثمار في الشركات المالكة بمبالغ مالية كبيرة وفي فترات زمنية قصيرة. وقد دفع حجم المعاملات المباشرة وسرعتها “الهيئة” لفتح تحقيق في الموضوع. مع القيام بعمليات تدقيق مالي في هاته الوضعيات بتعاون مع المديرية العامة للضرائب.
وكانت “الهيئة” قد تلقت تحذيرات مصدرها عدة بنوك ومكاتب محاسبة تفيد بوجود تدفقات مالية غير طبيعية عبر حسابات شركات، موجهة بشكل أساسي لتسديد ديون قائمة. ضمنها أموال لتسديد ديون خاضعة لحجوزات قضائية.
وقد أظهرت التدقيقات المنجزة أن المشتبه بهم يعتمدون تمويلا ذاتيا بدل اللجوء للقروض البنكية. وهو ما يمكنهم من التحرك بمرونة. مع استعانتهم بمستشارين متخصصين لهيكلة الصفقات وتوزيع الديون.
ولا تزال التحقيقات جارية لتحديد كافة الأطراف ذات الصلة بهاته العمليات المشبوهة وتحديد المسارات المالية المعتمدة.
خطوة تبقى جد هامة تؤكد يقظة “الهيئة” وعزمها على مكافحة جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في المغرب.
تجدر الإشارة إلى أن غسيل الأموال عملية تهدف لإضفاء الشرعية على الأموال المكتسبة من أنشطة غير مشروعة، (مخدرات، فساد، اتجار بالبشر). وذلك بغاية جعلها تبدو كما لو أنها أتت من مصادر مشروعة وقانونية.
كما تجدر الإشارة إلى أنه ووفقا للتقارير الصادرة عن “صندوق النقد الدولي”، فإن حجم الأموال الخاضعة لهاته العمليات المشبوهة تمثل ما بين 2% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي، أي ما يعادل تريليونات الدولارات. مضيفة أن القطاع العقاري، الذي يتضمن معاملات ذات قيمة عالية. يعتبر أفضل القنوات للقيام بهاته العمليات.
وقد كشفت التحقيقات في النموذج المغربي اعتماد هاته الشبكات على نمط عملياتي متطور يركز على شراء المشاريع العقارية المتعثرة والمرهونة بالديون. وهو ما يقلل التساؤلات حول ارتفاع العروض. مع تجنب القروض البنكية التقليدية الخاضعة لإجراءات “اعرف عميلك” (KYC). في محاولة لتنظيف الاموال القذرة من خلال تحويلها إلى أصول نظيفة، (العقار). وذلك بعد إطلاق الرهن لتظهر ملكية العقار كاستثمار قانوني.
كما تجدر الإشارة إلى أن القانون رقم 12-05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والقانون رقم 43-05 المتعلق بمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية. تلزمان المؤسسات المالية، بنوك وشركات صرافة، والمهن غير المالية (محامون، محاسبون، وسطاء عقاريون) بواجب اليقظة. مع ضرورة التبليغ عن أي عملية مشبوهة، فضلا عن الاحتفاظ بسجلات العملاء والعمليات المنجزة.
وعن هاته العمليات وخطورتها قالت “كريستين لاغارد”، الرئيسة السابقة ل”صندوق النقد الدولي”: إن “مكافحة غسيل الأموال ليست مجرد مسألة إنفاذ للقانون، بل هي حماية لأمننا الاقتصادي وسيادتنا المالية”. فيما تؤكد “منظمة الشفافية الدولية” أن “الفساد وغسيل الأموال وجهان لعملة واحدة، يقوضان أسس المجتمع وثقة المواطن في مؤسسات الدولة”.
وتسلط هاته العمليات المشبوهة الضوء على التحديات المستمرة التي تواجهها الاقتصادات الناشئة. حيث تسعى الشبكات الإجرامية لاستغلال القطاعات الديناميكية، مثل العقار.
ومن المتوقع أن تتم إحالة المشتبه فيهم إلى الجهات القضائية المختصة تطبيقا للمادة 574-1 من القانون الجنائي المغربي مع تطبيق عقوبات إدارية ومالية بموجب القانون رقم 12-05.
كما تفرض هاته العمليات المتسخة على الدول تعزيز إجراءات الرقابة على القطاع العقاري. مع زيادة الوعي بين المهنيين حماية للاقتصادات الوطنية.