“تنسيقية المخابز بالمغرب” تلوح بوقفة احتجاجية للخبازين بالرباط

العدالة اليوم

العدالة اليوم

 

في سابقة رمزية، وتزامنا مع اليوم العالمي للخبز، الذي يوافق يوم 16 أكتوبر من كل سنة. لوحت “التنسيقية الوطنية لأرباب المخابز بالمغرب” بتنظيم وقفة احتجاجية وطنية بالرباط. تنديدا بالأوضاع المزرية التي يعيشها المهنيون. وتعبيرا عن تصاعد “الاحتقان الاجتماعي والمهني” داخل القطاع، الذي يصفه المهنيون بـ”المهمّش والمهدد بالإفلاس الجماعي”. وهي خطوة تصعيدية تعيد للذاكرة الوقفة الاحتجاجية الناجحة التي سبق أن تم تنظيمها بالرباط.

وهكذا فقد هددت “التنسيقية الوطنية لأرباب المخابز بالمغرب” باللجوء إلى الاحتجاج العلني في تاريخ رمزي. احتفاء بذكرى الخبز وأيضا تنبيها للمشاكل المتصلة بالقطاع. مبرزة أن “كل الخيارات مطروحة” في حال لم يتم التجاوب مع مطالب المهنيين.

يأتي هذا التصعيد في ضل الوضع المأساوي الذي يعيشه مهنيو القطاع وانسداد كل أفق للحل مع تمادي الوزارة في تمرير مخططات سميت إصلاحية لكنها تقبر الوضع الهش للمهنيين.

الأزمة وعجز الحكومة عن استيعاب صدماتها 

تعود جدور أزمة قطاع المخابز للوضع العام الدولي والوطني، وهو ما أدى لاشتعال أسعار المواد الأساسية لإنتاج الخبز. حيث شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا متواصلا، الأمر الذي أثر على القدرة الشرائية للمواطنين. وما زاد من استفحال الأوضاع هو الارتفاع الصاروخي لأسعار الدقيق على الصعيد العالمي. وهو ما قلص من هامش الربح، وأدخل قطاع المخابز في أزمات لم تستطع المخططات الحكومية التصدي لها. خاصة مع ثبات السعر الرسمي للخبز.

وتذكر هاته الوقفة بأخرى ناجحة سبق تنظيمها من طرف مهنيي القطاع بالرباط. وهي رسالة واضحة للمسؤولين بإعادة السيناريو السابق في حالة عدم إيجاد حلول لهاته المشاكل.

فأزمة المخابز هي جزء من أزمة هيكلية في دعم المواد الأساسية. وهو ما يتطلب مراجعة شاملة لاستهداف الفئات الأكثر احتياجا وذلك لضمان استدامة القطاعات الإنتاجية. والضحية في النهاية إلى جانب المهنيين المواطنون المكتوون أصلا بآثار الأزمة. وهو ما يستلزم تدخل الدولة لتجفيف الآثار السلبية لهاته الأوضاع. وإيجاد حل لهاته المعادلة الصعبة.

تجدر الإشارة إلى أن قطاع المخابز في المغرب ينتج ما يقارب 25 مليون رغيف يوميا. كما أن المملكة تعرف استهلاكا للقمح يصل إلى حوالي 10 ملايين طن سنويا، جزء كبير منه مستورد.

تهديد أرباب المخابز بالاحتجاج في اليوم العالمي للخبز يضع السلطات أمام اختبار حقيقي. فهو لا يسلط الضوء على أزمة قطاع حيوي فحسب، بل يعكس تحديات أوسع في سياسة الدعم والأمن الغذائي. وفي حالة تنفيذ الوقفة فستكون مؤشرا قويا على عمق الإحباط في صفوف حرفيي قطاع يمسّ الأمن الغذائي اليومي لملايين الأسر المغربية.

وهو ما يجعل الحكومة مسؤولة عن فتح خط الاتصال بالمهنيين لتدارس الأوضاع وإيجاد حلول لها. بدل سياسة “التجاهل” الحكومي المنتهجة. وذلك من خلال مراجعة أسعار الدقيق المدعّم والمواد الأولية وأيضا إدماج المخابز في منظومة الحماية الاجتماعية بشكل عادل. مع وقف المنافسة غير المشروعة من المخابز العشوائية. فضلا عن إعادة هيكلة الجامعة الوطنية للمخابز بشكل ديمقراطي وشفاف.

قطاع المخابز والفراغ القانوني 

على الرغم من أن قطاع المخابز يعتبر من بين القطاعات الحيوية في الأمن الغذائي الوطني. إلا أنه لا يخضع لإطار تنظيمي موحد. وهو ما يخلق حالة من التسيب المؤسساتي والتضارب التنظيمي.

وفي هذا السياق أبرزت التنسيقية أن الإطار القانوني الحالي، خصوصا “القانون رقم 31.08″، المتعلق بحماية المستهلك، يُثقل كاهل المخابز المنظمة دون ضبط للمخابز غير القانونية.

كما أن القطاع لا يستفيد من أي “برنامج حكومي هيكلي” مشابه لما استفادت منه قطاعات فلاحية وصناعية أخرى، ضمن استراتيجية “الجيل الأخضر”. على الرغم من أهمية المخابز في سلسلة الإنتاج الغذائي. فحين يتم ترك قطاع حيوي كالمخابز في مهب التهميش، فهذا معناه تهديد الأمن الغذائي.

تجد الإشارة أن هاته الأوضاع أثرت بشكل مباشر على قطاع المخابز. حيث أغلقت أكثر من 32% من المخابز أبوابها ما بين 2020 و2024. كما أن 60% من المهنيين يشتغلون دون تغطية صحية أو تقاعد. فضلا عن كون حوالي 40% من المخابز العصرية تشتغل في وضعية قانونية “معلقة”. مع تسجيل خسائر سنوية داخل القطاع تتجاوز 400 مليون درهم.

ويرجع المهنيون أسباب هاته الأرقام إلى “الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الأولية”، خصوصا بعد تحرير سوق القمح. إضافة للمنافسة “غير القانونية” من المخابز العشوائية ومحلات الحلويات المنزلية.

الوضع الداخلي بجامعة المخابز والحلويات جزء من كل في أسباب التوثر القائم 

من بين النقاط الأساسية التي تشدد عليها “تنسيقية أرباب المخابز”، هو ما تعتبره “غيابا للتمثيلية الشرعية والمهنية داخل الجامعة الوطنية للمخابز والحلويات”. التي يتهمها المحتجون بـ”احتكار القرار”. فضلا عن تغليب الطابع الاحتفالي على الأدوار التأطيرية والمهنية. فوفق الغاضبين فإن “جامعة المخابز” فقدت وظيفتها الأصلية. وأصبحت بالتالي تشتغل بمنطق العلاقات الشخصية لا المصلحة العامة.

فقطاع المخابز يعاني من هشاشة تشريعية وتنظيمية. إذ لا وجود لاتفاقية قطاعية موحدة، ولا تأطير نقابي وطني حقيقي. فإذا لم يتم العمل على دمج قطاع المخابز ضمن السياسة الغذائية الوطنية، فإن تداعياته قد تكون كارثية.

لماذا اختيار 16 أكتوبر تحديدا 

اختارت التنسيقية تنظيم الوقفة تزامنا مع “اليوم العالمي للخبز”، الذي يحتفي به العالم سنويا في 16 أكتوبر من كل سنة. وذلك من اجل تسليط الضوء على “المفارقة الصارخة بين رمزية الخبز كحق إنساني، وواقع الخباز كعامل هش لا يجد من ينصفه”.

وفي هذا الشأن فإنه لا يمكن النظر للخبز كمادة غذائية فقط، بل كرمز للاستقرار المجتمعي ومرآة للعدالة الاجتماعية. فهل ستتحرك الحكومة قبل أن يتحول الفرن إلى رماد؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.