في سابقة تثير جدلا واسعا حول احترام القانون ودولة المؤسسات، يعيش المهاجر المغربي المقيم ببلجيكا، “محمد الشمالي”. مأساة عقارية ب”مدينة طنجة”. بعدما سلبت أرضه التي اقتناها بطريقة قانونية. من طرف مؤسسة عمومية، تسمى “الوكالة الخاصة طنجة المتوسط (Tanger Med)”، بدعوى نزع الملكية لفائدة المنفعة العامة.
غير أنه وعلى الرغم من مرور حوالي سبع سنوات على اتخاذ قرار نزع الملكية، وعدم إنجاز اي مشروع فوق القطعة المصادرة بدون حق، علما ان القانون يمنح المؤسسة سنتين لإنجاز المشروع. وعلى الرغم من صدور حكم قضائي يطالب بإرجاع ملكية الأرض لصاحبها. إلا أن الامر بقي معلقا من خارج السياق القانوني. ودون تحديد مصدر تعطيلة؟ ولا الجهة المسؤولة عن تعليق تنفيد المقتضيات القانونية والحكم القضائي الصادر. وهو الأمر الذي حول القضية من ملف إداري إلى ممارسة سمتها “التسلط” وإهذار الحق بدل السلطة النصية القانونية وترسيخ دولة الحق والمؤسسات والقانون. في واقعة مستغرب حدوثها علما أنها تعكس معاناة مواطن مغربي لبى دعوة صاحب الجلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله وأيده. وعاد للاستثمار في وطنه. إلا ان عودته ووجهت بعقلية معطلة للاستثمار ومحقرة للقوانين وللأحكام القضائية. تشكل “غولا” يقتل التنمية في البلاد.
من “نزع الملكية” إلى “تحقير مقرر قضائي”
يؤكد “الفصل 35 من دستور المملكة المغربية” أن “الحق في الملكية مضمون، ولا يمكن الحد منه إلا في حالات ينص عليها القانون. وبمقتضى قرار قضائي”.
كما ينص “الظهير الشريف رقم 1.81.254 بتاريخ 6 ماي 1982″، المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، في فصله الثالث، على أن تنفيذ نزع الملكية يجب أن يتم خلال أجل محدد وإلا أعيدت الملكية إلى صاحبها الأصلي.
فيما أكد الحكم الصادر عن “المحكمة الإدارية بالرباط”، بتاريخ 27 مارس 2023. على مبدأ قانوني جوهري وهو أن “تقييد العقار لا يساوي نزع الملكية فعليا”.
رغم كل ذلك، ترفض “الوكالة” إعادة العقار للمهاجر المغربي في خرق سافر للمقتضيات القانونية. وفي تحقير لمقرر قضائي. وهو ما يضرب هيبة القضاء ويستهزئ بالتالي بأحكام صادرة باسم جلالة الملك، حفظه الله. الأمر الذي يستوجب المساءلة القانونية والزجر طبقا “للفصل 266 من القانون الجنائي المغربي” الذي يجرم الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية. على اعتبار أن لا احد فوق سلطة القانون، ولا كرامة لدولة لا يحترم فيها القضاء.
تداخل السلطة الإدارية والمصلحة العامة
بدأت تفاصيل القضية في يوليوز من عام 2020، حين وضعت وكالة “Tanger Med” يدها على العقار “رقم 61/34258″ الكائن بالمنطقة الصناعية بـ“الجوامعة” ب”إقليم فحص أنجرة”. تحت ذريعة المنفعة العامة. ليتحول لاحقا لحجز فعلي للقطعة الأرضية من خارج السياق القانوني. بما أنه لم يتم تنفيذ أي مشروع بصورة فعلية. الأمر الذي يثير الشك حول الدوافع والخلفيات؟ وعن الجهة المستفيدة من هاته المصادرة بدون سند قانوني؟، علما أن الأرض خاضعة لإجراءات التحفيظ العقاري. وهو ما عطل المشروع الاستثماري الذي كان “الشمالي” ينوي إقامته على تلك القطعة الأرضية. وأفقد بالتالي المواطنين مورد رزق والدولة سيولة ضريبية.
يقول المتضرر إنه لم يكن ليعترض “لو أن المشروع فعلا يخدم الصالح العام”، لكنه فوجئ بأن الأرض بقيت مهجورة، دون أي استغلال، منذ حوالي سبع سنوات. في مخالفة لصريح النص القانوني. وبالتالي استحواذ من خارج السياق القانوني على ملك عائد للأغيار.
طلب التدخل الملكي من أجل الإنصاف واسترجاع الحق
بعد استنفاد جميع المساطر القانونية، وتوجيه مراسلات رسمية للديوان الملكي وجهات أخرى. يطالب “الشمالي” صاحب الجلالة الملك “محمد السادس” بإنصافه مما لحقه من ظلم وسطو على حقوقه العقارية. مؤكدا ثقته في المؤسسة الملكية والقضاء المغربي.
وأكد “الشمالي” أن هدفه ليس الصراع مع مؤسسات الدولة، بل المطالبة بإعمال العدالة ورد الحقوق لإصحابها طبقا للدستور وروح الإنصاف. راجيا أن يحظى بتدخل مولوي سام لا يحمل سوى مطلبا بسيطا، وهو فتح تحقيق في الوقائع والبناء على الخلاصات والاستنتاجات المتوصل إليها. لأن العدالة ليست مجرد نصوص قانونية، بل روحا تنصف الضعيف أمام القوي.
فالقضية في عمقها تسلط الضوء على مفارقة عميقة بين متطلبات التنمية الاقتصادية وحماية حقوق الملكية الفردية. فبينما تبرر بعض المؤسسات نزع الملكية باسم المصلحة العامة، تبقى الشفافية في التنفيذ والاحترام الصارم للآجال القانونية محددا لمصداقية تلك المؤسسات.
وفي هذا السياق، يرى عدد من القانونيين أن عدم تنفيذ المشاريع بعد نزع الملكية يمثل انحرافا في استعمال السلطة. ويشكل بالتالي خرقا واضحا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، المنصوص عليه في “الفصل الأول من الدستور المغربي”. محذرين من أن استمرار مثل هذه الممارسات يبعث إشارات سلبية للمستثمرين المغاربة بالخارج، ويضعف الثقة في المناخ الاستثماري بالمملكة.
ويبقى السؤال المركزي الذي يفرض نفسه ارتباطا بهاته القضية، هل تمارس السلطة لخدمة القانون؟ أم يتم استخدام القانون لتبرير التسلط؟.
فالعدالة ليست مجرد كلمة في القاموس، بل هي حجر الأساس لأي مجتمع متحضر. وهاته القضية تثير أسئلة عميقة حول توازن مبادئ التنمية وحقوق الملكية في المغرب. علما أن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة في المغرب يخضع لموجب قانوني وليس لأهواء “الوكالة الخاصة طنجة المتوسط”، التي تعتبر مؤسسة عمومية أحدثت لتطوير المنصة اللوجستية والصناعية بمنطقة طنجة. إلا أنها تخضع لسلطة الدستور والقانون المغربي. وهو ما لم تحترمه “الوكالة” وبالتالي فالقضاء ملزم باتخاذ الإجراءات القانونية المطلوبة حماية لأملاك المواطنين وحقوقهم كمغاربة من رعايا عاهل البلاد المفدى المحمية بمقتضيات “الفصل 35 من الدستور المغربي”.
فالأمم لا تنهار في الحروب بل عندما تفقد الثقة في عدالة نظمها. وبالتالي تبقى قضية “الشمالي” اختبارا حقيقيا وفعليا لمصداقية دولة القانون والمؤسسات في المغرب.