كشفت تقارير صادرة عن لجان التفتيش التابعة للمجالس الجهوية للحسابات بكل من الدار البيضاء–سطات، بني ملال–خنيفرة، والرباط–سلا–القنيطرة، عن خروقات خطيرة في تدبير التأمينات الخاصة بموظفي الجماعات الترابية، حيث تم تسجيل استفادة منتخبين ومستشارين من تأمينات مخصصة للموظفين الجماعيين دون وجه حق، في وقت يفتقد فيه العديد من المستخدمين الفعليين لأي تغطية ضد حوادث الشغل.
وبحسب المعطيات المتسربة من تلك التقارير، فإن بعض الجماعات عمدت إلى أداء أقساط تأمين عن أشخاص لا تربطهم أي علاقة وظيفية بها، وتم إدراج أسمائهم ضمن لوائح المؤمنين بشكل غير قانوني، بينما غابت التغطية التأمينية عن موظفين حقيقيين يزاولون مهاماً ميدانية في ظروف تنطوي على مخاطر مهنية عالية.
وتشير الوثائق إلى أن هذا الخلل في تدبير التأمينات تسبّب في ارتفاع عدد القضايا المرفوعة ضد الجماعات الترابية من طرف ضحايا حوادث شغل، ما أدى إلى استنزاف كبير لميزانيات جماعية، خصوصاً في جهة الدار البيضاء سطات، حيث حُكم بتعويضات مالية أثقلت كاهل النفقات التشغيلية.
كما أظهرت عمليات الافتحاص أن بعض الجماعات تُدرج ضمن ميزانياتها السنوية اعتمادات خاصة لتغطية تكاليف الأحكام القضائية، في ظل غياب آليات محاسبة فعالة، ما يعكس، وفق مراقبين، “حلقة فساد مزمنة” تضعف نجاعة الحكامة الترابية.
ويرى خبراء في الشأن المحلي أن ما ورد في تقارير قضاة المجلس الأعلى للحسابات يفتح من جديد ملف الريع داخل الجماعات الترابية، حيث يستفيد منتخبون من امتيازات مالية وإدارية لا تتناسب مع مهامهم التمثيلية، في خرقٍ واضح لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه دستورياً.
وفي الوقت الذي يُنتظر فيه تدخل وزارة الداخلية لاتخاذ إجراءات تأديبية وإحالة الملفات على القضاء، عبّر عدد من المراقبين عن مخاوفهم من أن تبقى هذه التقارير حبيسة الرفوف، كما حدث في ملفات مماثلة، رغم خطورتها المالية والإدارية.
ويرى متابعون أن هذه القضية تعكس خللاً بنيوياً في منظومة الرقابة والمحاسبة داخل الجماعات، داعين إلى الرقمنة الكاملة لمساطر التأمين والتدبير المالي لتفادي التلاعب في اللوائح، وتعزيز الشفافية في التسيير الجماعي.