جدل الخطاب ونقيض الخطاب في فيضانات الناظور في مقاربة بلاغ عمالة الإقليم

 محمد حميمداني

 محمد حميمداني

 

بعد أن أعلنت السلطات الإقليمية ب”الناظور” في بلاغ رسمي صادر عنها، اليوم السبت، عدم سقوط ضحايا في الأرواح جراء الفيضانات التي ضربت “إقليم الناظور”، الجمعة، أو حتى الإعلان عن وجود مفقودين. أفادت تقارير إعلامية، اليوم السبت، تسجيل حالة وفاة جراء هاته الكارثة الطبيعية، بعد العثور على جثة شاب قاصر، جرفتها السيول إلى “نهر سلوان” ب”إقليم الناظور.

ووفق عدة مصادر إعلامية، فإن الجثة تعود لقاصر لا يتجاوز عمره 17 عاما. مبرزة أن هوية الضحية لا تزال مجهولة، لحدود الساعة. مضيفة أن السيول القوية التي اجتاحت المنطقة قذفت بالجثة لمجرى النهر.

وقد انتقلت عناصر الدرك الملكي والسلطات المحلية لعين المكان. حيث باشرت تحرياتها الأولية في الفاجعة من اجل تحديد هوية الضحية، بأمر من النيابة العامة المختصة، وتحديد ملابسات الواقعة. فيما تم نقل الجثة لمستودع الأموات ب”المستشفى الحسني” ب”مدينة الناظور” لإخضاعها للتشريح الطبي.

سقوط ضحية جراء فيضانات الناظور بين النفي الرسمي وفصول المأساة على الأرض 

جميل جدا أن تواكب السلطات فصول المأساة الناجمة عن فيضانات “إقليم الناظور”، ولو متأخرة، وأن تحيط الرأي العام بالوقائع والأضرار الناجمة. كسنة محمودة ولازمة لتصحيح العلاقة بين السلطات والمواطنين. لجعل هاته الاخيرة شريكة في المعلومة.

لكن أن يحمل البلاغ الرسمي بشرى مفرحة مفادها عدم سقوط ضحايا جراء الفاجعة أو حتى وجود مفقودين. ليتم الإعلان لاحقا عن وجود ضحية نتيجة هاته الفيضانات. أمر يضع البلاغ الرسمي موضع مساءلة.

خطاب عمالة “إقليم الناظور” من الملهاة إلى تراجيديا الواقع 

تواثر أحداث فصول كارثة “الناظور” الكاشفة وفق المصدر الرسمي، المعلن عنه. المفترض أن يكون مصدرا مؤكدا للمعلومة. وتنقضه مع معطيات الوقائع على الأرض التي حملت نبأ وجود ضحية جراء الكارثة. يطرح تساؤلات عن سبب عدم تضمين البلاغ وجود ضحية أو تسجيل اية خسائر بشرية أو حتى تسجيل وجود مفقودين؟

فبقدر ما اسعد البلاغ الأسر والمغاربة من خلال ديباجته المنقمة الحاملة ل”ملهاة” نقلت البسمة لوجود الأسر على الرغم من الخسائر المادية المسجلة. باغتثهم صدمة نقلتها مياه النهر مع العثور على جثة شاب في مقتبل العمر، ضحية الفيضانات والسيول الجارفة، لتتحول “الملهاة” إلى “مأساة”. ولنكون أمام مشهد “دانكيشوطي” للبلاغ الرسمي الصادر عن مصالح العمالة.

واقعة أسقطت البلاغ الرسمي في اللامسؤولية لنقله معطيات غير صحيحة وغير دقيقة. خاصة وأن الواقعة كبرى، وقد هزت الرأي العام المحلي والوطني. وبالتالي اسنا أمام لعبة “غميضة” بل أمام مأسة بفصولها وحاجة المجتمع لمعرفة تفاصيلها. 

واقعة تنقل إلى الواجهة خطاب المسؤولية ومسؤولية الخطاب في البلاغات الرسمية الصادرة التي من المفروض أن تتحرى الدقة في نقل الوقائع وأن تبحث في كافة السياقات ذات الصلة. لأن الأمر يتعلق بفاجعة وطنية وليس بخطاب إنشائي لفظي.

لو ان وسيلة من وسائل الإعلام الوطنية نقلت معلومة غير دقيقة لتحركت الاجهزة وتوعدت وأزبدت وتم نسج المحاكمات وهلم جرا من القذائف والتهم. في المقابل يتم رفع القلم عن مسؤولية المؤسسات الرسمية والإخبار الرسمي الناقل لحقائق مغلوطة وغير صحيحة. في مشهد صادم يعكس قثامة الواقع القائم ولامسؤولية البلاغات الرسمية التي يسري عليها المثل القائل: “كم من الأشياء قضيناها بتركها”.

إن ما تعيشه بلادنا من أحداث لها ارتباط مؤكد بسيادة هاته الأنماط من التدابير اللامسؤولة والتي كشف عنها جلالة الملك “محمد السادس” في خطابه الأخير أمام البرلمان.

وهي المعطيات التي سبق لجلالة الملك، أعزه الله، أن وضع أصبعه على مأساتها في خطاب العرش لعام 2017، حيث قال جلالته، حفظه الله: “وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟”، مضيفا “لكل هؤلاء، أقول، كفى. اتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا. فالمغرب له ناد وله رجاله ونساءه الصادقون”.

إشكالية المعلومة الرسمية في إدارة الأزمات

وضعت فاجعة فيضانات الناظور المنظومة الإعلامية الرسمية موضع المساءلة. نتيجة هذا التناقض الصارخ بين بلاغ عمالة الإقليم الذي نفى وجود ضحايا أو تسجيل حالات فقد. وبين اكتشاف جثة شاب من ضحايا السيول بعد ساعات. وهو ما يفتح ملفا هيكليا حول آليات رصد وتوثيق الضحايا أثناء الكوارث الطبيعية، ودور الإعلام الرسمي كمصدر موثوق للمعلومة خلال الأزمات.

أسلوب يضع المؤسسات الرسمية موضع تشكيك في مصداقية بلاغاتها الرسمية، بما يحمله كل ذلك من تداعيات مؤسسية. ضمنها تآكل الثقة في المصادر الرسمية وتفاقم الشكوك حول دقة المعطيات والإحصائيات الرسمية المقدمة. فضلا عن إضعاف فعالية عمليات الإغاثة والإنقاذ. الأمر الذي سيخلف لا محالة صدمة مجتمعية لدى العائلات التي كانت قد أحست بالاطمئنان. مع ما يتصل بذلك من تأخير في عمليات البحث عن مفقودين محتملين وما تحمله الخطوة من تأثير نفسي على المتضررين.

الحقيقة التابثة التي لم يستوعبها بلاغ عمالة “إقليم الناظور” أن المصداقية رأس مال المؤسسات في أوقات الأزمات. وأن الحق في المعلومة الصحيحة حق أساسي لا يقبل المساومة. وإلا سنصل إلى لحظة لا يمكن للمواطن ان يميز الكارثة الطبيعية عن كارثة المعلومة. لأن البلاغات الرسمية يجب أن تتحرى الدقة وليس الطمأنة الاصطناعية.

واستيفاء لدروس ما وقع السبت على السلطات أن تعمل لحظة الأزمات على إنشاء “غرفة عمليات موحدة” تجمع جميع المصالح. مع اعتماد آليات التحقق الميداني، قبل إصدار البلاغات الرسمية. إضافة لتطوير نظام الإنذار المبكر، بما يشمل رصد الضحايا والمفقودين وإلزامية التحديث المستمر للمعلومة الرسمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.