منتخب جماعي ب”سلا”: سكر ومخدرات تعكس أزمة أخلاق في تدبير الشأن المحلي

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

كشفت حادثة سير وقعت فصولها ب”مدينة سلا”، عن وجهٍ آخر لأزمة القيم في تدبير الشأن المحلي. بعدما ضبطت عناصر الشرطة القضائية أحد المنتخبين الجماعيين في حالة سكر علني بين، وبحوزته كمية من مخدر “الشيرا”. بينما كان يستعمل سيارة تابعة للمجلس الجماعي دون ترخيص رسمي.

الحادثة عرت واقع التدبير الجماعي وما وصل إليه من واقع مأساوي. فضبط مستشار ب”جماعة سلا” في حالة سكر طافح وبحوزته مخدر “الشيرا” وهو يستقل سيارة جماعية بشكل غير قانوني. لا يمكن النظر إليه من وجهة نظر عابرة أو كسلوك نشاز. بل تعبيرا عن واقع حال التدبير الجماعي وما ينخر كيانه من أورام سرطانية خبيثة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحقق التنمية. لأن الحادثة نقلت مشاهد لخروقات خطيرة من استعمال السيارة الجماعية في غير الشق المخصص لها إلى استعمالها وسيلة لممارسات غير أخلاقية. وهنا يتم طرح سؤال من فوض لل للمستشار الجماعي أمر استعمال السيارة الجماعية؟. وهل كان يتوفر لحظة الاستعمال على أمر للقيام بمهمة؟. وإن كان الأمر كذلك فعن أية مهمة يمكن أن نتحدث؟. ما دامت عناصر الشرطة القضائية ضبطت المستشار في حالة سكر طافح ومتحوز بكمية من المخدرات “الشيرا” داخل السيارة. وهو ما يشعل النقاش ويقتضي مقاربة الواقعة من كل أبعادها.

حادثة سير تفضح المستور

تعود فصول الحادثة لمنتصف “الأسبوع الماضي” بعد ان تدخلت دورية للأمن ب”سلا”، على إثر حادث مروري بسيط وقع بإحدى شوارع المدينة. غير أن المعاينة كشفت مفاجأة غير متوقعة، مفادها أن المنتخب الجماعي في حالة سكر طافح، داخل سيارة الجماعة، وبحوزته مادة مخدرة. ليتم توقيفه فورا. وبالتالي وضعه تحت تدبير الحراسة النظرية، في انتظار عرضه على وكيل الملك.

متابعة المستشار الجماعي قضائيا

بعد الاستماع لإفادة المستشار الجماعي، قررت النيابة العامة متابعته بتهم تتعلق ب”السكر العلني البين، السياقة في حالة سكر وحيازة المخدرات”، وفققا للقانون المغربي المجرم لهاته الأفعال. والذي يعاقب عليها بالسجن مع الغرامة.

ليتم الإفراج عنه لاحقا بكفالة مالية قدرها 3000 درهم. مع سحب رخصة السياقة إلى حين انعقاد الجلسة القضائية التي تم تحديدها في 10 أكتوبر الحالي. في الملف رقم “2025/2104/3960”.

استغلال سيارات الدولة خرق للقانون الجماعي

الحادثة سلطت الضوء على مجموعة من الخروقات الجسيمة. ضمنها استغلال سيارات الجماعات لأغراض شخصية. في خرقٍ واضح للميثاق الجماعي، الذي يحصر استعمال سيارات المرفق العمومي في المهام الإدارية فقط.

وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مسؤولية المجلس المحلي في ضبط ومراقبة استخدام ممتلكاته. خاصة وأن السيارة المعنية تحمل شعار الجماعة.

واقعة فجرت مجموعة من التساؤلات القانونية والإدارية المشروعة، ضمنها هل أعدت السلطات المحلية تقريرا رسميا مفصلا حول الحادثة؟. وهل عقد مجلس “جماعة سلا” أو “مقاطعة المريسة” اجتماعا طارئا لمناقشة تداعياتها؟. وما مصير الخسائر المادية التي لحقت بالسيارة الجماعية؟. وهل كان المنتخب الموقوف يملك تفويضا قانونيا لاستعمال السيارة؟.

أسئلة مشروعة تنتظر إجابات رسمية، في وقت يتطلع فيه المواطن إلى شفافية أكبر ومحاسبة حقيقية للمسؤولين العموميين.

تجدر الإشارة إلى أن المستشار الموقوف ينتمي إلى أحد أحزاب الأغلبية المسيرة لمجلس “جماعة سلا”،  (التجمع الوطني للأحرار). كما أنه يشغل منصب نائب ل”عبد القادر لكجيل”، القيادي ب”حزب الاستقلال” داخل “مقاطعة المريسة”.

والغريب في الأمر هو ما تناقلته مصادر محلية، من سعي بعض الجهات التدخل للتأثير على مجريات التحقيق المتصل بالقضية. والذي أعاقه وقوع المستشار في حالة التلبس. وهو ما جعل النيابة العامة تتعامل مع الملف بصرامة تامة.

فالقضية عكست خللا بنيويا في تدبير الشأن المحلي، حيث كشفت عن غياب كلي لآليات المراقبة والمساءلة. كما أن الوقائع وضعت السلطات القضائية أمام مسؤولياتها في اختبار فعلي لمدى استقلاليتها، إذ أن القانون فوق الجميع، ولا امتياز لأي شخص بسبب صفته التمثيلية أو انتمائه الحزبي.

واقعة تعكس أزمة أخلاق الحكم المحلي

كشفت هاته الواقعة مجددا أزمة الأخلاق في الممارسة السياسية المحلية. إذ لم تعد بعض المجالس قادرة على الحفاظ على صورة المسؤول العمومي القدوة. وهو ما يعمق فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة.
ويعيد الحدث بالتالي النقاش حول ضرورة تفعيل “مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة” المنصوص عليه في “الفصل الأول من دستور المملكة لعام 2011”. مع توسيع صلاحيات “المفتشية العامة للإدارة الترابية” لمراقبة استغلال الممتلكات العمومية.

فحادثة “سلا” عرت المستور في التدبير الجماعي، ودقت جرس إنذار حول “انهيار أخلاقي” يهدد مصداقية العمل الجماعي. وهو ما يتطلب إصلاحا سياسيا وأخلاقيا جذريا حقيقيا يعيد الاعتبار للمسؤولية العمومية، ويضع حدا لحالة التسيب والفوضى الممارسة ويوقف جراح استعمال السلطة في غير محلها.

فالواقعة تتجاوز كونها جنحة إلى وجود شبهات إدارية وجنائية أخرى. حيث تشكل قضية استغلال سيارة الجماعة نموذجا لمشكلة أوسع. تتصل باستخدام المال العام، (مركبات، معدات، ميزانيات). لخدمة مصالح شخصية. وهو ما يؤدي لإهدار موارد المجتمع وتقويض ثقة المواطنين في المؤسسات. فضلا عن ترسيخ ثقافة “الامتياز” و”الإفلات من العقاب” بين بعض المنتخبين والموظفين. فيما تشدد “القوانين التنظيمية للجماعات الترابية”، على مبادئ الشفافية والنزاهة في التسيير، وهو ما تم خرقه في هاته الواقعة. علما أن الفساد لا يمكن حصره في سرقة المال العام فقط، بل يتعداه لسرقة مستقبل الشعب.

واقعة سلا بين هلوسة النفي الانتخابي والوقائع القضائية 

لم يقف المستشار الجماعي، موضوع الفضيحة بكل أركانها الأخلاقية والقانونية. عند حدود الجرم الذي ارتكبه بل تجاوزه لمستوى نفي ما نسب إليه، مدعيا أن الواقعة “مختلقة”. فيما تؤكد محاضر الضابطة القضائية وجود معاينات دقيقة وشهادات تؤكد حالة التلبس. كما ان المدعي البراءة اعترف بالمنسوب إليه خلال جلسات الاستماع والمدونة في محضر رسمي.

كان من الأجدى بالمستشار أن يقدم اعتذارا رسميا عما بدر منه، لا أن يدخل في نفي وقائع متبثة بالتلبس والوقائع الميدانية واعترافاته. فالمجالس المنتخبة يجب أن تكون قدوة في النزاهة والانضباط، لا مصدر فضائح تسيء لثقة المواطن في المؤسسات. لأن السلطة دون مسؤولية تولد الفساد، والمسؤولية دون مراقبة تقتل الثقة.

“حالة التلبس” وسمو القانون

عرت حادثة “سلا” ورقة التوت التي تغطي التدبير الجماعي ب”سلا”. وكشفت عن قضية معقدة تمس مصداقية التسيير المحلي. علما ان الوقائع مثبتة ولا مجال للشك أو الطعن فيها. حيث عرف المشرع التلبس على أنه يكون قائما إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكاب الجريمة أو على إثر ارتكابها مباشرة. وهو ما وقع تحديدا في حادثة المستشار الجماعي.

وبناء على هاته الوقائع مارست النيابة العامة اختصاصاته والصلاحيات المخولة لها قانونا بإصدار امر توقيف المشتبه فيه فورا. وذلك ضمانا لحماية النظام العام وتطبيق مبدأ “سمو القانون فوق جميع الاعتبارات الحزبية أو العائلية”. علما أن المنتخب لا يتمتع بأي حصانة في الجرائم غير المرتبطة بممارسة مهامه، خاصة إذا كان في حالة تلبس.

تجدر الإشارة إلى حالة التلبس في القانون المغربي تعتبر من أقوى الضمانات القانونية. والتي تمنح للسلطة القضائية صلاحيات استثنائية. حيث ينص قانون المسطرة الجنائية على أن ضباط الشرطة القضائية يمكنهم التحرك تلقائيا في حالات التلبس دون انتظار شكاية. وهي صلاحيات تجعل من الصعب جدا تغييب المتابعة فيها أو التأثير على المسطرة.

علما ان المشرع حدد شروط تحققها في ارتكاب الجريمة في حالة مشهودة، أو يلحق بها الصياح. مانحا لضباط الشرطة القضائية التحرك فورا وحتى دون إذن من النيابة العامة. كما اعتبرها أحد أهم الضمانات القانونية لمكافحة الفساد والجريمة. إذ تتيح للسلطات القضائية التحرك السريع والفعال كما أنها تمنع محاولات التلاعب أو التأثير على الشهود والأدلة. فضلا عن كونها تعتبر من الأدوات القانونية التي تحول دون “الإفلات من العقاب. وغالبا ما تكون “جريمة التلبس” في قضايا الفساد، هي العامل الحاسم في ضمان سير العدالة.

وفي مقابل ذلك منح المشرع قواعد دستورية وقانونية لضمان استقلال القضاء. ضمنها تأكيد الدستور المغربي على أن القضاء مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. كما أن “القانون التنظيمي للقضاء” يضمن حياد القضاة واستقلاليتهم.

حادثة “سلا” بين “التدخلات” و”الشفافية”

أفادت مصادر مطلعة بأن جهات معينة دخلت على خط القضية في محاولة لممارسة وساطات لإغلاق الملف وطيه أو تخفيف تبعاته. إلا أن وجود حالة التلبس جعلت النيابة العامة تتشبث بتطبيق القانون دون محاباة. إيمانا منها بأن العدالة تسري على الجميع ولا تخضع للانتماء والولاء السياسي. بل تقوم على مبدأ أساسي يقول بالمساواة بين الجميع أمام القانون. علما أن التستر على الأفعال المخلة بالثقة العامة يضرب جوهر الديمقراطية.

وأبرزت ذات المصادر أن جهات حزبية وعائلية بدلت محاولات مكثفة للضغط من أجل إخراج القضية من إطار التلبس. وذلك بهدف التمهيد لـ”طي الملف” أو تحويله إلى “مخالفة عادية” بدل الجناية. إلا ان كل هاته المحاولات باءت بالفشل أمام حالة التلبس القوية الموجودة والإجراءات القانونية المتخذة.

مسؤولية تسيير المال العام والسيارات الجماعية

ينص “القانون التنظيمي” المتعلق بالجماعات الترابية على أن كل استعمال لوسائل الجماعة لأغراض شخصية أو خارج نطاق المهام الموكلة يعتبر سوء استعمال للمال العام. ويخول هذا القانون لوزارة الداخلية الحق في مباشرة  تحقيق إداري ومطالبة المجلس الجماعي باتخاذ إجراءات تأديبية. والتي قد تصل إلى العزل أو الإقالة في حال ثبوت سوء الاستعمال.

وانطلاقا من هذا النص الواضح ، تتداعى تساؤلات عدة ذات صلة بالموضوع ضمنها. هل تم فتح تحقيق إداري داخل مجلس جماعة سلا بخصوص استعمال السيارة الجماعية؟. ما مصير الخسائر المادية الناتجة عن الحادثة؟. وهل سيتفاعل المجلس الجماعي أو وزارة الداخلية مع الواقعة عبر المساطر التأديبية المنصوص عليها قانونا؟. إذ لا أحد فوق القانون، ولا كرامة لوطن بلا عدالة، كما سبق لجلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. أن اكد عليه في خطاب ألقاه عام 2013 في موضوع إصلاح العدالة.

القضية في أبعادها العامة تعيد إلى الواجهة سؤال الأخلاق في العمل السياسي والمساءلة في تدبير الشأن العام المحلي. كما تؤكد أن التطبيق الصارم للقانون هو الطريق الأوحد لاستعادة ثقة المواطنين في مؤسساتهم المنتخبة.

بين القانون والفساد: حين تتحول سيارة الجماعة إلى وسيلة خاصة

يجدد “القانون التنظيمي للجماعات الترابية” بوضوح أن كل استعمال لممتلكات الجماعة لأغراض شخصية أو خارج نطاق المهام الرسمية يعد سوء استعمال للمال العام. وبالتالي، فإن استعمال سيارة الجماعة لأغراض شخصية أو في حالات غير إدارية يشكل خرقا جسيمًا للقانون. وهو ما يفتح الباب أمام متابعة تأديبية وإدارية قد تصل إلى العزل من المنصب.

بل والأخطر من ذلك كله هو تحويل السيارة الجماعية من أداة لخدمة المصلحة العامة إلى وسيلة لممارسة أنشطة غير قانونية. وهو ما يعد خروجا صارخا عن الضوابط الإدارية والأخلاقية.

واقعة تقتضي تفعيل المساءلة القضائية عن الجرائم المرتكبة، طبقا للقانون الجنائي المغربي. ومساءلة إدارية، من طرف وزارة الداخلية عند ثبوت إساءة استعمال موارد الجماعة. ومساءلة سياسية أمام الرأي العام، باعتبار أن المنتخب يمثل المواطنين ولا يملك عليهم سلطة مطلقة. فلا إصلاح بدون ربط المسؤولية بالمحاسبة. كما اكد على ذلك صاحب الجلالة الملك “محمد السادس”، حفظه الله. في خطاب العرش لعام 2017. لأن القضية تعتبر نموذجا مصغرا لظاهرة الفساد في تدبير الشأن المحلي، حين تتحول السلطة إلى وسيلة لتحقيق مصالح شخصية. كما أن تفاعل النيابة العامة الصارم يعتبر رسالة واضحة بأن “دولة الحق والقانون” لا تعرف حصانة إلا للضمير والنزاهة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.