زكت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، أمس الثلاثاء، الحكم الابتدائي الصادر في حق “محمد الشرقاوي”، الرئيس السابق ل”مقاطعة طنجة المدينة”، القاضي بعزله من منصبه وتجريده من عضويته داخل “مجلس جماعة طنجة”.
وبهذ القرار تسدل “إدارية الرباط الاستئنافية” الستار على واحدة من أكثر الملفات إثارة للجدل القضائي والسياسي في المشهد المحلي ب”مدينة طنجة”. بعد أشهر من المرافعات في موضوع ما أسمته السلطات الإقليمية “تسجيل اختلالات تدبيرية” خلال فترة توليه المسؤولية. في تجسيد لمبدا أن “القانون فوق الجميع، والمسؤولية تقتضي المساءلة”.
تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الإدارية ب”طنجة” كانت قد أصدرت، في وقت سابق، حكما ابتدائيا قضى بعزل “الشرقاوي”. بناء على تقارير تفتيشية أنجزتها مصالح وزارة الداخلية رفعتها ل”والي جهة طنجة–تطوان–الحسيمة”.
مسار طويل من المراقبة والمساءلة
تعود فصول القضية لتقارير تفتيشية أنجزتها “المفتشية العامة للإدارة الترابية” التابعة ل”وزارة الداخلية”. والتي رفعت في شأنها تقارير ل”والي جهة طنجة–تطوان–الحسيمة”، “يونس التازي”.
وقد سجل هاته التقارير، ما اسمته، “تجاوزات في منح التراخيص وربط إداري خارج الصلاحيات القانونية للمقاطعة”. الأمر الذي دفع السلطات الإقليمية لتفعيل المسطرة التأديبية المنصوص عليها في “المادة 64 من القانون التنظيمي رقم 113.14″، المتعلق بالجماعات الترابية. لتتم عقب ذلك إحالة الملف على أنظار القضاء الإداري.
تجدر الإشارة إلى أن المادة 64 من قانون الجماعات الترابية تنص على أن “كل رئيس جماعة ثبت ارتكابه لأفعال مخالفة للقوانين والأنظمة يمكن أن يعرض على العزل بقرار قضائي. بناء على طلب من عامل العمالة أو الإقليم”. فيما تؤكد الفقرة الثالثة من ذات المادة على أن “الحكم القضائي بالعزل يؤدي إلى فقدان العضوية داخل مجلس الجماعة”. وهو ما تم تطُبيقه في هاته الحالة.
الشرقاوي: “ربحتم المعركة مع قاضي الأرض وسأربحها مع قاضي السماء”
في أول تعليق له عقب صدور القرار. نشر “محمد الشرقاوي” تدوينة على صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك”، قال فيها: “قضت محكمة الاستئناف، اليوم، بتأييد الحكم الابتدائي في حقي. وبهذا أشكر الأساتذة الأفاضل الذين دافعوا عني بكل مهنية. وأشكر كل من آزرني ولو بكلمة طيبة. وأختم قولي: منير واشتوكة لقد ربحتم المعركة مع قاضي الأرض، وسأربحها مع قاضي السماء والأرض”.
تصريح يحمل نبرة استياء من الحكم الصادر. دون إعلان نيته الطعن في القرار لدى “محكمة النقض”، باعتبارها آخر درجات التقاضي في هذا النوع من المنازعات الإدارية.
تفعيل رقابي للتدبير المحلي
يأتي هذا القرار في وقت تكثف فيه “وزارة الداخلية” عمليات المراقبة والتدقيق المالي والإداري في شأن تسيير الجماعات الترابية. تماشيا مع مقتضيات الدستور الذي يحمل الولاة والعمال مسؤولية السهر على احترام القوانين.
ويرى محللون أن هاته الخطوات تندرج ضمن مسار ترسيخ “مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة” الدستوري. الهادف ل“تعزيز الشفافية في تدبير الشأن المحلي ومواجهة أي انحراف في استعمال السلطة”. اعتبارا لكون الديمقراطية المحلية لا تكتمل إلا بوجود رقابة فعالة ومساءلة نزيهة.
نحو حكامة محلية أكثر صرامة
تمثل قضية “الشرقاوي” خطوة في مسار تفعيل الرقابة القضائية على التدبير الجماعي. خصوصا بعد أن أصبح القضاء الإداري يمارس دوره كسلطة مستقلة في تقييم أداء المنتخبين.
ويرى خبراء في القانون أن هذا القرار قد يشكل سابقة قضائية في ملف تسيير الجماعات. حيث من المنتظر أن يدفع رؤساء المجالس لتشديد احترام المساطر القانونية والإدارية، خاصة فيما يتعلق بمنح التراخيص أو تدبير الممتلكات الجماعية. فالملف يسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين حرية التدبير المحلي والرقابة المركزية. وبهذا القرار تكون محكمة الرباط قد أغلقت فصلا قضائيا. إلا أن الملف يفتح نقاشا أوسع حول مستقبل الحكامة المحلية بالمغرب، وحدود استقلالية المنتخبين في تسيير الشأن العام. فالعدالة ليست في أن تنتصر لطرف بل في أن تعيد الثقة في المؤسسات.