تدخل أمني ب”سلا” يودي بحياة مشتبه فيه يفتح نقاشا حول التدخلات والمسؤوليات

العدالة اليوم

العدالة اليوم

 

أثار تدخل باشره أمن “سلا” بالمغرب، وما نتج عنه من مقتل مشتبه فيه. سؤالا محوريا حول استعمال الأسلحة الوظيفية لتوقيف المشتبه فيهم والمسؤوليات المترتبة عن هاته التدخلات الامنية. ومدى احترامها للمعايير الوطنية والدولية ذات الصلة بالحق في الحياة كأسمى الحقوق؟ ومدى صوابية التبريرات المقدمة من قبل الاجهزة الامنية ذات الصلة بمدى الخطورة وحماية عناصر الامن والمواطنين؟.

وهكذا فقد شهدت “منطقة العيايدة” ب”مدينة سلا” حادثا مأساويا. بعد أن اضطرت عناصر “فرقة الشرطة القضائية” لاستعمال سلاحها الوظيفي. الأمر الذي نتج عنه مقتل شخص يبلغ من العمر 40 عاما، من ذوي السوابق القضائية العديدة، وفق المعطيات الأمنية المقدمة. 

وأوضحت ذات المعطيات أن عناصر الشرطة تدخلت بعد ورود بلاغات عن شخص في حالة “غير طبيعية” و”اندفاع قوي”، تسبب في إحداث فوضى في الشارع العام. مهددا سلامة المواطنين والممتلكات باستعمال “سكين من الحجم الكبير”.

وأضافت ذات المصادر، أنه وخلال محاولة توقيف اندفاعه. واجه عناصر الدورية ب“مقاومة عنيفة”. معرضا أحد أفرادها لاعتداء “جدي وخطير” باستعمال السلاح الأبيض. وهو ما أدى لإصابته على مستوى الذراع.

وأفاد ذات المصدر أن مفتشين للشرطة اضطرا لاستعمال سلاحهما الوظيفي لإيقاف هذا الجنوح ومواجهة الخطر المحدق. حيث أطلقا في البداية أعيرة نارية تحذيرية، قبل أن يطلقا رصاصات أدت لإصابة الجانح.

وأضاف أنه قد تم نقل المشتبه فيه المصاب بواسطة سيارة الإسعاف إلى المستشفى لتلقي العلاج. حيث لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرا بإصاباته. فيما تم تقديم العلاجات اللازمة للشرطي المصاب. مبرزا أن حالته مستقرة.

فتح تحقيق قضائي في الموضوع 

فصول هاته الواقعة المأساوية دفعت النيابة العامة المختصة لإصدار أمر بفتح تحقيق في أطوارها وفصولها. لتحديد كافة ظروف وملابسات الواقعة، والتحقق من تفاصيلها بدقة. ومدى ملاءمة هذا التدخل المميت مع هاته الواقائع الميدانية. وقوة التدخل مع قوة التهديد لسلامة عناصر الأمن والمواطنين.

واقعة تفجر سؤالا حول التدخلات الأمنية ومدى ملاءمتها للخطر المهدد لسلامة عناصر الشرطة والمواطنين. فهل كانت عناصر الامن عاجزة عن إيقاف خطر الاندفاع باستعمال سكين لتصل حد استعمال السلاح وبطريقة قاتلة بدل الإصابة لشل الحركة.

وتبقى الشفافية في التحقيقات ومساءلة المقصرين أمران ضروريان لبناء الثقة بين المواطن والأمن. كما سبق أن أكدت على ذلك “أمينة بوعياش”، رئيسة “المجلس الوطني لحقوق الإنسان”.

استعمال السلاح الوظيفي بين النص وواقعة العيايدة 

بالرجوع للإطار القانوني المغربي المتصل بمثل هاته الحالات. فإن الفصل 20 من الدستور المغربي يعتبر أن “الحق في الحياة هو أول الحقوق الطبيعية للإنسان”. فيما يمنع الفصل 22 منه المس بالسلامة الجسدية أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. بينما يضمن الفصل 23 من الدستور الحق في الحياة والسلامة الجسدية. كما تنظم “المادة 124 من القانون الجنائي” حق الدفاع الشرعي للموظفين العموميين”. فيما تحدد “المادة 125 من ذات القانون” شروط استخدام القوة المميتة للدفاع عن النفس أو الآخرين، مقيدة إياها بشروط صارمة. فضلا عن تأكيد المادة 3 من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، على الحق في الحياة والحرية والأمان. 

ووفقا لهاته المعطيات تبقى سلامة رجال الأمن أولوية. ولكن استخدام القوة المميتة يجب أن يكون الملاذ الأخير، الذي تفرضه الظروف القاهرة. وهو ما سبق أن أكد عليه “عبد اللطيف الحموشي”، المدير العام للأمن الوطني.

كما أن كل حالة وفاة خلال تدخل أمني تتطلب تحقيقا مستقلا ونزيها، وفق ما شددت عليه “أمينة بوعياش”، رئيسة “المجلس الوطني لحقوق الإنسان”. وذلك اعتبارا لكون الحق في الحياة يعتبر من أسمى الحقوق. ويبقى من الواجب على الدولة ومؤسساتها ضمان حمايته حتى لأصحاب السوابق القضائية.

ضرورة احترام معيار التناسب في استخدام القوة خلال التدخلات

من الواجب على الأجهزة الأمنية أن تحترم، خلال تدخلاتها المنجزة. مبدأ التناسب في التدخل الأمني. مع اعتماد أسلوب التدرج في استخدام القوة، من التحذير الشفهي إلى استخدام الوسائل والطرق غير المميتة. مع تقييم مستوى التهديد. فاستعمال السكين ليس مبررا لاستخدام الأسلحة النارية. 

ويبقى الحل الأنجع لحماية روح القانون المغربي والكوني استعمال البدائل المتاحة للشرطة المغربية للتعامل مع مثل هذه الحالات. ضمنها مسدسات الصعق الكهربائي (Taser)، الرصاص المطاطي، قنابل الصوت والضوء، شباك الصيد أو العصي الكهربائية.

أرقام صادمة عن ارتفاع معدلات الوفيات نتيجة التدخلات الأمنية بالمغرب

الوقائع الإحصائية المتوفرة صادمة. وهو ما يؤكد اتساع ظاهرة استعمال السلاح الوظيفي وبطريقة قاتلة. حيث شهد عام 2023 ارتفاعا في معدل استخدام الاسلحة النارية خلال التدخلات الأمنية بنسبة 23% مقارنة مع عام 2022. فيما تم تسجيل 45 حالة وفاة خلال التدخلات الأمنية خلال السنة الجارية فقط. كما أن 42% من الضحايا لم يكونوا يحملون أسلحة نارية.

وفي سياق متصل فقد تزايدت حالات العنف ضد رجال الأمن بنسبة 34%، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. مع تسجيل نقص في التكوين المتخصص للتعامل مع الأشخاص من ذوي الاضطرابات النفسية، حيث أن 78% من حالات الوفيات نتيجة تدخل أمني تعود لأشخاص يعانون من اضطرابات نفسية.  

وهو ما يطرح موضوعا آخر ذا صلة بالمعاناة النفسية ودور الدولة في علاجها ضمانا للأمن العقلي والأمن الشرطي والأمن المجتمعي بشكل عام. مع تعميم استخدام الأسلحة والوسائل غير المميتة لدى مختلف الأجهزة الأمنية.

فالمطلوب فتح تحقيق قضائي مستقل ونزيه في النازلة، تحت إشراف النيابة العامة المختصة. مع إخضاع الجثة للتشريح الطبي لتحديد سبب الوفاة بدقة. إضافة لتحليل شريط الكاميرا الشخصية لعناصر الأمن إن وجدت. والاستماع لإفادات الشهود. وذلك تحقيقا للعدالة وتحديدا للمسؤوليات.

فصدمة حادثة “سلا” أعادت الجدل وبقوة حول معادلة صعبة مفادها: كيف نوازن بين حق رجال الأمن في الحماية وحق المواطنين في الحياة؟ وهل استعمال السكين يبرر الرد بالرصاص؟.

وارتباطا بهاته الوقائع أرجع خبراء أمنيين ارتفاع هاته النسب واتساع هاته التدخلات المميتة لعامل النقص في التكوين المتخصص للتعامل مع الأشخاص من ذوي الاضطرابات النفسية. وأيضا محدودية الوسائل غير المميتة في التجهيزات الأمنية. كما أن ضغط العمل والتهديد المستمر يؤثران على اتخاذ القرار المناسب والصائب.

فالموازنة بين حماية حياة رجال الأمن وضمان حق المواطنين في الحياة، تتطلب إعادة النظر في بروتوكولات التدخل. كما أن التدريب على مهارات إدارة الأزمات والتفاوض يمكن أن يقلل من الحاجة لاستخدام القوة المميتة.

ويبقى تعديل البروتوكولات ذات الصلة بالتدخلات ضروريا. وذلك من خلال اعتماد مبدأ “الحد الأدنى من القوة اللازمة”. إضافة لتوفير وسائل غير مميتة وتعميمها على نطاق أوسع. فضلا عن اعتماد التكوين كمدخل للتعامل مع هاته الوضعيات من خلال تدريب مكثف على إدارة الأزمات والتفاوض. إضافة لنشر تقارير دورية عن حوادث استخدام القوة، تكريسا لمبدأ الشفافية. فضلا عن محاكمة كل التجاوزات المخلة بروح الدستور والقانون

تجدر الإشارة إلى أن النموذج البريطاني يحمل لنا صورة مغايرة لما يحدث ب”المغرب”. حيث أن 98% من التدخلات في مواجهة أشخاص مسلحين بسكاكين تنتهي بدون إطلاق نار. معتمدة في ذلك على تدريبات متخصصة في نزع السلاح مع استخدام تقنيات التفاوض وإطالة أمد المفاوضات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.