الرباط/المغرب ـ فجرت واقعة “عين عودة”، غرب المغرب، سؤالا مجتمعيا مقلقا. حيث نقلت إلى الواجهة مفاهيم القيم والأسرة. مميطة اللثام عن طابوهات خطيرة أصبحت عرضة للانتهاك. والأمر ها هنا يزيل اللثام عن أسرار مخفية داخل البيوت تتعلق بقضية “زنا المحارم”. كاشفا عن حم التهديد الذي يتربص بالأسرة والمجتمع وما يحيط اسوارها من منظومات فاسدة تستهدف المجتمع والكيان الجمعي.
وفي هذا السياق أوضح “الدكتور أحمد عبادي”، الأمين العام “للرابطة المحمدية للعلماء”. أن الأسرة هي “اللبنة الأولى للمجتمع، إذا فسدت فسد المجتمع كله. معتبرا حمايتها واجبا شرعيا وقانونيا وإنسانيا.
فالواقعة الصادمة التي كانت الجماعة الترابية “المنزه” بضواحي العاصمة المغربية “الرباط”، مسرحا لفصولها الذرامية. بعد أن أقدم أب على اغتصاب ابنته منجبا منها ستة أبناء. لا يمكن التعامل معها كحادثة معزولة، بل فعلا يؤشر على تفشي نوع من المسلكيات التي تتهدد الأسر والمجتمع. وانحرافا خطيرا يقوض ما تبقى من القيم الأخلاقية ليتحول المجتمع نحو التوحش والغابوية والحيوانية في سلوكه العام وهو ما يقرع الأجراس نحو وضع خطير يستهدف عمق الأسرة المغربية.
لا يمكن التعاطي مع القضية من منطلق قانوني فقط وقرار قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف ب”الرباط” إيداع الأب سجن “تامسنا” ووضعه رهن الاعتقال الاحتياطي. ووضع ابنته جناح النساء. ومتابعة الزوجة في حالة سراح لتسترها على الجريمة. بل كفعل يحمل أبعادا خطيرة بأثارها السلبية على القيم واستقرار الأسرة والمجتمع.
“زنا المحارم” من المنظور النصي
يضع الإسلام “زنا المحارم” ضمن خانة الكبائر، نظرا لأثرها الهذام لمقاصد الشرع وإضرارها بحفظ النسل والعرض. معتبرا إياها من اقوى صور ومشاهد الفساد التي تستوجب التصدي بحزم وقوة. وفقا لما جاء في القرآن الكريم في سورة النور: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم. ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن…”. وأيضا في سورة النساء التي جاء فيها: “حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم… وحلائل أبنائكم الذين من أصلبكم… وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف”.
تجدر الإشارة إلى أن جميع المذاهب الفقهية الإسلامية، (الحنفية، المالكية، الشافعية والحنابلة). أجمعت على تحريم زنا المحارم تحريما مطلقا. معتبرة إياه من “أكبر الكبائر”. مشددة على أن عقوبته أشد من عقوبة الزنا العادي. وفي هذا السياق يذكر “الإمام الذهبي” في كتابه “الكبائر” أن “الزنا بأخت الإنسان أو أمه أو ابنته” من أعظم الذنوب بعد الشرك والقتل.
وفي الشأن ذاته وصفت “هيئة كبار العلماء في السعودية” هاته الجريمة بأنها: “من أقبح المنكرات وأفظع الجرائم، وتستوجب أقصى العقوبات”. فيما أكدت “دار الإفتاء المصرية” على أن: “الزنا بالمحارم من الموبقات التي تهدد كيان الأسرة والمجتمع وتقوض قيمه ويستحق فاعلها أشد العقاب في الدنيا والآخرة”.
لقد كشفت هاته الجريمة عن نوع من التآكل الذي يصيب القيم المجتمعية ضدا على صرامة وصراحة النص الديني. حيث أضحت بعض الانحرافات تجد بيئة خصبة لتوالدها في ظل هشاشة البنية الأسرية. فضلا عن الفقر والجهل وغياب التوجيه. دون أن ننسى أثر “كورونا” التي وسعت الهوة داخل المجتمعات كما الأسر لصالح نوع من الأنانية والفردانية والابتعاد عن الجماعة والقيم الروحية والأخلاقية.
تكنولوجيا التحرر وأثرها في تفشي الهدم
شهد العالم المعاصر في أبعاده العامة اوسخ فترات تخلفه القيمي بما حمله من شعارات هذامة للبناء الأسري المتماسك. مطلقا العنان لشعارات سكنت مجتمعاتنا وأوصلتنا إلى نوع من الاغتراب الفردي والجماعي. من قبيل “جسدي ملكي” و”جسدي حريتي” و”حريتي فوق كل اعتبار”. والتي تحولت من شعارات إلى أساليب لتبرير كل أنماط الإجرام والهدم الممارسة في حق المجتمعات والأسر. مغدية الانحراف بكل تفاصيله وملقية بالقيم والضوابط الأخلاقية والمرجعيات الدينية عرض الحائط. مغذية بأنماط فكر “ماسونية” هاذمة للجماعة والأسرة والمجتمع. وذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وهو ما أفضى لخلق جيل مصاب ب”السعار الجنسي”.
فالواقعة التي فجرتها “عين عودة” تفرض علينا نوعا من المصالحة مع الذوات أولا ومواجهة كل أساليب الاغتراب أو التغريب عن القيم والمثل العليا التي كانت الأسرة المغربية حضنا لها ثانيا. حيث طال التفسخ الأسر مغذيا بالتالي كل أوكار الفساد العام. وهو ما يستوجب نوعا من المصالحة مع الذات، مع الماضي الجميل الموسوم بحرارة الانتماء لكيان الأسرة. الأمر الذي يقتضي تجند الكل للتصدي لهاته الظواهر الشاذة القاتلة للأمن الأسري والمجتمعي والحياة.
إن هاته الواقعة لا يمكن النظر إليها كجريمة عادية تقتضي الجزاء أو الرجم بل كقنبلة موقوثة تصيب رحم الأمة. وتهدم كل مكونات المجتمع من الداخل. وبالتالي يجب التصدي لها بكافة الوسائل الممكنة ومواجهة كل أشكال التفاهة والانحذار التي تلف المشهد الإعلامي والفني بما يحمله من فوضى أخلاقية ممجدة للإجرام الأخلاقي باسم “الحريات الفردية”. وذلك كي لا تتحول هاته المشاهد إلى مسلسلات اعتيادية. وهو ما سيعصف بما تبقى من مكونات وجود الهوية والقيم التي طالما شكلت حصن المجتمع.
وفي هذا الصدد تقول “نادية يتيم”، كاتبة وباحثة في الشأن الاجتماعي: إن “الصمت عن العنف الأسري هو تواطؤ مع الجريمة. وأن كسر هذا الصمت هو بداية الحل”.
فهاته الفضيحة التي تعود فصولها إلى عام 2005 كشفت عن هشاشة البنى القيمية المجتمعية وعن تحول خطير في الضمير الجمعي المجتمعي نحو مزيد من التوحش. إذ سلطت الواقعة الضوء على هشاشة الوضع الاجتماعي وتواطؤ المحيط عن تعرية وكشف فصول هاته الذراما المجتمعية الخطيرة التي هزت الرأي العام المغربي من خلال الصمت. حاملة رسالة خطيرة عنوانها المزيد من تآكل القيم. إذ أضحت بعض من هاته المسلكيات تجد قبولا لها في المجتمع في ظل استشراء هشاشة البنية الأسرية، والفقر والجهل وغياب التوجيه.
وفي قراءة واقعية لعمق المأساة التي حملتها الجريمة كرسالة. لا يمكن بالمطلق عزلها عن السياق الثقافي والإعلامي العام. ف”الثورة الجنسية” التي تشهدها المجتمعات، والمغلفة بشعارات براقة من قبيل “جسدي ملكي” و”جسدي حريتي” و”حريتي فوق كل اعتبار”، تحولت إلى مطية لتبرير السلوكيات المنحرفة، في غياب الضوابط الأخلاقية والمرجعيات الدينية.
فالقضية تعكس خطورة السكوت عن الانحرافات المسجلة داخل الأسرة. وتؤكد على الحاجة الماسة إلى يقظة مؤسساتية ومجتمعية لمواجهة هذه الظاهرة. من خلال تحصين المجتمع عبر التربية الدينية السليمة والإعلام المسؤول وتجاوز كل ألوان السقوط والابتذال التي تلف واقع إعلامنا ومؤسساتنا الفنية والثقافية. والتوجه نحو مزيد من دعم الأسرة وإعادة الاعتبار للقيم الأخلاقية التي يتم الدوس عليها تحت عناوين متنوعة تجمع كلها على هدم هاته القيم.
إن “زنا المحارم” ليس مجرد جريمة جنائية عادية، بل هو قنبلة تهدد صلة الرحم، وتهدم الأسرة من الداخل، وتفتح أبواب الفوضى الأخلاقية. فما لم يتدارك المغرب هذا الانحدار، فإن أمثال هذه الفضائح ستتحول من وقائع صادمة إلى مشاهد اعتيادية، وهو ما سيعصف بالهوية والقيم التي طالما شكلت حصن المجتمع.
وفي سياق المسؤوليات فلا يمكن بالمطلق النظر إليها كفعل معزول عرضي، علما أن هاته العلاقة استمرت مدة تزيد عن 17 عاما. وهو ما يطرح تساؤلات كبيرة حول دور المحيط الاجتماعي وأعوان السلطة الذين لم يبلغوا عن الجريمة على الرغم من مرور هاته المدة الزمنية الطويلة. وهو ما يثير إشكالية “ثقافة الصمت” والتواطؤ الاجتماعي في الجرائم الأسرية.
تجدر الإشارة إلى أن القانون الجنائي المغربي يجرم هاته الأفعال. خاصة المواد 484-486: التي تجرم الاغتصاب وتشدد العقوبة إذا كان الفاعل من أصول الضحية. كما أن المادة 490 من ذات القانون تجرم “الزنا”. وهو النص الذي أثار ولا زال يثير جدلا حقوقياً وقانونيا كبيرا. حيث يرى المعارضون أنه يتم استخدامها في كثير من الأحيان لمتابعة الضحايا بدل الجناة. كما هو الحال في هاته القضية حيث تمت متابعة الضحية، وهو ما يتعارض مع السياسة الجنائية وحماية الضحايا. علما ان “قانون مكافحة العنف ضد المرأة 103-13″ في مادته الخامسة يلزم الموظفين العموميين بالإبلاغ عن حالات العنف. وهو ما يضع المسؤولية على عاتق أعوان السلطة أيضا الذين لم يبلغوا عن الواقعة على الرغم من استمرارها مدة 17 عاما.
وفي هذا السياق قالت المناضلة الحقوقية “نجات أنور”، رئيسة “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة”: إن “تجريم الضحية هو تشريع للجريمة وتكريس للإفلات من العقاب”. مضيفة أن “القانون يجب أن يحمي الضحايا لا أن يعاقبهم”.