ستحتضن المحكمة الابتدائية ب”مكناس”، صباح يوم الأربعاء المقبل. الجلسة الثانية من محاكمة المتهم (أ.م)، المعروف ب”العقل المدبر لعصابة إجرامية متخصصة في إنشاء شركات تجارية وهمية”. والمتابع في حالة اعتقال بجرائم ذات صلة ب”النصب والاحتيال والمشاركة وإصدار شيكات بدون مؤونة”.
ووفق ملف القضية فإن المعني بالأمر كان يقود شبكة إجرامية استغلت الضعف الفكري والاجتماعي لبعض الأشخاص. وذلك بتسجيل شركات وهمية بأسمائها بغرض استعمالها كواجهة لممارسة النصب والاحتيال على مؤسسات تجارية قانونية.
ووفق الإفادات ذات الصلة بالبحث المنجز، فإن العصابة الإجرامية كانت تعمل على تقديم طلبيات شراء ضخمة من شركات موردة. من خلال إقناعها بسلامة الوضعية القانونية لهاته الشركات “الوهمية” عبر تقديم سجلها التجاري الذي يتضمن رأسمالا ضخما يقدر بـ 35 مليون درهم. مع إيهام الضحايا بأن هاته الشركة تابعة لمجموعة اقتصادية وطنية معروفة. وبعد تسليم البضائع مقابل شيكات وكمبيالات، يفاجأ الضحايا عند حلول آجال الأداء القانونية بأن الشيكات المسلمة بدون مؤونة.
وكانت السلطات القضائية قد أوقفت في مرحلة اولى”الممثلين القانونيين” لهاته الشركات الوهمية الذين تم اعتبارهم بدورهم ضحايا. قبل أن يتم توقيف العقل المذبر للعصابة، فيما لا يزال باقي شركائه في حالة فرار. وقد صدرت في حقهم مذكرات بحث.
وهي قضية تندرج ضمن الجريمة الاقتصادية المنظمة المعاقب عليها وفق “المادة 1-547 من القانون الجنائي المغربي”. والتي يتم وصفها بأنها “كل جمعية أو اتفاقية تقوم بين أشخاص بقصد الإعداد لارتكاب جرائم ضد الملكية بوسائل احتيالية”. كما تخضع هذه الجرائم لـ”قانون المسطرة الجنائية” و”قانون الشركات التجارية”.
وقد تم وصف هاته الجريمة ب”الخطيرة والمعقدة” لكونها تستهدف فئات اجتماعية من خلال استغلال هشاشتها الفكرية والاجتماعية لتقوم بتسجيل شركات وهمية بأسمائها. ذات رأسمال ضخم، (35 مليون درهم). وذلك بغاية التمويه على الضحايا المستقبليين. كما أنها تتستر تحت إطار قانوني لممارسة الاحتيال. عبر استغلال السجل التجاري لإضفاء الشرعية على الشركات الوهمية. إضافة للتظاهر بالانتماء لمجموعة اقتصادية وطنية معروفة. فضلا عن استخدام الشيكات والكمبيالات كأدوات للاحتيال المالي.
تجدر الإشارة إلى أن “المادة 546 من القانون الجنائي” تعاقب على النصب والاحتيال بالسجن من سنة إلى 5 سنوات مع الغرامة. كما أن “المادة 241 من ذات القانون”، تعاقب على إصدار شيك بدون رصيد. فيما يحظر “قانون 05-08″، المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة. الممارسات التجارية المخادعة.
عمليات تمتد خطورتها لتطال النظام الاقتصادي الوطني من خلال عملها على تقويض ثقة المتعاملين التجاريين في السوق الوطنية. كما انها أبانت عن ثغرات قانونية في نظام تسجيل الشركات، تم استغلالها من قبل عناصر العصابة الإجرامية. فضلا عن تأثيراتها السلبية على مناخ الأعمال والاستثمار في المنطقة.
ومن المنتظر أن تعرف فصول هاته المحاكمة أطوارا مفتوحة ستؤدي لسقوط رؤوس أخرى من خلال الكشف عن أسماء جديدة ذات صلة. وملاحقة المتواطئين المباشرين أو المتعاملين العرضيين. كما انها ستفرض إعادة النظر في آليات الرقابة على إنشاء الشركات.
وكان “عبد اللطيف حموشي”، المدير العام للأمن الوطني، قد قال، في تصريح سابق: إن “الجريمة الاقتصادية هي سرطان يهدد كيان الدولة ومؤسساتها”. وبالتالي فإن حماية النظام الاقتصادي الوطني تتطلب يقظة قضائية وأمنية مستمرة لمواجهة هاته الشبكات الإجرامية التي أصبحت تستخدم أساليب متطورة وهو ما يفرض تحديث الآليات القانونية.
فالجريمة تجاوزت الحدود المحلية مستهدفة أسس النظام الاقتصادي الوطني. وهو ما يقتضي تعزيز الرقابة على عمليات تسجيل الشركات. وتعزيز التنسيق بين المؤسسات القضائية والأمنية. فضلا عن إلزامية تحديث التشريعات لمواجهة هاته الأساليب الإجرامية المتطورة.
فما يجري في “مكناس” ليس معركة قضائية فحسب بل معركة حاسمة عنوانها حماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على ثقة المستثمرين والمتعاملين التجاريين. وهي معركة تستدعي تظافر جهود جميع الأطراف المعنية.