يبدو أن بعض مديري المؤسسات التعليمية باثوا غير مستوعبين لحدود الساعة لخصوصية المرحلة الحالية. مصرين على التغريد خارج سرب إصلاح التعليم المأمول مع إصرارهم على الاستمرار في حالة الشرود التي يوجدون عليها.
فحسب الانباء المتواثرة من عدد من المؤسسات التعليمية بمجموع جهات وأقاليم المملكة المغربية. فإن هناك حالة من التذمر والاحتقان تسود آباء و أولياء مجموعة كبيرة من التلاميذ نتيجة إصرار إدارات بعض المؤسسات التعليمية على مصادرة حق من حقوقهم وحقوق أبنائهم الدستورية. وذلك من خلال إجبارهم القسري على الانخراط في “جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ” مع بداية كل موسم دراسي، تحت طائلة المنع من تسجيل الأبناء داخل هاته المؤسسات التعليمية.
أسلوب تدبيري يعد خرقا للقانون و مسا بحق من حقوق الإنسان والمواطنة الذي يمنح للمواطنين الحق والحرية في اختيار الانتماء لهاته الجمعيات من عدمه.
فلا يجوز بأي شكل من الأشكال إجبار المتمدرسين على الانخراط في جمعيات الآباء بشكل قسري، لأن الخطوة اختيارية وطوعية وليست إلزامية. وهو اسلوب يتعارض مع جهود تحسين الثقة في المدرسة العمومية.
فالانخراط في جمعيات الآباء يجب أن يكون مبنيا على اختيار شخصي و ليس على إلزام أو إكراه كما تقدم عليه بعض المؤسسات التابعة للمديرية الإقليمية للتربية الوطنية ب”مديونة”، والتي تنتهج أسلوب إجبار الآباء والأمهات والاولياء على أداء واجبات الانخراط بالترهيب السلطوي من قبل مديري مؤسساتها التعليمية.
وفي هذا السياق طالب مجموعة من آباء وألوياء التلاميذ الاستاذ “عزيز بويدية،” المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لوقف هذا الشطط في استعمال السلطة الممارس.
تجدر الإشارة إلى أن حق الانتماء للجمعيات يكفله الدستور المغربي والمواثيق الدولية. حيث ينص “الفصل 35 من الدستور المغربي” على أن “حرية تأسيس الجمعيات وممارسة نشاطها مضمونة”. كما تؤكد “المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” على حرية الانتماء للجمعيات السلمية. فما دلالة أسلوب الإجبار الذي يمارسه بعض مدراء المؤسسات التعليمية؟ واي سند قانوني ترتكز عليه على الرغم من وضوح النص الذي لا يحتاج لاجتهاد؟ لأن الممارس على الأرض يتعارض مع هاته الضمانات الدستورية والكونية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
ممارسات تعتبر انتهاكا صريحا للمبادئ القانونية وللأسس الدستورية للمملكة المغربية. حيث أن الانخراط في الجمعيات يجب أن يكون طوعيا بناء على قناعة واختيار شخصي، وليس إجبارا سلطويا أنا كان مصدره. لأنه لا أحد ولا مؤسسة تعلو فوق الدستور الذي هو اسمى تعبير عن إرادة الأمة.
تجدر الإشارة أيضا أن “الفصل 35 من الدستور المغربي” يضمن حرية تأسيس الجمعيات وممارسة نشاطها. فيما يؤكد “القانون التنظيمي للجمعيات، (ظهير 1958 وتعديلاته). على الطوعية في الانخراط. بينما تحظر “المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الإجبار على الانتماء لأي جمعية. كما تحظر “المذكرة الوزارية رقم 90-14″، الصادرة عن وزارة التربية الوطنية. ربط التسجيل المدرسي بأي شروط مالية غير قانونية.
في هذا الشأن، وعلى الرغم من الإقرار بأن جمعيات الآباء شريك أساسي في العملية التربوية. إلا أن إجبارها الآباء على الانخراط يفقدها روحها التطوعية وهو ما يضعف الثقة في المدرسة العمومية. وسبق “للمجلس الوطني لحقوق الإنسان” أن دعا ل”احترام حرية الآباء في الاختيار وعدم ربط الانخراط بأي إجراء إداري”.
فسيادة هاته العقليات والممارسات تعمق الفجوة القائمة بين الأسر والمؤسسات التعليمية. وتساهم بالتالي في إضعاف جهود الدولة في إصلاح التعليم. وهو ما يضعها في تعارض مع الرؤية الملكية المشددة على ضرورة تعزيز جودة المدرسة العمومية وبناء ثقة متبادلة بين جميع المتدخلين.
تجاوزات تقتضي من المديريات الإقليمية التدخل وفتح تحقيق حول الاشكال المنافية للقانون والدستور الممارسة. وإصدار تعميمات تحظر الربط بين التسجيل والانخراط. مع تنظيم حملات توعوية للآباء بحقوقهم القانونية. وايضا تدخل المجلس الأعلى للتربية والتكوين باعتبارها طرفا في العملية التربوية للتصدي لهاته الممارسات الشادة.
وسبق لجلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. أن نبه إلى أن “الإصلاح التربوي رهان مجتمعي لا يحتمل أي مساس بحقوق الأسر أو الطلاب”. وذلك اعتبارا لكون التعليم هو السلاح الأقوى لتغيير العالم. وبالتالي لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يتم بناؤه على سلطة الإجبار. الذي لا يعد مخالفة للقانون فحسب، بل يشكلتهديدالأسس الثقة القائمة بين المدرسة والأسرة. فالتفعيل الحقيقي للإصلاح يبدأ باحترام حقوق الأسر واختياراتهم الطوعية قبل كل شيء.