تحويل “ساحة محمد السادس” بالحسيمة لمرآب مؤقت للسيارات يفجر غضبا وجدلا كبيرين

العدالة اليوم

العدالة اليوم

تعيش مدينة “الحسيمة”، شمال المغرب. على وقع حالة من الغضب وتفجر جدل واسع بسبب تحويل جزء من “ساحة محمد السادس”، وهي معلمة حضرية بارزة بالمدينة. لموقف عشوائي للسيارات.

واقعة فجرت سؤال المسؤوليات. خاصة وأن المعطيات الواردة من عين المكان تؤكد أن القرار جاء إرضاء  لصاحب فندق فاخر يطل على الساحة.

واقعة تنقل إلى الواجهة دور السلطات في حماية الفضاءات العامة وخلق متنفسات طبيعية خضراء. والتي تبقى ضمن مسؤولياتها التدبيرية.

وقائع فجرت حالة من الغضب والاستياء لدى ساكنة “الحسيمة”. التي عبرت عن صدمتها من هذا القرار. معتبرة إياه عشوائيا ويعمل على “تشويه” صورة فضاء عمومي من المفترض أن يكون متنفسا طبيعيا للساكنة والزوار.

يأتي اتخاذ هذا القرار فيما كانت الساكنة تنتظر إطلاق مشاريع تأهيل وتطوير الساحة. إلا أن إرادة المجلس الجماعي ارتأت أن تعاكس مطامح المجتمع. حيث تفتقت قريحة أغليته بالبحث عن ”حل ترقيعي” لركن السيارات والتضحية بجمالية المدينة من خلال تقليص مساحاتها الخضراء وبتر متنساتها الطبيعية.

وقد اعتبرت الساكنة أن هذا القرار يعمق أزمة المدينة. وبالتالي يزيد من حالة الفوضى القائمة. مضيفة أنه يعكس غياب أي تخطيط حضري سليم من قبل القائمين على الشأن المحلي.

في خضم هذا الجدل الدائر. دعا نشطاء من المجتمع المدني لوضع مخطط شامل لتأهيل المدينة. وإحداث مرائب منظمة بدل سياسة “الترقاع” المنتهجة. والمحافظة على الفضاءات العمومية القائمة. مع البحث عن بدائل ناجعة ومستدامة تخدم المواطنين كما الزوار. معتبرين أن القرار المتخذ يعد انتهاكا صارخا للفضاءات العمومية وتكريسا لسياسة تخدم مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة.

تجدر الإشارة إلى أن “المادة 23 من القانون رقم 12.90″، المتعلق بالتعمير. توجب احترام الفضاءات العمومية. كما يحظر “الظهير رقم 17-10-1914″، المنظم لاستعمال الأملاك العمومية. تحويل هاته الأمكنة عن الغرض المخصصة لها. بينما يحدد “القانون رقم 06-47″ شروط تدبير المرافق العمومية المحلية. فيما أكد “ميثاق أثينا للعمارة” على قدسية الفضاءات العمومية. كما أوصت “أجندة الأمم المتحدة الحضرية” بتخصيص 15 إلى 20% من المساحة الحضرية للفضاءات العامة. فيما يلزم “النموذج الدنماركي” بتوفير مواقف تحت أرضية في المناطق المركزية.

تجدر الإشارة أيضا أن نسبة التمدن بالحسيمة وصلت خلال عام 2022 ل68.7%، وفق “المندوبية السامية للتخطيط”. كما أن نسبة العجز في مواقف السيارات تصل ل40%، تبعا لدراسة أعدتها الجماعة الحضرية عام 2023. فيما تبلغ المساحة الخضراء المخصصة للفرد 2.1م² وهو رقم بعيد عن المعيار الدولي المحدد في 10م².كما أن هذا القرار مخالف لمبدأ تخصيص الأملاك العمومية، المنصوص عليه “في الفصل 35 من الدستور”. ويقع في تعارض مع “المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية”.

وفيما تلزم الجماعة الترابية للحسيمة الصمت. طالبت جمعيات من المجتمع المدني. بإلغاء القرار لمخالفته منطوق “المادة 6 من القانون 12-90″، المتعلق بالتعمير. والذي يعتبر سابقة خطيرة في تدبير الفضاء العمومي. لكون الفضاءات العمومية تعتبر خطا أحمر في السياسة العمرانية لا يمكن تجاوزه. 

فالمطلوب والواجب من الجماعة الترابية للحسيمة إنشاء مواقف للسيارات تحت أرضية. كما هو الشأن في مدن مثل “الدار البيضاء”، “مراكش”،”الرباط” و”فاس”… بدل التعدي على الفضاءات العمومية. إضافة لتفعيل نظام “المواقف الذكية”، كما تنص على ذلك الاستراتيجية الوطنية للتنمية الحضرية. 

وسبق لجلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. أن اعتبر أن “الفضاءات العمومية رافعة للتماسك الاجتماعي”. لأن جودة الحضارة تقاس بجودة فضاءاتها ولا يمكن السماح بالمطلق بمصادرة الفضاءات العمومية تحت أية ذريعة كانت. والمطلوب هو البحث عن بدائل مقبولة عبر تخطيط استراتيجي.

فالقضية التي فجرتها “ساحة محمد السادس” بالحسيمة ليست مجرد جدل بسيط. بل مؤشر على إشكالية عميقة في تدبير الفضاء العمومي. كما أن الحل الجذري يتطلب اعتماد مقاربة تشاركية توفق بين حاجات التنمية واحترام المال العام، في إطار رؤية عمرانية تستحضر البعد الإيكولوجي والاجتماعي للتنمية الحضرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.