أصدرت وزارة الداخلية قرارا، أمس الخميس. قضى بعزل “إسماعيل أبو الحقوق”، عامل “عمالة إنزكان آيت ملول”، من منصبه. بشبهة “تفويت عقار عمومي كان مخصصا لإقامة مؤسسة تعليمية لمنشأة تجارية خاصة”.
تحمل هاته الخطوة، التي وضفها البعض ب”المفاجئة”، دلالة كبرى. لا من حيث التوقيت وتزامنها مع مجموعة من القرارات الجريئة التي اتخدتها الوزارة. ولا من ناحية الدلالة التي تعكس عزم المملكة على محاربة الفساد ومشتقاته. والتجسيد الفعلي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. مع التأكيد على انتهاج الشفافية كآلية ملازمة للدبير الترابي والمؤسساتي.
قرار يأتي بعد أيام قليلة من زيارة ميدانية قامت بها لجنة وزارية ثلاثية لمقر العمالة. حيث قامت بحصر ملفات حساسة تتعلق بالتسيير العقاري. ومن الممكن أن تصل الامور حد تحريك متابعات قضائية. مع قرارات إدارية صارمة ذات صلة بشبهة “تفويت عقارات عمومية”.
ووفقا للمعطيات الواردة ذات الصلة بالأبحاث المنجزة، فإن اللجنة، التي تضم في عضويتها مفتشين من وزارة الداخلية. نفذت تحقيقات مكثفة على مدى ثلاثة أيام (الثلاثاء، الأربعاء، والخميس) بمقر العمالة. مركزة بشكل أخص على ملف تفويت عقار عمومي كان مخصصا لإنشاء مؤسسة تعليمية.
وأوضحت ذات المصادر أن العقار الذي تبلغ مساحته 4600 متر مربع، تم تحويل غلافه المخصص للتعليم لإقامة مشروع تجاري كبير، وسط ظروف تم وصفها بـ”المريبة”.حيث نقله لجهة خاصة وبأسعار تقل عن القيمة السوقية، مع تغييرات في صيغة الملكية والعنوان بطريقة مثيرة للشكوك.
ولم تكشف الجهات الرسمية، لحدود الساعة، عن نتائج التحقيقات الجارية. إلا أن المعطيات الأولية تفتح نقاشا حول نزاهة عمليات تفويت العقارات العامة. وتفتح سؤال الشفافية في إدارة الموارد العقارية العمومية. وهو ما يستوجب إرساء قواعد رقابية صارمة. خاصة ضمن العقارات ذات الصبغة التنموية.
فالفساد آفة تقوض كل الجهود والأسس التنموية، والتصرف فيه خيانة كبرى كما جاء في تقرير “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي” حول الحكامة الترابية.
تفويت مريب يحول مدرسة لمركز تجاري
فالتحقيقات المنجزة من قبل اللجنة الموفدة للتحقيق في تفويت مريب لعقار عمومي كشفت ان العقار كان مخصصا لإقامة مؤسسة تعليمية، (مدرسة أو ثانوية)، بغاية خدمة الساكنة المحلية. إلا أنه قد تفويته بشكل غير قانوني لإقامة منشأة تجارية نفعية. وذلك بسعر يقل عن السعر السوقي الحقيقي. وهو ما يعني هذرا للمال العام. مع حصول تلاعبات ذات صلة بصيغة الملكية والعنوان النهائي، وهو ما يثير “الشكوك”.
واقعة تفتح نقاشا حول الإطار القانوني المنظم للعقار العمومي. خاصة “القانون رقم 69-00″، المتعلق بمراقبة المسؤولين عن تدبير أملاك الدولة والجماعات الترابية. والذي يحدد مسؤولياتهم القانونية ويجرم التصرفات المخلة بأملاك الدولة. إضافة “للمادة 6 من القانون رقم 06-01″، المتعلق بالعقار العمومي. والتي تعرف العقار العمومي وتحدد قواعد التفويت فيه. واضعة شروطا استثنائية مع اشتراط القيام بذلك بموافقة سلطات الوصاية. فضلا عن “القانون رقم 31-13″، المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات. المؤكد على ضرورة حصول شفافية في تدبير الشأن العام، بما في ذلك العمليات العقارية الكبرى. وأيضا “المادة 36 من الدستور المغربي”، التي تنص على أن “الأملاك العمومية هي ملك للأمة… ويحدد القانون قواعد تدبيرها والتصرف فيها”.
تداعيات القرار والرسائل المحمولة
يحمل قرار العزل المتخذ عدة رسائل ودلالات عميقة، ضمنها الاستباقية والزجر. فالوزارة لم تنتظر اكتمال الملف القضائي، لاتخاذ إجراء إداري فوري. وهو ما يعكس سياسة “التطهير الاستباقي” داخل الجهاز الإداري. كما أنه هدف لحماية المال العام. من خلال تأكيد الوزارة على أن هذا المال خط أحمر. خاصة في مجال العقارات المخصصة لمشاريع ذات منفعة عمومية.
كما أكد القرار على تشديد الرقابة الافقية وتعزيزها من خلال إرسال لجان تفتيشية من المركز. وبالتالي تعزيز آليات الرقابة على عمل المصالح اللاممركزة، في إطار الحكامة الترابية. كما انه يدخل في إطار الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد. مع تنزيل المقتضيات الصادرة عن “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”.
التوقعات المحتملة
على الرغم من عدم صدور مقرر رسمي حول خلاصات اللجنة فإنه من الممكن أن يفجر الملف بمضاعفاته متابعات قضائية. وذلك بعد أن أثبتت التحقيقات وجود مخالفات جسيمة. حيث من الممكن أن تتحول القضية إلى ملف جنائي بتهمة تبديد المال العام، وفق منطوق “المادة 241 من القانون الجنائي” أو الرشوة أو استغلال النفوذ.
كما ينتظر أن تعمل الوزارة على القيام بمراجعات شاملة لهاته العمليات. مع فتح تدقيقات شاملة لجميع عمليات التفويت العقاري التي تمت تحت إدارة العامل المعزول. وقد تمتد هاته التحقيقات لتشمل مسؤولين آخرين. والأهم من الخطوة أنها رسالة ردعية قوية لجميع المسؤولين الترابيين بضرورة الالتزام القاطع بمبادئ الشفافية والنزاهة في تدبير المال العام.
عزل عامل إنزكان آيت ملول الاختبار الجريء للإرادة السياسية
لا يمكن بالمطلق النظر إلى هاته القضية وفصولها من زاوية نظر معزولة، بل كنموذج لاخطاء قد تتكرر في أماكن أخرى.
كما القوة والسرعة في اتخاذ القرار الإداري في مواجهة هاته الحالة تعكس إرادة سياسية حقيقية لقطع الطريق على أي محاولات للاستيلاء على المال العام. كما أن الذهاب في متابعة هذا الملف حتى النهاية، قضائيا وإداريا، سيكون مؤشرا قويا على أن زمن الإفلات من العقاب في قضايا الفساد الصغيرة والكبيرة قد ولى.