يعيش إقليم الحسيمة، منذ ما يزيد عن ستة أشهر، على وقع شلل إداري صامت. الأمر الذي يؤثر على جهود التنمية والاستثمار المحلي.
فالأزمة الإدارية المتفجرة في “الحسيمة” تضرب قلب التنمية المحلية، وهي واقعة غير مسبوقة أحدثت شللا شبه كامل في عمل هاته المؤسسة الحيوية. الأمر الذي يهدد جهود التنمية المحلية ويعطل بالتالي مسار الاستثمار في منطقة تحتاج بشكل عاجل إلى تحفيز اقتصادها وتحسين بنيتها التحتية.
آمال تبقى متوخاة بقوة، لكن الواقع على الأرض يتكلم بعكس هاته الآمال التنموية التي تتطلع إليها المنطقة ويحول بالتالي دون تسريع وتيرة المشاريع وتحسين مناخ الأعمال.
فأن تظل “الوكالة الحضرية” كمرفق حيوي تحت وطأة فراغ إداري مطول، أمر غير مقبول ويثير استياء واسعا وسط الساكنة والفاعلين الاقتصاديين.
عطالة غير مفهومة الدوافع
على الرغم من تعيين “جمال حنفي”، مديرا “للوكالة الحضرية للناظور والحسيمة”، إلا أنه لم يلتحق بمهامه في “الحسيمة” حتى الآن.
غياب يتسبب في عطالة جزئية لعمل الوكالة، الأمر الذي يؤدي لتعطيل البث في ملفات تقنية وإدارية حاسمة، خاصة تلك المتعلقة برخص البناء والتعمير.
وفي هذا الشأن، يشتكي المستثمرون والمواطنون على حد سواء من بطئ المساطر المعتمدة. والتأخر غير المفهوم ولا المقبول في منح التراخيص. مؤكدين أن غياب المسؤول الأول خلق حالة من الفراغ في اتخاذ القرار. وهو ما يطرح علامات استفهام كبرى. هل الأمر يتعلق ب”إجازة مطولة”؟ أم انعكاس ل”وضع إداري غامض”؟
الغياب وتداعياته
لا يمكن النظرلا لهذا الغياب نظرة شكلية بل كضربة موجعة لدينامية الاستثمار والتنمية المجالية في الإقليم. علما أن “الوكالة الحضرية” تعد عصب تنفيذ سياسات إعداد التراب الوطني والتعمير. وهو ما يقوض بالتالي الثقة في المرفق العمومي، في مخالفة لمبادئ الحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة التي ما فتئ جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. يؤكد عليها في مجمل خطبه السامية. كما انها مبدأ دستوري هام وأداة لا بد منها لبناء دولة الحقوق والمؤسسات.
الواقع الراهن يحمل للواجهة فجوة قيادية مستمرة، حيث أن غياب المدير المعين عن مقر العمل في “الحسيمة” أحدث آثارا سابية مباشرة. من جهة تعطيله منح رخص البناء، تجميد المشاريع التنموية وبالتالي تراكم الملفات التقنية والإدارية المودعة. فضلا عن التأخير غير مبرر في المساطر.
كما حمل الوضع آثارا غير مباشرة، من جهة انتشار البناء غير المرخص، تآكل ثقة المستثمرين وتعطيل المشاريع الهيكلية. فضلا عن تفاقم ظاهرة البطالة المحلية.
أمر يقتضى دق ناقوس الخطر من استدامة هذا المنحى السلبي، بما له من آثار سلبية ضمنها انتشار ظاهرة البناء غير المرخص وتعطيل المشاريع الهيكلية التي تحتاج للتصديق الفوري. فضلا عما يحمله من تعميق حالة الإحباط لدى المواطنين والفاعلين الاقتصاديين.
مطالب بالتدخل
في ظل هذا الوضع الشاذ تتصاعد مطالب داعية وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة للتدخل العاجل من أجل معالجة حالة الفراغ المسجلة بهذا المرفق الهام. مع تقديم توضيح رسمي حول الشلل الإداري القائم ذا الصلة بالمرفق. وذلك ضمانا لاستمراريته كمرفق عمومي أساسي لإخراج الإقليم من حالة تعطيل مصالح المواطنين والمستثمرين بما لها من انعكاسات سلبية خطيرة.
تجدر الإشارة إلى ان “الوكالات الحضرية” في “المغرب” تم إنشاؤها بموجب “القانون رقم 90-12″، المتعلق بالتعمير. حيث تلعب دورا محوريا في مجالات إعداد وتنفيذ وثائق التعمير، منح رخص البناء والتعمير، مراقبة احترام قوانين التعمير والمساهمة في إعداد التراب الوطني.
ويؤطر عمل هاته الوكالات إلى جانب “القانون رقم 90-12″، المتعلق بالتعمير، “الظهير الشريف رقم 1-92-31″، الصادر في 17 يونيو من عام 1992. فضلا عن “المرسوم رقم 2-93-652″، المحدد لتنظيمها ومسطرة عملها.
واقع أرخى بظلاله على العطالة التنموية في الإقليم، علما أنه لا يمكن الحديث عن تنمية بدون قرار. ولا عن قرار بدون مسؤول. فالوضع أحدث شللا في حركة الاستثمار العقاري كما ادى لتجميد عدة مشاريع سياحية وبالتالي هروب رؤوس الأموال المحلية. فضلا عن تفويت فرص الشغل للمواطنين.
كما ان هذا الوضع خلف آثارا سلبية على المستوى الاجتماعي. ضمنها تفاقم أزمة السكن، انتشار السكن غير اللائق وتزايد الاحتجاجات الاجتماعية. فضلا عن تسجيل تراجع في الخدمات العمومية. وهو ما يعتبر مخالفة صريحة لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، المنصوص عليه في “الفصل 154 من الدستور المغربي”. إضافة لكونه انتهاك لمبادئ “الحكامة الجيدة” التي تؤكد عليها الخطب المولوية السامية. وبالتالي تعطيل لمبدأ الاستمرارية في المرفق العمومي.
ما يجب التنبيه إليه أن الفراغ الإداري في المؤسسات العمومية يكلف الاقتصاد الوطني مليارات الدراهم سنويا. كما أن فعالية الإدارة ترتبط مباشرة بوجود قيادات منخرطة في الميدان. إضافة لكون الجهات النامية تحتاج إلى إدارة قريبة من هموم المواطنين وليس إدارة معطلة كما هو الحال في وضع الوكالة الحضرية بالحسيمة.
فإقليم “الحسيمة” بمميزاته وواقعه الجغرافي وإمكاناته البشرية والاستثمارية يستحق إدارة فاعلة وفعالة تواكب طموحات الساكنة وتستجيب لحاجياتهم التنموية.