التصدي لأخطبوط الفساد في المغرب بين الجهد القضائي الكبير والطموح المؤسساتي لبثره

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

أصدرت أقسام الجرائم المالية بمحاكم الاستئناف بمدن “الرباط”، “الدار البيضاء”، “فاس” ومراكش 416 قرارا قضائيا، خلال عام 2024. ذات صلة بمكافحة الفساد المالي والإداري.

يعكس هذا الإنجاز جهودا قضائية كبيرة لمحاربة الفساد وضمان الشفافية والمساءلة القانونية. وهو ما يعكس حجم التحدي القانوني الذي تواجهه منظومة العدالة المغربية.

وفي هذا السياق، كشف التقرير أنه قد تم إصدار 416 قرارا قضائيا خلال عام 2024، متصلة بقضايا فساد مالي.

أرقام تعكس الجهود القضائية المبذولة للتصدي للجرائم المالية وضمان الشفافية في التدبير المالي. بما يؤشر على حصول قناعة راسخة لدى المؤسسة القضائية بضرورة ضمان المساءلة القانونية لجميع المتورطين في اختلالات مالية.

تجدر الإشارة غلى أن هاته القرارات تتضمن مختلف الأحكام والإجراءات الصادرة، ذات الصلة بالجرائم المالية. ضمنها المتابعات، الأحكام والإجراءات المسطرية المتعلقة بالحجوز التحفظية على الأموال والمنقولات.

تقرير يعكس الجهد المبذول في مجال ضمان الحكامة الجيدة. عاكسا حجم التحدي الذي يواجه القضاء المغربي في مجال مكافحة الفساد المالي. ودوره الهام في تعزيز الشفافية والنزاهة الإدارية. والتصدي بقوة القانون لكل أشكال التطاول والتعدي على المال العام.

الأطر القانونية والمؤسسية الواجبة للتصدي للاعتداء على المال العام 

يعتبر تحقيق الشفافية المالية وتخليق الحياة العامة من أكبر التحديات التي تواجه “المغرب” في عملية بناء الاقتصاد الوطني وجلب الاستثمارات. فضلا عن تحقيق التوازن السياسي والاجتماعي.

ولتحقيق هاته الغايات الاستراتيجية لا بد من تفعيل دور أقسام الجرائم المالية المتخصصة وتطبيق القانون 
المتعلق بالكشف عن الذمة المالية. مع تفعيل اختصاصات “الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة”. وتعزيز دور القضاء باعتباره رافعة للإصلاح المؤسسي مع الاستجابة لمتطلبات الشفافية الدولية. وذلك تفعيلا  للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. 

ومن هذا المنطلق تبقى محاربة الفساد أولوية لا بد أن يتم أخدها بعين الاعتبار ضمن الرؤية الإستراتيجية لإصلاح القضاء كاستجابة اقتصادية وأيضا مجتمعية. تعزيزا لثقة المواطنين في نزاهة الإدارة والعدالة. فالعدالة المستقلة والفعالة هي حجر الزاوية في بناء دولة القانون. كما أن تحقيق الشفافية في تسيير المال العام عنصر أساسي لاساعادة الثقة بين الدولة والمواطن. إذ لا تنمية حقيقية بدون محاربة فعلية للفساد.

ويبقى أن إصدار 416 قرارا قضائيا في قضايا فساد مالي خلال عام واحد، مؤشرا إيجابيا على تصاعد فعالية الجهود القضائية في محاربة الظاهرة. الأمر الذي يؤشر على التزام رسمي بتعزيز نزاهة الإدارة والشفافية في تسيير المال العام. استجابة لتطلعات للتنمية والإقلاع الاقتصادي وأيضا لتطلعات الرأي العام المتزايدة نحو تحقيق عدالة ناجعة وفعالة في مكافحة الفساد. 

التوزيع الجغرافي للقرارات الصادرة وتصنيفها 

بإطلالة حول الحصيلة وتوزيعها حسب المحاكم موضوع التقرير. نجد أن محكمة الاستئناف ب”الدار البيضاء” أصدرت 142 قرارا، مركزة على الجرائم المالية الكبرى على الخصوص. فيما أصدرت محكمة الاستئناف ب”الرباط” 128 قرارا، شملت قضايا ذات طابع وطني.

أما محكمة الاستئناف ب”فاس” فحضرت هي الأخرى ب82 قرارا، شملت قضايا الاختلالات الجهوية. وأخيرا محكمة الاستئناف بمراكش ب64 قرارا، مركزة شملت مجالات الاستثمار والعقار.

وفيما يتعلق بالتصنيف الموضوعي للقرارات. نجد أن 48% من القرارات الصادرة ذات صلة بقضايا اختلاس وتبديد المال العام. وأن 23% مرتبطة بقضايا غسل الأموال والثراء غير المشروع. فيما تم تسجيل أن 19% من هاته القرارات متصلة بالرشوة واستغلال النفوذ. و10% بقضايا التزوير والاحتيال المالي.

وعلى العموم، يبقى مؤشر النتائح المحصل عليها مشجعا. حيث أن معدل الإنجاز القضائي حقق زيادة فعالية بمقدار 34% مقارنة بعام 2023. كما أن قيمة الأموال المحجوزة تجاوزت 2.3 مليار درهم. فيما بلغ عدد المتورطين من كبار المسؤولين 87 مسؤولا ساميا.

أرقام تعكس تحولا مؤسساتيا هاما في التعاطي مع ملف الفساد. مع تسجيل الانتقال من المقاربة الأمنية إلى المقاربة القضائية الشاملة.

ومن المنتظر أن تنعكس هاته النتائج إيجابا على تصنيف المغرب في “مؤشرات الشفافية الدولية”. وأن تعمل بالتالي على تحسين مناخ الأعمال والاستثمار مع ترسيخ ثقافة المساءلة والمحاسبة. وتكريس سياسة الانتقال من النموذج الزجري إلى النموذج الوقائي الشامل. من خلال تعزيز الحكامة المؤسسية وتبني التقنيات الرقمية في الرقابة. فضلا عن بناء شراكات دولية متقدمة.

وتبقى معركة التصدي للفساد طويلة لأن الأمر يتعلق بأخطبوط متشابك رسخ أنيابه في كل المؤسسات العامة والخاصة. إلا ان هاته الخطوات المسجلة تبقى ضرورية ومحفزة. انطلاقا من الأإيمان بأن خطوات الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. والقناعة الراسخة بشعل شمعة بدل تقديس سلطة الظلام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.