في عالم متسم بسباق شرس نحو مراكمة الثروات. برز اسم جديد على قمة قائمة المليارديرات العالمية، متفوقا على عمالقة المال، من أمثال “إيلون ماسك” و”جيف بيزوس”. والأمر يتعلق ب”لاري إليسون”، المؤسس المشارك ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي ل”شركة أوراكل (Oracle)”.
فقصة “إليسون” لا يمكن النظر إليها كقصة نجاح مالي فقط. بل كتعبير عن شغف ومثابرة يمكن أن تحول مسار حياة من شاب ترك دراسته إلى أغنى شخص في العالم.
من العسر الدراسي إلى الشغف بالحاسوب قصة بدايات
بين الفشل الدراسي والشغف ب”الحاسوب”، ولد “إليسون” في “نيويورك” ب”الولايات المتحدة” عام 1944. حيث عاش طفولة صعبة نسبيا. إذ تركته والدته لتتبناه عمته وزوجها. وينتقل بالتالي للعيش رفقتهما في “شيكاغو”.
بدأت رحلته الأكاديمية بدراسة الطب والعلوم في “جامعة إلينوي”. لكنهاتركها بسبب وفاة والدته بالتبني. ليلتحق، بعد ذلك، بجامعة “شيكاغو”، حيث تعرف على علوم الحاسوب والبرمجة. ووقع في عشق المجال.
التقاء سيحدث ثورة شاملة في حياته، على الرغم من كونه لم يكمل دراسته بالجامعة. إذ أن شغفه بالحاسوب والبرمجيات أصبحت بوصلته الجديدة التي ستقوده لعالم جديد.
وفي هذا المسار انتقل “إليسون” إلى “وادي السيليكون”، ليؤسس أولى شركاته، أوائل السبعينيات. تم إلى “كاليفورنيا”، قلب التكنولوجيا الأمريكية. لتحقيق حلمه الكبير.
بداية التحول نحو عالم المال والأعمال
بدأ “إليسون” رحلة التألق في مجال عالم المال والأعمال، برأس مال متواضع لا يتجاوز 2000 دولار. حيث أسس عام 1977 مع زميليه، “بوب مينر” و”إد أوتس”. شركة أطلق عليها اسم “مختبرات تطوير البرمجيات” (Software Development Laboratories).
كان الهدف حينها بسيط لكنه طموح، يقوم على بناء نظام لإدارة قواعد البيانات. وبعد عامين، غيرت الشركة اسمها إلى “Relational Software Inc. (RSI)”. قبل أن تستقر على اسمها الحالي “أوراكل” عام 1982، نسبة إلى أحد مشاريعهم المبكرة ل”وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)”.
قاد “إليسون”، بفعل خبرته المعمقة في مجال البرمجة إضافة لرؤيته الثاقبة. شركته الناشئة من مشروع صغير لا يضم سوى ثلاثة مبرمجين، إلى أكبر مورد لقواعد البيانات في العالم. بل ومنافس قوي في سوق التطبيقات السحابية.
نجاح “اوراكل” لم يقتصر على قواعد البيانات. بل تعداه ليشمل برامج الشركات، التطبيقات السحابية وخدمات الأجهزة والبرامج.
هذا التوسع الاستراتيجي، مضاف إليه سلسلة من عمليات الاستحواذ الناجحة لشركات مثل “PeopleSoft” و”Sun Microsystems”. عزز مكانة “أوراكل” في مجال التكنولوجيا. وخاصة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، الدافع لعالم الثروة والمال، خلال الأشهر الاخيرة.
وفي ظرف وجيز جدا عرفت ثروة “لاري” قفزة هائلة. ارتباطا بأداء شركة “أوراكل” القوي في مجال “الخدمات السحابية (Cloud Services)” والمنافسة الشرسة في عالم الذكاء الاصطناعي.
وقد ارتفعت أسهم شركة “اوراكل” مع تزايد الطلب على حلول ذات صلة بالتخزين السحابي ومعالجة البيانات لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وهو ما حلق ب”إليسون” عاليا في سماء المال والأعمال.
من 2000 دولار إلى ثاني أغنى رجل في العالم قصة نجاح استثنائية
اخترق “إليسون” جدار الميليارديرات بسرعة البرق، ففي يونيو الماضي، تمكن من تجاوز ثروة “جيف بيزوس” و”مارك زوكربيرغ”. وأصبح بالتالي ثاني أغنى شخص في العالم. إلا أن المكاسب الأخيرة قفزت به إلى القمة. متفوقًا على صديقه المقرب ومنافسه اللدود، “إيلون ماسك”، الذي تربطه به علاقة شخصية ومهنية. إذ يعتبر “إليسون” من أبرز المستثمرين في شركة “تسلا (Tesla)” المملوكة ل”ماسك”.
قصة “لاري إليسون” استثنائية بكل المقاييس، حيث شكلت نموذج إلهام لجيل الشباب الراغب في التألق عبر العالم. مقدمة درسا أساسيا مفاده أن النجاح الحقيقي لا يقتصر على الشهادات الأكاديمية، بل ينبع من الشغف، الرؤية والقدرة على تحويل الأفكار الصغيرة إلى إمبراطوريات عملاقة تشكل مستقبل التكنولوجيا والاقتصاد.
فمن صعوبات في مسايرة الدراسات الاكاديمية وفشله أكاديمي. خلق جنون الطموح الجارف من “إليسون” قائدا لأحد أكبر عمالقة التكنولوجيا. وبطبيعة الحال أحد أغنى الميلياديرات في العالم. إذ تمكن من تخطي “إيلون ماسك” و”جيف بيزوس”. محققا ثروة تقدر بنحو 160 مليار دولار، وفقا لمؤشر “بلومبيرغ للمليارديرات”.
قال “لاري إليسون”: كانت البرمجة هي الشيء الوحيد الذي جعلني أشعر أنني أستطيع خلق شيء من لا شيء.
طموح ميز شخصيته منذ البداية مع إطلاقه عام 1977، شركة “مختبرات تطوير البرمجيات، (SDL)” رفقة صديقيه. والتي ركزت على تطوير أنظمة قواعد البيانات العلائقية قبل أن تتحول الخطوة نحو “أوراكل” عام 1982. حيث يملك “إليسون” حوالي 42% من أسهم الشركة، وهي المصدر الأساسي لثروته. ليشتري لاحقا “جزيرة لاناي” في “هاواي” بالكامل عام 2012، بحوالي 300 مليون دولار. إضافة لاستثماره المبكر في شركة “تسلا”.
وقد عرف عن “إليسون” بذخه في الحياة واهتمامه بعالم “اليخوت” وسباقات السفن.
دروس قصة نجاح “لاري إليسون”
قدمت قصة حياة “إليسون” حكم كبرى مفادها أن الشغف والعشق فوق الشواهد. حيث لم تكن الشهادة الجامعية عائقا أمام تعلمه البرمجة وإتقانها. كما أن إيمانه بضرورة تملك رؤية استباقية في مجال قواعد البيانات العلائقية مبكرا، أي عندما كان السوق نائما. كانت مصدرا لتلك القفزة النوعية التي حققها في مجالي المال والأعمال. إضافة لامتلاكه استراتيجية عدوانية قائمة على النمو عبر الاستحواذ للسيطرة على السوق. فضلا عن قناعته الراسخة بضرورة التكيف مع الموجات التكنولوجية، حيث انتقل بنجاح من البرمجيات إلى السحابة فالذكاء الاصطناعي.
فقصة “لاري إليسون” تجسيد حي لحلم “وادي السيليكون” والانطلاقة من الصفر للتحول لبطل عالمي. إنها تثبت أن الإبداع والمخاطرة والعناد يمكن أن يبنوا إمبراطورية من لا شيء. وأن موجات التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي، اليوم، يمكن أن تعيد كتابة قائمة أغنى الناس في العالم بين عشية وضحاها.
خلاصة التجربة يمكن نقلها على لسان “إليسون” نفسه الذي قال: أن تكون أصغر منافس في السوق يعني أنه يجب أن تكون الأكثر ذكاء وابتكارا.