المغرب: “تعاونية الوفاق” تفجر صراعا داخل جماعة “سلا” و”البيجيدي” يهاجم كاشفا المستور

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

في تصعيد جديد ذا صلة بالحياة السياسية بمدينة “سلا”. هاجمت الكتابة الإقليمية ل”حزب العدالة والتنمية” ب”سلا” بقوة رئاسة “مجلس جماعة المدينة”. متهمة إياه ب”التحايل على الرأي العام” وترويج “معطيات مجتزأة” بخصوص ملف “التعاونية القرائية الوفاق”.

تجدر الإشارة إلى أن جدور النزاع ترجع ل”اتفاقية الشراكة الموقعة عام 2013″، بين “جماعة سلا” و”التعاونية”. وذلك في إطار البرنامج الحكومي لإحداث مؤسسات التعليم الخصوصي. حيث تم كراء مقرات مدرسية بشروط تفضيلية. وذلك بالاستناد إلى مقتضيات “القانون رقم 00-07″، المتعلق بالميثاق الوطني للتربية والتكوين. إضافة “لمرسوم التعاونيات المدرسية رقم 2.08.521″. فضلا عن “الاتفاقية الإطار” الموقعة بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والجماعات الترابية.

وكانت الكتابة الإقليمية ل”حزب العدالة والتنمية” قد عقدت اجتماعا لها. برئاسة “كمال الكوشي”، وبحضور عدد من مستشاري الحزب. إلى جانب “جامع المعتصم”، الرئيس السابق للجماعة.

وفي هذا السياق، قال بيان صادر عن الكتابة الإقليمية، عقب الاجتماع: إن موقف الحزب من ملف التعاونية ثابت ولم يتغير رغم تغير تموقعه داخل المجلس. مشددا على أن ما جاء في بيان رئيس المجلس الجماعي، ردا على مقال رأي نشرته المستشارة الجماعية، “أمينة أوشعيب”، في الموضوع. عبارة عن “مزايدة سياسية وتغطية على الفشل”، بحسب صيغة البيان.

ووقف البيان، حول تفاصيل نشأة مشروع “التعاونية القرائية الوفاق”، عام 2013. وذلك بموجب اتفاقية شراكة تم التوقيع عليها بين “جماعة سلا” وعدد من المؤسسات. في إطار برنامج حكومي لإحداث مؤسسات للتعليم الخصوصي لفائدة حاملي الشهادات العليا. من خلال كراء مقرات مدرسية للتعاونية بشروط تفضيلية.

تجدر الإشارة أيضا أن الاتفاقية الموقعة شملت أربعة عقود كراء خلال فترات متعددة. ويسجل الحزب تحفظاته على التجديد التلقائي للعقود دون مراجعة. فضلا عما وصفه بمدة الكراء الطويلة، غير المبررة. إضافة لما أسماه، عدم الالتزام بتقديم تقارير التتبع وعدم تحديد لائحة المستفيدين بشكل واضح.

وأفاد البيان، أن المشروع، جاء في إطار رؤية اجتماعية للحد من البطالة، وليس بغاية الربح. مبرزا أنه قد تم توقيع أربعة عقود كراء، خلال فترات متعددة وبشروط متباينة. مشيرا إلا أن التعاونية لم تلتزم ببعض بنود الاتفاقية. لا سيما في الشق المتعلق بتقارير التتبع وتحديد لائحة المستفيدين. وفق الوارد في البيان. مع تسجيل تحفظ الحزب على التجديد التلقائي للعقود ومدة الكراء الطويلة في المرحلة الحالية.

وفي سياق متصل، انتقدت الكتابة الإقليمية لحزب “المصباح” الأغلبية المسيرة للمجلس الجماعي ب”سلا”. واصفة عملها بـ”الضعف، والتخبط، وازدواجية الخطاب”، وبـ”تغييب المقاربة التشاركية”، وفق تصورها المدون في البيان. مبرزة أن المجلس الحالي “فشل في تدبير هذا الملف، كما فشل في تقديم حصيلة نصف الولاية”. وذلكعلى الرغم من الطلبات المتكررة التي وجهها الفريق في موضوع برمجة مناقشة تنفيذ برنامج العمل. وفق الصيغة الواردة.

كما عبرت الكتابة الإقليمية عن تضامنها مع “المستشارة أمينة أوشعيب”، ضد ما اعتبرته “تهجما غير مقبول” من قبل رئيس الجماعة عليها. مؤكدة في الوقت نفسه دعمها للقياديين في الحزب “بهاء الدين أكدي” و”عبد اللطيف سودو”. اللذين طالهما “استهداف إعلامي منسق”، وفق البيان الصادر.

تعاونية الوفاق القرائية القنبلة التي تشعل الاجواء قبيل الاستحقاقات 

عند وقوفنا على البيان الصادر وعلى ما ورد فيه من معطيات. وفي إطار تقييم تجربة مجلس جماعة “سلا”، بناء على هاته الحيثيات الواردة. يمكن القول إن هذا الملف يفجر إشكالات عميقة، ذات صلة بشفافية التدبير المالي للجماعات الترابية؟. إضافة لإثارته لسؤال التوازن بين الشقين السياسي والتقني في تسيير الشأن المحلي؟. وتفعيل الآليات الرقابية للشراكات الموقعة، التي تجمع القطاعين العام والخاص؟. ومدى احترام الأسس القانونية والدستورية لهاته الشراكات؟، خاصة وأن الجمعيات أو التعاونيات، ذات الصلة. تستفيد من مزايا “المنفعة العامة أو النفع العام”؟. الأمر الذي يقتضي التحقق من التزامها بالأسس القانونية التي مكنتها من الاستفادة من هذا الامتياز. أي تحقيق المنفعة العامة لا المنفعة الخاصة.   

وهكذا وفي إطار تعزيز الشفافية والحكامة الجيدة، لا بد من ممارسة الرقابة الصارمة على التعاونيات والجمعيات المستفيدة من امتيازات المنفعة العامة. وذلك ضمانا لتحقيق الأهداف المرسومة وعدم انحرافها نحو المصالح الخاصة. وهو ما يؤكد عليه “القانون رقم 18.97″، المتعلق بالتعاونيات. و”القانون رقم 00.75″، المنظم للجمعيات. إضافة “للقانون رقم 69.00″، المتعلق بالصفقات العمومية. فضلا عن “القوانين الجبائية”، المنظمة للإعفاءات الضريبية.

“تعاونية الوفاق” وعلاقتها بالنفع العام وممارسة الرقابة المؤسساتية

من موقع خضوع “تعاونية الوفاق القرائية”  للآليات القانونية ذات الصلة بالنفع العام أو المنفعة العامة. لا بد من طرح أسئلة جوهرية، ضمنها. هل يتم تقديم تقارير دورية عن الأنشطة والنتائج المحققة؟. وهل تخضع هاته التقارير للتمحيص والمراقبة؟. وما هي الإجراءات والمساطر المفعلة في هذا الشأن؟. وهل يتم القيام بزيارات ميدانية من قبل المصالح المختصة لربط تلك التقارير بأرض الواقع؟. وهل تتم مراقبة مدى الالتزام بالأسس القانونية والالتزامات المنصوص عليها ضمن شروط الاستفادة من هذا الامتياز؟. وهل يتم إخضاع حسابات “التعاونية” للمراجعة المالية وبشكل منتظم، وفق ما ينص عليه القانون، تطبيقا للشفافية وربطا للمسؤولية بالمحاسبة؟. وهل يحرص مجلس جماعة “سلا” على تطبيق هاته الأصول القانونية المطلوبة، أم أنه يخل بشرط من شروطها؟. وفي هاته الحالة لا بد أن يكون موضع مساءلة.

وهكذا، فقد أخضع المشرع هاته الإطارات المستفيدة من هذا الحق لعمليات تدقيق في الحسابات من قبل مفتشية المالية. فضلا عن مراجعة الإنفاق، وفق الميزانيات المعتمدة. مع التأكد من حصول التوافق مع شروط منح حق الامتياز.

وفي حالة تسجيل اختلالات تدبيرية. وضع المشرع هاته الإطارات تحت سلطة الرقابة القضائية. ضمنها “محاكم الحسابات”، وفق “القانون رقم 99.62”. مانحا للنيابة العامة أيضا حق فتح تحقيق قضائي مباشر في الوقائع إن كانت جسيمة. 

ولضمان الشفافية والرقابة الفعلية لعمل التعاونية لا بد من قياس مؤشرات أدائها للمهام الموكلة إليها، وفق اتفاقية الشراكة الموقعة. ومدى التزامها بالوارد في هاته الاتفاقية؟. ضمنها مدى تحقيق التعاونية للأهداف المسطرة في اتفاقية الشراكة. وتقديم أرقام المستفيدين والمستفيدات الفعليين من هاته الخدمات. إضافة للتحقق من الأثر التنموي المتحقق من عملها على المستوى المحلي. فضلا عن التأكد من درجة رضا المتعاملين مع هاته المؤسسات.

فبدون تفعيل هاته الآليات تبقى الجماعة، كطرف ثان في المعادلة. مسؤولة عن الاختلالات المسجلة. لأن “الرقابة ليست عدوانا على الحرية، بل ضمانة لاستمرارية المؤسسات وسلطة القانون. وأكثر من ذلك فإن المال العام يعتبر أمانة. وبالتالي تبقى المساءلة ضمانة لحسن التصرف في هاته الأمانة. فلا يمكن بالمطلق الحديث عن ثقة بدون مساءلة. ولا عن استمرار بدون رقابة.

أي دور رقابي للمعارضة في ظل واقع تسلط الأغلبية

منح المشرع للمعارضة عدة صلاحيات رقابية. وهي الصلاحيات المؤكد عليها في “القانون رقم 113.14″، المتعلق بالجماعات الترابية. إضافة “للقانون رقم 17-08″، ذا الصلة بالصفقات العمومية. فضلا عن “القانون رقم 20-13″، المتصل بالتعاونيات. دون إغفال منطوق “النظام الداخلي”، المنظم لعمل المجلس الجماعي ل”سلا”.

ووفقا لهاته القواعد الدستورية، يبقى من حق المعارضة، كما المجتمع، مباشرة التحريات في أشكال تدبير الدعم الموجه لجهة ذاتية. وذلك بحكم استفادتها من صفة “المنفعة العامة أو النفع العام”. كما أن أي مصادرة لهذا الحق غير مقبولة. وذلك لاعتبارين.

الاعتبار الأول: لكون هاته الخطوة تعتبر مصادرة للدستور وروحه، والقانون وقوته.

الاعتبار الثاني: كون هاته المصادرة تطرح سؤالا ذا صلة بخلفيات منع المجلس المعارضة من ممارسة حقها الدستوري والقانوني. فالسكوت عن هاته الخروقات وخنق حق المعارضة في تعريتها، لا يمكن فهمه إلا من زاوية تمرير الخرق بامتياز الشراكة في الأرباح المحققة.

فالمطلوب من المسؤول الأول عن تدبير شؤون المجلس الجماعي ب”سلا”. بدل التفكير في منع المعارضة من ممارسة حقها، والصحافة من حضور جلسات دورات المجلس والقيام بواجبها المهني والدستوري وتصوير وتسجيل ما يدور من احداث تتعلق بتدبير الشأن المحلي وصرف المالية العامة. العمل بدلا من ذلك على تعزيز الشفافية باعتبارها الأساس الأمثل لاستعادة الثقة في المؤسسات. والإقرار بأن أي دوس عليها يعتبر دوسا على المؤسسات الدستورية وهدم لأسس وجودها. فالمحاسبة ليست انتقاما بل واجبا وطنيا مؤكد عليه دستوريا. والمال العام أمانة ومسؤولية تقتضي المراقبة ومحاسبة كل المتصرفين فيه في غير وجهته المطلوبة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.