المغرب: طنجة تـسـجل سابقة قضائية من خلال تطبيق عقوبة السوار الإلكتروني

العدالة اليوم

العدالة اليوم

 

قضت المحكمة الابتدائية بمدينة “طنجة”، الخميس، بسجن أحد المتهمين لمدة ستة أشهر نافذة. مع استبدال العقوبة الحبسية بوضع سوار إلكتروني في قدمه.

قرار قضائي يعتبر الأول من نوعه وأول تطبيق فعلي للعقوبات البديلة في تاريخ القضاء المغربي. والذي ينسجم مع التوجه الجديد المعتمد من قبل المؤسسة القضائية المغربية. الرامي إلى تقليص الاعتماد على العقوبات السالبة للحرية، خصوصا في القضايا التي لا تنطوي على خطورة جنائية كبيرة.

تجدر الإشارة إلى أن قضاة طنجة أصدرو، منذ 22 غشت الجاري وإلى غاية أمس، ما مجموعه 29 حكما بعقوبات بديلة. ضمنها العمل للمنفعة العامة، الغرامة اليومية والمنع من الإقامة. وذلك في مؤشر يبرز تسارع وثيرة تفعيل هذا المسار القانوني الجديد.

وقد نصت المقتضيات القانونية ذات الصلة بتطبيق العقوبات البديلة على ضرورة موافقة المتهم قبل تنفيذها. صراحة او ضمنيا. حيث يعتبر عدم الطعن في الحكم بمثابة موافقة على العقوبة. كما يشترط القانون عدم طعن النيابة العامة في الحكم الصادر. وذلك ليصبح القرار القضائي نهائيا وقابلا للتنفيذ.

حيث تنص المادة 41 من القانون 23.23 على أن تنفيذ العقوبة البديلة مرهون بموافقة المحكوم عليه، سواء بشكل صريح (بتصريح مكتوب) أو بشكل ضمني يتمثل في عدم الطعن في الحكم خلال الآجال القانونية. وهو ما يحترم مبدأ سيادة الإرادة وحق الدفاع.

ولا يعتبر تنازل الضحية أو وجود صلح شرطا أساسيا في جميع الحالات. حيث لا يشترط هذا التنازل في حالة الغرامة اليومية لارتباطها بطابع تعويضي مالي مباشر. إلا أنه شرط في حالة تطبيق عقوبة وضع السوار الإلكتروني أو العمل للمنفعة العامة.

 فعقوبات وضع السوار الإلكتروني، كإجراء تقني للمراقبة والعمل للمنفعة العامة، الذي تتحقق منه فائدة جماعية. لا يشترط الصلح أو تنازل الضحية. فيما تشترط عقوبة الغرامة اليومية الصلح أو تنازل الضحية نظرا لطابعها التعويضي المباشر الموجه لجبر ضرر الضحية بشكل أساسي. وهو ما يستلزم رضاها أو تنازلها عن الحق المدني.

حكم فتح آفاقا جديدة في التعامل مع الجنح البسيطة، بما يوازن بين ردع المخالفين وضمان اندماجهم في المجتمع بعيدا عن العقوبات السجنية الرادعة التقليدية. وهو أول تطبيق فعلي على أرض الواقع لمقتضيات قانون العقوبات البديلة الذي دخل حيز التنفيذ. وذلك في إجراء يعتبر خطوة جريئة هادفة لإعادة هيكلة السياسة الجنائية وتفكيك الاكتظاظ السجني.

كما أنه يأتي تتويجا لمسار تشريعي طويل. حيث دخل “القانون رقم 23.23” ذا الصلة بتدبير السجناء وإعادة الإدماج. والذي يتضمن آلباب متصلة بالعقوبات البديلة. حيز النفاذ بعد نشرها في الجريدة الرسمية. والذي يعد الركيزة الأساسية لـ “السياسة الجنائية الجديدة” التي تتبناها المملكة المغربية. الهادفة لتقليص الاعتماد شبه الكلي على العقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد، التي أثبتت الدراسات الدولية فشلها في إعادة الإدماج بل أنها تساهم في اتساع ظاهرة العود.

وعن هاته العقوبات قال “ذ. عمر الزناد”، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب: “إن الاعتماد على العقوبات البديلة ليس تهاونا مع الجريمة، بل هو سياسة قضائية عاقلة تهدف إلى إصلاح الإنسان وحماية المجتمع من مخاطر الانحراف المتجدد”. فيما رأت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أن “السجن يجب أن يكون الملاذ الأخير. فالعقوبات البديلة تمثل مستقبل العدالة في التعامل مع الجنح، فهي أكثر إنسانية وأقل كلفة على المجتمع.

وهكذا فحكم “طنجة” التاريخي ليس مجرد إجراء تقني، بل هو نقلة نوعية في الفلسفة القضائية المغربية. من خلال الانتقال من عدالة تركز على العقاب إلى عدالة تهدف إلى الإصلاح وإعادة الإدماج. وهو ما يفتح باب مرحلة جديدة تتوازن فيها ضرورة الردع مع ضمان عدم تعطيل حياة الأفراد ومنحهم فرصة ثانية للاندماج الإيجابي في المجتمع، بعيدا عن الآثار المذمرة للسجن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.