اعتقال مراسل “جريدة أصوات” بالخميسات يثير تساؤلات حول الحريات واحترام الدستور

بقلم الأستاذ "محمد عيدني" نقلا عن "جريدة أصوات"

بقلم الأستاذ “محمد عيدني” نقلا عن “جريدة أصوات”

 

شهدت مدينة الخميسات، يوم السبت 4 أكتوبر الجاري، واقعة أثارت جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والحقوقية. وذلك بعد تداول أنباء عن توقيف المراسل الصحفي “مراد بوعلام” قرب المستشفى الإقليمي للمدينة، أثناء مزاولته لمهامه في تغطية حدث محلي يتعلق بظروف الخدمات الصحية بالمؤسسة.

وبحسب مصادر محلية، فإن المراسل كان بصدد توثيق مشاهد مرتبطة بالحالة الميدانية للمستشفى، عندما تم توقيفه من قبل عناصر الأمن. ليتم اقتياده لمركز الشرطة للتحقيق معه حول طبيعة نشاطه الصحفي.

هذه الواقعة فتحت الباب مجددا أمام النقاش العميق حول حدود حرية العمل الصحفي بالمغرب، والتحديات التي تواجه الصحفيين الميدانيين، خصوصا في المدن الصغرى والجهات البعيدة عن المركز.

الصحافة الميدانية.. مهنة في مواجهة المخاطر

تعتبر الصحافة الميدانية، وخاصة المحلية منها، من أكثر أشكال العمل الصحفي صعوبة، لارتباطها المباشر بنقل الوقائع كما هي، دون وسائط أو تأويلات. لكن في ظل غياب الحماية القانونية الفعلية والدعم المادي والمعنوي الكافي، يجد عدد من المراسلين أنفسهم في مواجهة مباشرة مع تضييقات أو سوء فهم لطبيعة مهامهم المهنية.

ويشير عدد من الفاعلين الإعلاميين إلى أن غياب بطاقة الصحافة المهنية أو الاعتماد الرسمي من بعض المؤسسات يجعل المراسلين أكثر عرضة للمساءلة. وذلك على الرغم من أن الممارسة الصحفية محمية دستوريًا وفق الفصل 28 من الدستور المغربي، الذي يضمن حرية التعبير وحرية الصحافة دون رقابة مسبقة، في إطار احترام القانون.

بين النص القانوني والواقع الميداني

رغم التقدم التشريعي الذي عرفه المغرب منذ صدور مدونة الصحافة والنشر سنة 2016، فإن التطبيق العملي لهذه المقتضيات لا يزال يطرح إشكالات حقيقية. فالعديد من الصحفيين الميدانيين يشتغلون في ظروف صعبة، دون حماية قانونية واضحة، أو تأطير نقابي فعال يدافع عن حقوقهم المادية والدستورية. وهو ما يجعلهم الحائط القثير الذي يطاله القمع والمنع والمصادرةوالتضييق.

فما وقع بالخميسات للزميل “مراد بوعلام” ليست حالة معزولة، بل تعبير عن أزمة بنيوية في تدبير الإعلام الجهوي. حيث لا تتوفر بنية مؤسساتية قادرة على حماية المراسلين وضمان استقلاليتهم، ولا سيما في ظل محدودية الإمكانيات والدعم.

الصحافة في زمن التحولات

في ظل التحولات التكنولوجية الراهنة، أضحت الصحافة المحلية تؤدي دورا مهمما في تقريب المواطن من المعلومة، ومراقبة الأداء العمومي في الميدان الصحي، الاجتماعي والإداري. غير أن هذا الدور لا يمكن أن يكتمل دون بيئة آمنة ومناخ يحترم حرية الممارسة، ويضمن للصحفيين الكرامة المهنية والعدالة الاجتماعية.

إن اعتقال مراسل أثناء تغطيته لموضوع ذي طابع عام، يفتح الباب لتساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة بين السلطة الرابعة وباقي السلط. وحول ما إذا كانت حرية الصحافة في المغرب ممارسة واقعية أم مجرّد شعار يتم تردديه في المناسبات الرسمية.

إن حماية الصحافة ليست امتياززا يتم منحه. بل حقا دستوريا وركيزة أساسية في أي مجتمع ديمقراطي. ولعل حادث الخميسات يطرح إعادة التفكير في آليات دعم وتأطير المراسلين الجهويين. وتمكينهم من الوسائل القانونية والمادية الكفيلة بضمان أداء رسالتهم النبيلة في إطار من الحرية والمسؤولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.