في رحلة تعتبر درسا فريدا في التكيّف مع التكنولوجيا الناشئة. انتقلت “ماريا ميخايلوفا” من “كتابة الأكواد” على الورق في “كييف” خلال تسعينيات القرن الماضي إلى ابتكار لغة البرمجة الكمومية Q#، التابعة ل”شركة مايكروسوفت”.
وتواصل “ميخايلوفا”، اليوم. مسيرتها في ريادة هذا المجال. لتسهم بذلك في تطوير “الحوسبة الكمومية” القائمة على “الفوتونات” في “شركة PsiQuantum”.
نقطة تحوّل من العادي إلى الكمومي
قبل غوصها في أعماق “الحوسبة الكمومية”، كان سجل “ميخايلوفا” حافلا بالخبرة في مجالات البرمجة التقليدية. حيث عملت على محرك البحث “بينغ” وخدمة “آجور” السحابية. لم تكن لديها خلفية سابقة في “الحوسبة الكمومية”، لكن الفرصة التي عرضها عليها صديق في فريق “مايكروسوفت الكمومي” كانت بمثابة دعوة جريئة لمواجهة المجهول.
عن هاته البداية تقول “ميخايلوفا”: إنها لم تسمع عن هذا المجال من قبل، لكن فضولها كان أقوى من ترددها.
ما ساعدها على اتخاذ هذه الخطوة هو شغفها القديم بتجربة لغات البرمجة. ففي أوقات فراغها، كانت قد جربت أكثر من 90 لغة برمجة مختلفة ووثقت مشاريعها في موسوعة “Progopedia”. كانت إحداها لغة “بسيطة” للغاية لا تحتوي على أحرف إنجليزية وتقتصر على ثمانية أوامر فقط. لكنها كانت كافية لتزيل لديها أي خوف من تعلم لغات جديدة.
في هذا السياق، تقول ميخايلوفا: “لم تكن أي لغة تستخدم في البرمجة الواقعية سيئة [مثل تلك اللغة]”.
ميلاد لغة Q#
انطلقت “ميخايلوفا” وفريقها لتطوير “Q#” وإصدار نسختها الأولى نهاية عام 2017. تبدو “Q#” في مظهرها الخارجي شبيهة بلغات البرمجة الكلاسيكية. فهي تستخدم الكلمات الإنجليزية والرموز المعتادة. ولكن جوهرها يكمن في العمليات الرياضية المميزة التي تم تصميمها لأداء “الحسابات الكمومية”. على عكس البتات الكلاسيكية التي تشفر المعلومات كـ1 أو 0، تعمل “Q#” مع “الكيوبتات” (qubits) التي تشفر المعلومات كمجموعة خطية من 1 و0.
يكمن الفارق الجوهري الآخر في عملية القراءة. فبينما يمكنك استرداد البيانات من الذاكرة في الحوسبة الكلاسيكية دون تغييرها. فإن قياس “الكيوبت” يغير حالته تلقائيا، وبالتالي يغير المعلومات التي يحملها. هذا الأمر يجعل من عملية القراءة نفسها عملية رياضية يمكن دمجها في “الخوارزميات”، وهو ما يميز “الحوسبة الكمومية” عن نظيرتها الكلاسيكية.
سفيرة للمعرفة الكمومية
إدراكا منها لأهمية تيسير هذا المجال الجديد، لم تكتفِ “ميخايلوفا” بالابتكار، بل كرست جزءا كبيرا من جهدها للتعليم ونشر المعرفة.
تقول “ميخايلوفا”: “اكتشفت أنني بارعة حقاا في شرح الأشياء بطريقة تجعلها سهلة الفهم للمتعلمين”.
مهارة مكنتها من كتابة كتابين مرجعيين في هذا المجال، هما “Q# Pocket Guide” عام 2022. “Quantum Computing in Depth” الصادر مؤخرا. وذلك بغاية ملئ فجوة في الكتب المخصصة للمستوى المتوسط. حاليا، تقوم بتدريس دورة عن بعد في “الحوسبة الكمومية” ب”جامعة نورث إيسترن”.
تواجه “ميخايلوفا”، اليوم، تحديات جديدة في تصميم أكواد لتقنية تتطور بسرعة مذهلة. ومع عملها الحالي في “شركة PsiQuantum”، لا تزال تواصل جهودها لاستباق احتياجات المطورين النهائيين وتطوير أدوات تتكيف مع مستقبل غير مؤكد لأجهزة الكمبيوتر الكمومية المتسامحة مع الأخطاء.
تظل مسيرة “ميخايلوفا” دليلا حيا على أن الشغف بالتعلم والمرونة في مواجهة التطورات التكنولوجية هما مفتاح الابتكار والنجاح في أي عصر.