في مداخلة مثيرة، ألقاها النائب البرلماني “عماد الدين الريفي”، في اجتماع “لجنة التعليم والثقافة والاتصال” ب”مجلس النواب” المغربي، الثلاثاء الماضي. والتي عرفت حضور وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، “محمد سعد برادة”. المخصص لدراسة مواضيع تتصل بالدخول الدراسي 2025 ـ 2026.
أبرز النائب البرلماني “عماد الريفي” أن الدخول المدرسي يشكل ككل سنة مناسبة لتقييم حقيقي لمدى قدرة منظومتنا التربوية على الاستجابة لتحديات الزمن الجديد. لكن هذا التقييم لا ينبغي أن يظل رهين الأرقام والجداول والمؤشرات، بل يجب أن يلامس جوهر القضية التربوية في بعدها العميق: أي مدرسة نريد؟ ولأي جيل نُعدّها؟
مقاربة سلط من خلالها الضوء على التحديات العميقة التي تواجه الدخول المدرسي الحالي. وسط أرقام حكومية مشجعة وواقع ميداني لا ينسجم مع هاته الأرقام. ويطرح أسئلة جوهرية حول جودة التعليم وعدالة الولوج إليه.
وأوضح “الريفي” أن الأرقام تؤكد أن نسبة المتعلمين بالمغرب تمثل حوالي 25% من مجموع السكان. أي أن ربع المغاربة يوجدون داخل المنظومة التعليمية. مبرزا أن هذا الجيل جديد بكل المقاييس، ينتمي إلى “أجيال Y وZ وAlpha”. وهي أجيال رقمية، ناقدة، سريعة التفاعل مع العالم، تبحث عن الإبداع قبل التلقين، وعن الفهم قبل الحفظ.
وتساءل “الريفي”: هل المدرسة المغربية، في صيغتها الحالية، قادرة فعلا على مواكبة هذا الجيل؟. وهل أساليب التدريس والبنيات والمناهج الحالية قادرة على التجاوب مع جيل يعيش على إيقاع الذكاء الاصطناعي والتعلم الذاتي؟. ليجيب بكل موضوعية وصراحة وهي المعهودة فيه دوما، قائلا: إننا ما زلنا بعيدين عن ذلك. فما زال التلميذ المغربي يعيش داخل فضاء مدرسي محدود الأفق. فيما عالمه الرقمي لا يعرف حدودا.
وهكذا يشكل الدخول المدرسي مع بداية كل سنة دراسية لحظة تقييم حقيقية لمدى قدرة المنظومة التربوية على التكيف مع تحولات المجتمع الرقمي. في مواجهة أجيال نشأت في بيئة رقمية متسارعة. إلا أن المفارقة، كما جاء في مداخلة “الريفي”. أن المدرسة المغربية لا زالت حبيسة نموذج تقليدي لا يواكب هذا الجيل الرقمي الذي يبحث عن الإبداع قبل التلقين، والفهم قبل الحفظ.
وزير التربية الوطنية يقدم معطيات رقمية حول المنجزات التعليمية
قدم وزير التربية الوطنية، “محمد سعد برادة”. معطيات رقمية، ضمنها ضمان تسجيل 8.2 ملايين تلميذ في مختلف المستويات وإحداث 169 مؤسسة تعليمية جديدة. إضافة لبناء 2461 حجرة دراسية إضافية خلال الموسم الدراسي الحالي مع تسجيله ارتفاع نسبة التمدرس في التعليم الأولي إلى 85%.
تقرير وزير التربية حصيلة رقمية بدون تحقق على الأرض
وقوفا على الحصيلة المقدمة من قبل وزير التربية الوطنية، قال “الريفي”: إن الحصيلة الرقمية المقدمة مهمة ومشجعة. لكنها لا تعني بالضرورة تحسنا في جودة التعليم. فالمعاينة الميدانية تظهر أن العديد من الأقسام ما تزال تضم أكثر من 45 تلميذا، ب”مدينة سلا”، على سبيل المثال. وأن عددا من المدارس القروية تعاني من خصاص حاد في الأطر والتجهيزات. فيما يستمر توسع التعليم الخصوصي دون ضوابط تضمن تكافؤ الفرص والمساواة التعليمية بين مختلف الفئات.
وأضاف قائلا بجرأة: إن هاته الأرقام تسعف في التقارير، لكنها لا تقنع الأسر ولا التلاميذ عندما لا تنعكس على واقع القسم وجودة التعلمات. حيث أن المعاينة الميدانية تبرز وجود مفارقة بين الكم والكيف. فالمدارس القروية تعاني من خصاص في الأطر والتجهيزات. وفي الوقت نفسه لا يخضع توسع التعليم الخصوصي للآليات الرقابية الفعالة لضمان تكافؤ الفرص.
تجدر الإشارة إلى أن القانون المتعلق ب”منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي” ينص صراحة على ضمان “الإنصاف والمساواة في الولوج إلى التعليم الجيد”. غير أن واقع الحال ما زال بعيدا عن هذا المبدأ، وهو ما يستدعي مراجعة شاملة للسياسات التربوية.
التعليم الأولي: قاعدة هشة لإصلاح مؤجل
على الرغم من تثمين “الريفي” جهد الوزارة في فتح 2500 قسما جديدا في التعليم الأولي. إلا أن الهاجس الكمي طغا على البعد النوعي. مبرزا أن الإشكال الجوهري القائم يظل في ضعف التأهيل والتغطية الاجتماعية للمربيات والمربين الذين يشتغلون في ظروف هشة.
وأبرز “الريفي” أن مرحلة التأسيس الأولى في المسار التعليمي مع ما تتميز به في ظل غياب تكوين مستمر كاف وحماية اجتماعية لائقة من ارتباك. هو ما يجعل البداية التربوية للطفل المغربي، وهي الأساس الذي يُبنى عليه التعلم. هشة تربويا وغير مستقرة اجتماعيا. فالإصلاح الحقيقي يبدأ من السنوات الأولى في حياة المتعلم، لا من نهايات مساره الدراسي. مضيفا أن ما يتم بناؤه على ضعف في القاعدة يصعب إصلاحه لاحقا مهما كانت الجهود.
وقائع أكدها تقرير صادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين عام 2024. الذي أوضح أن 60% من مربيات التعليم الأولي لم يتلقوا تكوينا بيداغوجيا كافيا. وهو ما يؤثر مباشرة على جودة التعلم في المراحل اللاحقة. علما أن بناء مدرسة المستقبل يبدأ من السنوات الأولى للطفل، لا من نهايات المسار.
الريادة الرقمية بين الطموح والممارسة
أوضح “الريفي” أن مشروع “مدارس وإعداديات الريادة”، الذي أطلقته الوزارة. يعتبر مبادرة طموحة نحو التعليم الرقمي. إلا أنه بحاجة إلى تقييم واقعي وموضوعي قبل توسيعه.
وأضاف أنه لا بد من الوقوف عند مدى تأثير هاته التجربة على جودة التعلم وعلى أداء الأساتذة داخل الأقسام. مبرزا أن المدرسة الرقمية ليست مجرد تجهيزات وأجهزة حاسوب، بل هي قبل كل شيء فكر بيداغوجي جديد، وثقافة تربوية تحفّز الإبداع وتمنح الأستاذ حرية المبادرة. مفيدا بأن الريادة لا تتحقق بالشعار، بل بالممارسة اليومية، وبقدرة المدرسة على إحداث تغيير في فكر وسلوك المتعلمين. والمدخل خلق بيئة تعليمية تحفز على الإبداع وتكرس حرية الأستاذ في الابتكار.
الدعم الاجتماعي وتكافؤ الفرص
في مجال الدعم الاجتماعي، أوضح “الريفي”، أن لا أحد ينكر المجهودات المبذولة سواء في النقل المدرسي أو المطاعم والمنح. معتبرا أنها على والرغم من أهميتها تبقى مكاسب محدودة أمام الفوارق المجالية الصارخة.
وأكد “الريفي” أن هاته المفارقة واضحة، حيث نجد تلميذا في الجبل يقطع الكيلومترات يوميا نحو مدرسة متواضعة التجهيز. فيما تلميذة في المدينة تملك حاسوبا وإنترنت ومرافق تربوية متكاملة. مضيفا أن هاته الفوارق تكرس اللامساواة، وتضعف بالتالي مبدأ تكافؤ الفرص الذي يعتبر أحد ركائز المدرسة العمومية.
ودعا “الريفي” لتحويل الدعم الاجتماعي من منطق الإعانة إلى منطق العدالة التعليمية. عبر آليات استهداف دقيقة تضمن الولوج المتكافئ وتعيد الكرامة إلى الفعل التربوي في جميع ربوع الوطن.
فالنائب البرلماني “عماد الدين الريفي” وقف فعليا على مكامن الخلل في المنظومة التعليمية، حيث لا تزال الفوارق المجالية صارخة. وهو ما يجعل الخطاب الرسمي بعيد كل البعد عن المتحقق على أرض الواقع. علما أن مبدأ تكافؤ الفرص، الذي أكد عليه الدستور المغربي. لا يمكن تحقيقه إلا بتحويل الدعم الاجتماعي من منطق الإعانة إلى منطق العدالة التعليمية.
الموارد البشرية: حجر الزاوية في الإصلاح
فيما يتعلق بالموارد البشرية، أكد “الريفي” أن أي إصلاح تربوي لا يمكن أن ينجح في غياب أستاذ محفَّز ومكرَّم. مبرزا أنه مع الإقرار بأن الحوار الاجتماعي قطع بعض الخطوات الإيجابية، لكن لا يمكن تحقيق جودة التعليم في ظل شعور متزايد بالإحباط المهني. وغياب رؤية واضحة لمسار الترقية والتحفيز والتكوين المستمر.
وأوضح “الريفي” أن الأستاذ ليس مجرد منفذ للمذكرات، بل حامل لرسالة وطنية. وأن إعادة الاعتبار له ليست مطلباً فئويا، بل ضرورة وطنية لحماية المدرسة العمومية وضمان استمراريتها.
فالمنطق الذي نقله “الريفي” يضع معادلة واقعية إذ لا يمكن الحديث عن إصلاح تربوي بدون أستاذ محفز ومكرم. ولا يمكن الوصول لهاته الغاية في ظل غياب رؤية واضحة لمسار الترقية والتحفيز، وهو ما ولد إحباطا مهنيا في صفوف الأساتذة. وذلك على الرغم من تنصيص القانون على ضرورة “تثمين مهنة التدريس وتحفيزها ماديا ومعنويا”. إلا أن الواقع يكشف عن فجوة عميقة بين النص والتطبيق.
الإصلاح اللغوي بين التنويع والاستعجال
بعد أن ثمن “الريفي” قرار تعميم تدريس “الأمازيغية” و”الإنجليزية”. اعتبر أن التعميم دون تخطيط محكم وتكوين كاف قد يحول هذا الإصلاح إلى عبئ جديد بدل أن يكون فرصة للتنويع والانفتاح. مبرزا أن الإصلاح اللغوي يحتاج لرؤية زمنية واضحة. بموارد بشرية مؤهلة ووسائل بيداغوجية ملائمة، حتى لا نعيد أخطاء الماضي حين تم اتخاذ قرارات استراتيجية دون جاهزية ميدانية.
فعلى الرغم من وصفه الخطوة بالجريئة إلا أن “الريفي” وقف حول حقائق أساسية تعرقل المسار. أهمها ضرورة الانطلاق من تخطيط محكم وتكوين مؤهل لتفادي تكرار أخطاء سابقة. حيث يشدد خبراء في المجال على ضرورة وضع خارطة زمنية وتوفير وسائل بيداغوجية مناسبة لضمان نجاح الإصلاح اللغوي في أفق 2030.
وشدد النائب البرلماني “عماد الدين الريفي” على أن المدرسة المغربية تقف، اليوم، عند مفترق الطرق، أمام منعطف حاسم. فإما أن تتحول لمدرسة المستقبل التي تحتضن طاقات الجيل الجديد، المتسمة بالانفتاح والعدالة، أو تبقى أسيرة مناهج الأمس التي لم تعد تلبي حاجات اليوم. لأن جيل اليوم، “جيل Z وY وAlpha” لا ينتظر من المدرسة أن تلقنه، بل أن تلهمه وترافقه وتفتح أمامه أفق التفكير والإبداع والمسؤولية.
وأوضح “الريفي” أن هاته الآمال لن تتحقق إلا بمدرسة منفتحة، منصفة، عادلة ومرنة، تعيد الثقة بين المجتمع والمدرسة. وتجعل بالتالي التعليم رافعة حقيقية للارتقاء الوطني، لا مجرد عبئ إداري يتكرر كل موسم دراسي.
فالنظام التعليمي الجيد هو ذلك الذي يوفر للمرئ الأدوات اللازمة لصناعة ذاته. وهو ما حاول النائب البرلماني “عماد الدين الريفي” الوقوف عليه من خلال هاته المداخلة التي أسسها عبر طرح سؤال جوهري يتجاوز الأرقام والإحصائيات، أي مدرسة نريد؟ ولأي جيل نعدها؟. لأن الإشكال المركزي الذي قاربه يقوم على تفكيك مدى قدرة البنية التحتية والمناهج وأساليب التدريس الحالية على استيعاب طاقات جيل يعيش على إيقاع الذكاء الاصطناعي والتعلم الذاتي؟.
وهنا الجوهر الفعلي الذي وقف عليه “الريفي” في ظل وجود مفارقة بين إنجازات الأرقام وإشكالات الجودة. حيث البنية التحتية عبارة عن كم غير كاف ونوعية مشكوك فيها. والوقائع تبرز بما لا يدع مجالا للشك أن هناك هوة كبيرة تبرز غياب العدالة المجالية في القطاع. فضلا عن ظاهرة الاكتظاظ بما تحمله من آثار سلبية على التمدرس والتلقي الجيد. إضافة لواقع الهشاشة الذي تعاني منه المدارس في العالم القروي. من جهة تسجيل خصاص حاد في الأطر التربوية والتجهيزات الأساسية. وهو ما يعمق الفجوة المجالية. إضافة لغياب الضوابط الصارمة لعملية توالد التعليم الخصوصي بشكل كبير والضحية التعليم العمومي ومبدأ تكافؤ الفرص، كما ينص على ذلك الدستور المغربي.